مع احتمال اقتراب معدل البطالة، قريبا، من 15 في المائة، يعقد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماعات أزمة متوترة؛ حيث اتصل بشركة الاستشارات الإدارية الأمريكية "McKinsey"، لإيجاد حلول. وقبل كل شيء، لصياغة الرؤية الملكية للتوظيف.
ما حصل؛ هو أن أخنوش كان مصدوما، تماما، بالأرقام المعروضة أمامه. ومع ذلك، كانت توقعات وزرائه "متفائلة"، يقول مصدر لمجلة "TelQuel" من داخل رئاسة الحكومة.
في بداية شهر فبراير، كانت فترة ذعر، عندما اطلع رئيس الحكومة على الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، حول وضعية سوق الشغل، خلال سنة 2023؛ 157 ألف منصب شغل دمره الاقتصاد المغربي. ومع اقتراب معدل البطالة، بشكل خطير، من 15 في المائة (13 في المائة وفقا لتقديرات المؤسسة)، فإن الحاجة ملحة إلى التحرك واتخاذ إجراء ما. وهو ما حصل. ففي 6 فبراير؛ أي اليوم التالي لنشر تقرير المندوبية، عقد رئيس الحكومة عدة اجتماعات.
اجتماعات الأزمة
يستقبل أخنوش، أولا، أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، وأعضاء فريقه. وهذا الحوار، الذي وصفه مصدر "Telquel" بـ"الإيجابي"، يسمح، قبل كل شيء، لعزيز أخنوش، بفهم المنهجية التي استخدمها أحمد الحليمي. وعلى عكس وزرائه؛ مثل رياض مزور، فإن رئيس الحكومة لا يخطط للمواجهة مع المندوبية.
ولذلك، فإننا بعيدون كل البعد عن رغبات سلفه سعد الدين العثماني، الذي أراد إنشاء وكالات جديدة مخصصة للإحصاء، بهدف تفريغ المندوبية السامية للتخطيط من معناها.
ثم يستقبل عزيز أخنوش أعضاء حكومته، الذين تم استدعاؤهم، في اليوم السابق؛ وهم رياض مزور، ومحمد صديقي، وفاطمة الزهراء عمور، ومحسن الجزولي، كوزراء للقطاعات الإنتاجية، وإلى جانبهم، كل من نادية فتاح، وفوزي لقجع.
يطلب رئيس الحكومة من وزرائه توضيحات حول الأرقام المتناقضة، لكنه لا يحصل على ما يكفيه منها. وفي نهاية هذا الاجتماع، يعلن أنه سيتم تقييم أدائهم في مجال خلق مناصب الشغل، على أساس الإحصائيات المقدمة من طرف المندوبية.
إطلاق الآلة
بعد هذا اللقاء الأول، تسارعت الأمور. ففي 9 فبراير، نشرت "TelQuel" ملفا يشرح تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول التشغيل، مسلطة الضوء، بشكل خاص، على التناقضات الكبيرة بين الإعلانات الصادرة عن الحكومة وواقع الأرقام الصادرة عن المندوبية. كما تم انتقاد عدم فعالية البرامج الحكومية؛ مثل "أوراش" و"فرصة"، والتشكيك في جدوى بعض الهيئات؛ مثل لجان الاستثمار.
ووجد أخنوش نفسه في ورطة.. وفي 15 فبراير، ناقش موضوع التشغيل، مرة أخرى، خلال اجتماع مجلس الحكومة، وأعلن أن أولوية الجزء الثاني من ولايته ستكون عكس منحنى البطالة. وهذا لا يعني أن التوظيف لم يكن قضية مهمة بالنسبة للحكومة، بل أنه أصبح، الآن، على رأس أولوياتها. بالنسبة له (عزيز أخنوش)، أصبحت جميع الإستراتيجيات المتعلقة بهذا الموضوع موضع تشكيك. "نحن، الآن، نفكر، بشكل إستراتيجي، بخصوص هذه المسألة"، يقول مصدر "TelQuel" في رئاسة الحكومة.
وبعد مرور ثلاثة أيام تقريبا، بدأت الحكومة في معالجة المشكلة، بشكل مباشر؛ حيث ترأس عزيز أخنوش، في 18 فبراير، الاجتماع الأول للجنة الوزارية الجديدة المعنية بالتشغيل، والتي تتكون من وزراء تم استدعاؤهم، قبل أيام، من قبل رئيس الحكومة، بالإضافة إلى ممثل عن المندوبية السامية للتخطيط، فضلا عن ممثلين عن وزارتي التعليم والصحة، على خلفية "الدينامية" التي يعيشها القطاعان، كما أشار زملاؤنا في "Médias24".
وخلال هذا الاجتماع الأول، تم استكشاف عدة طرق لمحاولة فهم ما يمكن أن يفسر بيانات المندوبية، وتتم مناقشة تأثير القطاع غير الرسمي على البيانات، وكذلك تراكم البرامج التي تهدف إلى تعزيز خلق فرص العمل. كما تقوم اللجنة بتقييم تطور وضع العمل الحر.
وستظهر كل هذه العناصر في شروط مرجعية أصدرها رئيس الحكومة، بداية شهر مارس، بهدف تأمين خدمات شركة استشارية ستكون مسؤولة عن العمل في هذا الموضوع. الوثيقة، التي تمكنت "TelQuel" من الاطلاع عليها، تسلط الضوء على العمل الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط؛ حيث توصف تقاريرها بأنها "مرجع وطني في الإحصائيات". وبعد أسابيع قليلة من نشر هذه الشروط المرجعية، حصلت شركة "McKinsey" على العقد، بحسب معلوماتنا.
وفي اتصال مع "TelQuel"، رفض مصدر داخل الإدارة العليا للشركة تأكيد أو نفي هذه المعلومات، ونفس الشيء بالنسبة لرئاسة الحكومة. لكن استخدام خدمات "McKinsey" ليس بالأمر الجديد بالنسبة لعزيز أخنوش. فعندما كان رئيسا لمجلس جهة سوس ماسة درعة، ساعد في وضع الشركة الاستشارية على رادار خدمات الدولة، من خلال تكليفها بتطوير مخططه للتنمية الجهوية. وبعد أن أصبح وزيرا للفلاحة، عهد إلى الحكومة بإعداد مخطط المغرب الأخضر، الذي انطلق سنة 2008.
وفي المغرب، عملت "McKinsey"، أيضا، على مشاريع هيكلية؛ أخرى مثل "le Plan Azur"، و"le Plan Emergence"، و"la stratégie de transformation de l’OCP"، و"la stratégie énergétique". وبدرجات متفاوتة من النجاح في التنفيذ، في ضوء التقارير المختلفة الصادرة عن مراجعي الحسابات الذين يستعرضون في تقاريرهم الخلل في بعض هذه الخطط.
تحد كبير
بالتفصيل، ما هي الأهداف التي تم وضعها لاستشاريي "McKinsey"؟ من خلال قراءة الشروط المرجعية، نفهم، أولا، وقبل كل شيء، أن الحكومة تسعى إلى تحديد العناصر المحتملة التي يمكن أن تغير البيانات التي تم جمعها بواسطة المندوبية السامية للتخطيط.
في الواقع، تشير الوثيقة إلى تحديد "البيانات التي ليست في المستوى الصحيح من الدقة، والتي يصعب فهمها؛ حيث لا تسمح التحيزات الواضحة بفهم تشخيص سوق العمل، بطريقة شاملة".
كما سيتم تكليف مستشاري "McKinsey" بمتابعة بعض سبل التفكير التي بدأتها اللجنة الوزارية؛ حيث سيتعين عليهم "شرح تطور التوظيف في قطاعات أو فروع معينة من النشاط"، وتقييم تأثير المساعدة الاجتماعية على التوظيف، بالإضافة إلى آثار العمالة غير الرسمية على الإحصاءات التي تصدرها المندوبية.
ولا تتوقف المهمة عند هذا الحد؛ حيث سيتعين على فرق "McKinsey"، أيضا، تشكيل رؤية ملكية للتوظيف. وفي أكتوبر 2022، خلال الخطاب الافتتاحي للدورة البرلمانية، حدد الملك محمد السادس هدف الحكومة المتمثل في خلق 500 ألف منصب شغل، بحلول عام 2026. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تتوقع الرؤية الملكية تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات الخاصة، خلال نفس الفترة.
ولتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة، سيتعين على مستشاري "McKinsey" - بعد إجراء سلسلة من الدراسات الأولية - البدء في إنشاء "خارطة طريق شاملة للتوظيف"، لتوجيه الاستثمار العام نحو القطاعات التي تخلق فرص العمل، على المدى القصير والمتوسط والطويل. ويجب أن تتضمن خارطة الطريق هذه قائمة بـ"10 مشاريع ملموسة" من شانها خلق فرص العمل، والتي يجب مراقبتها، من الإنشاء إلى التقييم.
وينبغي لنا، أيضا، أن نرى مستشارين من شركة "McKinsey"، خلال الاجتماعات المقبلة للجنة الوزارية حول العمل الذي يتعين على الشركة الاستشارية أن تدعمه، مع ضمان التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة فيه. برنامج كامل سيتعين على الشركة إكماله، في ستة أشهر فقط.
المهمة ليست بالسهلة، خاصة عندما نعلم أن الاقتصاد الوطني لم يخلق سوى ما يقرب من 41 ألف وظيفة، في عام 2023، و150 ألف وظيفة، في العام السابق. وهذا يعني خلق ما يقرب من 190 ألف منصب شغل، بين عامي 2022 و2023؛ وبالتالي فإن حكومة أخنوش بعيدة كل البعد عن تحقيق الهدف الطموح الذي حدده الملك، المتمثل في خلق 500 ألف منصب شغل، ناهيك عن فقدان 372 ألف وظيفة، فضلا عن 181 ألف وظيفة فقدها الاقتصاد الوطني، خلال هذه الفترة.