أشار المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، إلى أن "الدراسات والأبحاث العلمية تثبت وجود علاقة ارتباط وثيقة بين الجريمة، من جهة، وعدم التكيف الاجتماعي، من جهة ثانية، فكان من الطبيعي أن تشكل المقاربة الإصلاحية أحد الركائز الأساسية لمعاملة الأحداث، وذلك قصد تمكينهم من الوسائل الضرورية لإعادة اندماجهم في المجتمع، مع استحضار خصوصيتهم أثناء تنفيذ العقوبة ومراعاة مصلحتهم الفضلى".
وأضاف المندوب في كلمة له بمناسبة اللقاء الوطني لتتبع مخرجات المناظرة الوطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون، تحت شعار "من أجل تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون" الذي تنظمه رئاسة النيابة العامة بشراكة مع منظمة اليونسيف، اليوم الإثنين، إن "معالجة هذا الموضوع تقتضي استحضار التقاطع القائم بين المقاربة القانونية والمقاربة الأمنية والمقاربة الإصلاحية التربوية".
وتابع: "بخصوص المتابعة القضائية للأحداث في حالة اعتقال، تم سنة 2023 تسجيل 3029 أمرا بالاعتقال، 64% منهم غادروا المؤسسات السجنية خلال نفس السنة إما بقرارات موجبة للإفراج كالتسليم لولي أمره (432 حدثا)، أو رفع حالة الاعتقال مع الإيداع بمركز حماية الطفولة (97 حدثا) أو بأحكام بالبراءة (31 حدثا) أو بعد قضاء عقوبة سالبة للحرية لا تتجاوز في أقصاها سنة واحدة".
وأبرز أن "مناقشة التحديات التي يفرضها التعامل مع هذه الفئة الخاصة من الساكنة السجنية تستلزم تحديد المتغيرات الأساسية الخاصة بها كالتوزيع حسب الجنس والوضعية الجنائية ومدة العقوبة ونوع الجرائم والجنح المرتكبة".
وذكر أنه "إلى حدود 05 يونيو الجاري بلغ عدد الأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية ما مجموعه 1069 معتقلا، 4% منهم إناث. ربع هذه الفئة موضوع رهن الاعتقال بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالبيضاء والباقي موزعون على 42 مؤسسة سجنية، 722 منهم تم إيداعهم في السجن للمرة الأولى، 185 عائدون للمرة الأولى، 139 عائدون مرتين فأكثر. وتبقى نسبة الاعتقال الاحتياطي في صفوف هذه الفئة من المعتقلين (80%) مرتفعة بالمقارنة مع النسبة العامة للاعتقال الاحتياطي (34%)".
أما فيما يخص التوزيع حسب السن، نبه إلى أنه "بلغ متوسط أعمار هذه الفئة 17 سنة. وجدير بالذكر أن أصغر حدث موضوع رهن الاعتقال لا يتجاوز عمره 12 سنة و9 أشهر وهو الآن رهن الاعتقال الاحتياطي(بتهمة السرقة وحيازة السلاح في ظروف من شأنها تهديد سلامة الأشخاص والأموال). وتعتبر جرائم الاعتداء على الأموال من أبرز أسباب اعتقال هذه الفئة من الجانحين، حيث بلغت نسبتها 65% عند متم شهر ماي 2024، وفي ما يخص مدة العقوبات المحكوم بها على السجناء الأحداث، فإن أكثر من 80% منها لا تتجاوز كحد أقصى سنتين حبسا نافذا".
واسترسل قائلا: "في هذا الإطار يستفيد النزلاء الأحداث المحكوم عليهم من برامج للتكوين المهني متعددة التخصصات ومن متابعة الدراسة بمختلف المستويات الدراسية وذلك في شراكة مع القطاعات المعنية. وقد تم إنشاء 60 مركزا بيداغوجيا في مختلف المؤسسات السجنية أشرف على تدشين بعضها صاحب الجلالة نصره الله وأيده. تتوفر هذه المراكز على كافة التجهيزات الضرورية لتنزيل هذه البرامج، وهي بنفس المواصفات المتوفرة خارج المؤسسات السجنية. وقد استفاد 1107 أحداث من التكوين المهني و78 حدثا من التكوين الفلاحي خلال سنة 2023".
وفيما يخص التعليم النظامي بمختلف مستوياته، أوضح أنه "قد استفاد منه ما مجموعه 421 حدثا، أي ما يشكل 17% من مجموع المعتقلين الأحداث، الأمر الذي يطرح إشكالية العقوبات القصيرة المدة وتأثيرها على نجاعة هذا النوع من البرامج على هذه الفئة من المعتقلين. وبخصوص برنامج محو الأمية، فقد استفاد منه 183 حدثا خلال موسم 2023-2022 و392 خلال نفس السنة".
وأفاد أن "الحماية الفعالة للأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية تتطلب بالضرورة إصلاح القوانين والتشريعات لضمان حقوق هذه الفئة وتحسين ظروف احتجازهم، حيث يمكن للإصلاحات القانونية أن تحد من حدة الاكتظاظ وتحسين ظروف الاعتقال والتأهيل والإصلاح داخل المؤسسات السجنية، والوقاية من العنف وتأمين الصحة الجسدية والنفسية العامة للسجناء، وبالأخص الأحداث منهم، وتوسيع دائرة الاستفادة من مختلف البرامج التأهيلية وتفريدها بما يمكن من إكساب النزلاء الأحداث المهارات اللازمة لإعادة اندماجهم في المجتمع، وبالتالي تقليل معدلات العود في صفوفهم".
وأورد أن "الأمر يتعلق بالأساس بتبني سياسة جنائية رشيدة تراعي خصوصية هذه الفئة بإيجاد حلول بديلة عن الاعتقال وترشيد الاعتقال الاحتياطي، خاصة وأن النزلاء الأحداث المحكوم عليهم بعقوبات قصيرة المدة يشكلون 80% من مجموع هذه الفئة وأن هذا الوضع يشكل بالطبع إكراها بنيويا حين وضع وتنفيذ البرامج التأهيلية والإصلاحية".
واعتبر أن "رفع التجريم عن بعض الأفعال أيضا من بين الخيارات التي يمكنها أن تسمح بجعل المؤسسات السجنية فضاءات إصلاحيةً فعالةً تسهم في تقليل معدلات الجريمة وتساهم في تحسين الأمان الاجتماعي. كما تعتبر مراجعة نظام الحرية المراقبة وسيلة لتفادي الاعتقال في صفوف الأحداث الذي يجب أن يبقى اللجوء إليه كحل أقصى".