على امتداد أربعة أيام من إقامة الملتقى العالمي للتصوف، أحيت الزاوية القادرية البوتشيشية ليلة المولد النبوي أمس الجمعة على إيقاع "الجدبة" والسماع، كما أحيتها كعادتها على التبرك وجمع الأعطيات، لأول مرة في غياب شيخها الراحل حمزة.
بمناسبة حلول ذكرى المولد النبوي، أحيت الزاوية القادرية البوتشيشية ما تسميه "الليلة الكبرى" بمقرها الرئيسي الكائن بقرية محاذية لمداغ بنواحي مدينة بركان. الزاوية الأشهر بين كل الزوايا بالمغرب، حج إليها أمس الجمعة آلالاف المريدين والزوار، لكن غياب "رمزها" الشيخ حمزة أحدث تغييرا في برنامج نشاطها.
بالقرية النائية التي تضم ضريح الشيخ حمزة، أقيمت خيمة كبيرة لاستيعاب الوفود وزوار الزاوية على امتداد أيام الملتقى العالمي للتصوف في دورته 12. لكن وبجابها قامت الزاوية ببناء مسجد ضخم تقام فيه مثل هاته المناسبات. هذا المسجد لا يزال قيد البناء والتشييد، إلا أن الزاوية قامت بتجهيز جزء منه لاستقبال حجاج المولد النبوي.
الزاوية تقوم بإحياء الليلة الكبرى لأول مرة في غياب الشيخ الذي وافته المنية بداية هذه السنة، إلا أن أعضاءها اعتادوا عملية التنظيم كل سنة. لكن ومما يثير الاستغراب أثناء هذه الاستعدادات، أن رجال الأمن مسخرين لخدمة "حراس الزاوية" والمنظمين. فالليلة التي يحج إليها الآلاف من جنسيات مختلفة من ربوع العالم، تترك الدولة أمنهم وحراستهم بين يدي أبناء الطريقة أنفسهم.
أثناء الاستعداد لاستقبال حجاج الزاوية إلى المسجد، أسر أحد المنظمين في حديثه مع "تيلكيل عربي" أن الاحتفال هذه السنة يأتي بشكل مرتبك، "فحتى الشيخ جمال نفسه لا يعرف كيف ستتم الأمور هنا، لأنها أول مرة سيستقبل سيدي جمال زواره في المسجد، بخلاف ما كان في عهد سيدي حمزة، حيث كانت الزيارة تتم في منزل الشيخ قبل إحياء الليلة بالابتهالات والجدبة"، وهو ما تم منعه هذا العام عن الصحافيين والإعلاميين، بحسب المنظم نفسه.
زيارة الشيخ أو"الزيارة" كما يسمونها تشكل حساسية لدى المنظمين. فهي اللحظة الأهم لدى المريدين (الفقراء)، حيث يصطف مئات الضيوف من أجل لقاء الشيخ جمال الدين بودشيش، وهو جالس محاط بـ"حراسه" يسلم عليهم. "ولي الله سيدي جمال" كما يسمونه، يحظى بهالة "تقديس" وبحساسية أمنية مفرطة، ترافقه أينما حل وارتحل. لكن والملاحظ وعلى امتداد أيام الملتقى، أن هالة والده لا تزال مهيمنة وبادية كلما نطق أو ذكر اسمه أمام المريدين.
المثير ورغم منع التصوير، كما عاينته "تيلكيل عربي" عن قرب، فإن زيارة المريدين للشيخ ومصافحته في المسجد، تشكل أهم محطة في هذه الليلة النبوية. فالعدد الهائل الذي ينتظر دوره للمرور أمام الشيخ ومصافحته، لا يمر فقط بدون مقابل. "أيها الفقراء جهزوا الزيارة.. الزيارة أيها الفقراء"، هكذا ينادي فيهم أحد المنظمين، ليقوم آخر بالمرور عليهم حاملا كيسا أسودا كبيرا، يضع فيه المصطفون ما جادت عليه نفسه من المال. "الزيارة في هذه اللحظة تعني ما تساهم به كفقير من أجل الزاوية"، يقول أحد المصطفين للموقع.
وبحكم العدد الهائل الذي ينتظر دوره من أجل السلام على الشيخ، يقوم ابن هذا الأخير معاذ بودشيش بعملية تسريع الوافدين، فينادى فيهم: "أيها الفقراء النظرة وحدها تكفي.. النظرة فقط"، في إشارة إلى عدم مصافحة الشيخ والاكتفاء بالمرور والنظر في وجهه.
وتزامنا مع اختتام فعاليات الملتقى العالمي للتصوف مساء أمس الجمعة، المقام بالخيمة المقامة بالقرية الصوفية، اختتمت زيارة "الفقراء" للشيخ، ليلتحق الجميع (الذكور فقط) بالمسجد الكبير عند منتصف الليل، من أجل الاحتفال بالليلة التي ينتظرها الجميع. وألقى خلالها ممثلون عن طرق صوفية من العالم كلماتهم بهذه المناسبة، على رأسهم أحمد لقمة وكيل الطرق الصوفية بمصر، ومفتي الديار العراقية رافع الرفاعي، قبل انطلاق السماع و"الجدبة" و"التحيار".
وحضر الاحتفالات أحمد العبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء. الأخير كان جالسا إلى يسار شيخ الطريقة جمال بودشيش، لكنه لم يلق كلمة بهذه المناسبة، ولم تهزه أناشيد المسمعين، التي تفاعل معها الضيوف والحاضرون ووقفوا يرقصون على إيقاعها. العبادي بدا صامتا واكتفى بالوقوف إلى جانب الشيخ جمال الذي اهتز بدوره و"جدب" على غرار باقي المريدين.
المريدون وعلى عادات الطرقية الصوفية "جدبوا" وتفاعلوا مع إيقاعات المديح والسماع. ووقف الجميع لتتعالى صيحات الصراخ والتهليل بين الفينة والأخرى. لكن وعما عاينته "تيلكيل عربي" فلم تكن في ليلة الإحياء هاته، حالات "جدبة" قوية أو حالات إغماء، كما عهدته الزاوية في فترة الشيخ الراحل حمزة.