قال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، "كان بودي أن أفتتح مداخلتي هاته بمعطيات ومؤشرات إيجابية، إلا أن السجون أضحت ترزح تحت وطأة الاكتظاظ بسبب الارتفاع القياسي في عدد السجناء".
وأضاف التامك بمناسبة عرض ومناقشة مشروع ميزانية المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برسم سنة 2024، بمجلس المستشارين، "كما تعلمون، فقد أصبحت الساكنة السجنية تتجاوز 100.000 سجين مسجلة ارتفاعا بنسبة 6% ما بين متم السنة المنصرمة ومتم أكتوبر 2023 بانتقالها من 97.204 إلى 103.302 خلال هذه الفترة".
وتابع: "مما يدل على أن معدل الاعتقال في بلادنا في تصاعد مستمر، إذ يقارب حاليا 272 سجينا لكل 100.000 نسمة، وذلك مقابل 265 لكل 100.000 خلال السنة الماضية، مما يعني أن هذه النسبة لا زالت في ارتفاع مستمر وهو ما يجعل بلادنا وللأسف تحتل الصدارة على الصعيد العربي ومحيطها الإقليمي حسب آخر المعطيات المتوفرة بدول الجوار (تونس 196، موريتانيا 57 ، الجزائر 217، اسبانيا 113، فرنسا 109 وإيطاليا 99 لكل 100.000 نسمة)، مما يطرح بإلحاح بحث سبل تجاوز هذا الوضع الاستثنائي والمقلق لما يسببه من اكتظاظ بالمؤسسات السجنية".
وأوضح أن "تفاقم هذه المعضلة دفع المندوبية العامة إلى دق ناقوس الخطر من خلال البيان الذي سبق ونشرته للعموم التزاما منها بمبادئ الشفافية والوضوح في تدبير القطاع، من جهة، وإيمانا منها بأن المسألة أصبحت أكبر من أن تظل حبيسة مراسلات روتينية بين المندوبية العامة والجهات المعنية، من جهة أخرى".
وأبرز المتحدث ذاته، أنه "رغم ما أعقب هذا البيان من ردود أفعال من لدن بعض الجهات التي أساءت فهمه، إلا أنه قد شكل انطلاقة جدية لتفكير جماعي من أجل تدارس المسببات الحقيقية لهذه الظاهرة وأبعادها والحلول الناجعة لمعالجتها".
وأورد أن "الاجتماع المنعقد بمقر رئاسة النيابة العامة بتاريخ 25 شتنبر 2023 والذي جمع بين المندوبية العامة ووزارة العدل والوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي، شكل أول لبنة في هذا المسار، حيث خلص إلى تشكيل لجنة عهد إليها بدراسة واقتراح كل السبل الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة".
وشدد على أنه "كان بإمكان المندوبية العامة أن تنظر إلى مشكل الاكتظاظ من منظور قطاعي محض، فتعرض على الحكومة حاجياتها من الاعتمادات المالية اللازمة لبناء مؤسسات سجنية أخرى لاستيعاب الأعداد المتزايدة للمعتقلين، إلا أن ذلك لا يتوافق وقناعتها بأن بناء سجون إضافية لا يشكل لوحده حلا فعالا، وخير دليل على ذلك هو استمرار ظاهرة الاكتظاظ رغم العدد الكبير للمؤسسات السجنية التي تم بناؤها منذ سنة 2014 والبالغ 27، حيث تقوض الوتيرة المتسارعة لتزايد عدد المعتقلين كل جهود البناء والتوسعة التي تقوم بها المندوبية العامة".
وأشار إلى أنه "بقدر ما نشيد بالدينامية التي تميزت بها سنة 2023 في الجانب التشريعي المرتبط بقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، والتي تكللت بالمصادقة على مشروع قانون العقوبات البديلة في الغرفة الأولى للبرلمان، بقدر ما نؤكد على أن أثر هذه العقوبات في التخفيض من عدد السجناء يبقى نسبيا، حيث إنه ومن خلال استقراء تجارب عدد من الدول تبين أن الساكنة السجنية بها لم تتقلص بفعل اعتماد العقوبات البديلة".
واسترسل قائلا: "إذ كان مشروع القانون 23-10 المنظم للمؤسسات السجنية، والذي تمت مناقشته بمجلس النواب، سيعزز المقتضيات الرامية إلى حماية حقوق السجناء وصون كرامتهم، فإنه في نفس الوقت يرفع من سقف تحديات المندوبية العامة على مستوى أنسنة ظروف الاعتقال، الشيء الذي سيزيد من صعوبة ربح هذا الرهان دون إيجاد حلول فعالة لظاهرة الاكتظاظ، وعليه، فإن الطابع المعقد والمزمن لهذه الظاهرة يستدعي تبني حلول عملية في إطار مخطط مندمج يشمل الجوانب التشريعية والقضائية والإدارية ويستند إلى ثلاث مرتكزات أساسية وهي:
- ضرورة العمل على تجويد الترسانة القانونية الجنائية وضمان مواكبتها لتطور المجتمع المغربي ووتيرة نمو الجريمة تبعا للمتغيرات السوسيو اقتصادية مع استحضار متطلبات استباب الأمن.
- تمكين كافة الفاعلين المعنيين بتنفيذ السياسة الجنائية من الإمكانيات والموارد اللازمة قصد إضفاء الفعالية الضرورية على تدخلاتهم، بما في ذلك وأساسا مواصلة تعزيز الطاقة الإيوائية لحظيرة السجون وتحديثها والتي تبقى حلا لا محيد عنه في ظل الالتزامات الحقوقية لبلادنا على الصعيد الدولي؛
- المعالجة الوقائية لظاهرة الجريمة بشكل عام ووضع آليات لتعزيز التكفل بالسجناء المفرج عنهم من أجل الوقاية من العود، مما يقتضي قيام القطاعات الحكومية المعنية بأدوارها على مستويات التربية والتعليم والتكوين والإدماج المهني والتكفل بالإدمان وتشجيع مبادرات جمعيات المجتمع المدني في مجال إعادة الإدماج.
وارتباطا بمسألة العود، لفت المندوب إلى أن "الدراسة الإحصائية التي أنجزتها المندوبية العامة هذه السنة من أجل تحديد العوامل الفاعلة في هذه الظاهرة والتي خلصت إلى نتائج ومعطيات بالغة الدلالة. فقد بلغت نسبة العود حسب هذه الدراسة 24,6 % لدى السجناء المفرج عنهم".
وأكد على أن "الموارد البشرية تضطلع بأدوار هامة في تنزيل مختلف البرامج والتوجهات الاستراتيجية التي تضعها المندوبية العامة. وإذ نسجل بافتخار العمل الجبار الذي يضطلع به موظفو المؤسسات السجنية وحرصهم على أداء واجبهم بإخلاص وتفان رغم الصعوبات اليومية التي تواجههم، فإننا نتأسف لتأخر إنصافهم ورفع الحيف عنهم من خلال إقرار نظام أساسي جديد يتضمن نظام تعويضات يراعي طبيعة مهامهم والمخاطر والاعتداءات التي تطالهم بسبب احتكاكم اليومي مع فئات خطيرة من السجناء. ونأمل أن يتم في القريب العاجل طي هذا الملف الذي عمر لأزيد من 14 سنة".