كشف انقلاب قارب مطاطي في عرض سواحل مدينة الدارالبيضاء عن مسلك جديد للهجرة غير الشرعية، ولفظ البحر منذ يوم السبت 12 جثة لمغاربة اختاروا، أو أوهم بهم، المحيط الأطلسي للوصول إلى أوروبا سرا.
على جنبات "شاطئ النحلة" الشهير، تسيطر الحيرة على عائلات عشرات المفقودين في غرق قارب مطاطي، أكثر من التشبث بخيط أمل لنجاة مفقود.
الحيرة المسيطرة على عائلات المفقودين انتقلت بدورها إلى أبناء "النحلة" ومرتادي الشواطئ المجاورة. هل يعقل أن يعبر زورق مطاطي من سواحل الدارالبيضاء إلى إسبانيا مباشرة، دون أن يتأثر بالتيارات البحرية القوية؟ أم أن وسطاء الهجرة غير الشرعية، يبيعون الوهم لأبناء المناطق الداخلية المزدادين بعيدا عن السواحل؟
يقول محمد الملحوني، وهو عم أحد المفقودين، الذي رابط، منذ يومين، في انتظار أن يلفظ البحر جثة ابن أخيه، "هناك حراكة سابقون وصلوا إلى أوروبا، أكدوا لهم نجاح الرحلة عبر هذا "الخط"، وهو ما شجعهم على ركوب الموج من سواحل الدارالبيضاء".
يؤكد شاب في عقده الثالث، وهو من عشاق ركوب الأمواج بالمنطقة، أن وجهة "الحريك" انطلاقا من الأطلسي، ظهرت منذ عامين، تقريبا، وهي رحلة تتطلب أربعة أيام للوصول إلى السواحل الإسبانية.
ويضيف "هناك قوارب تنطلق من منطقة "طماريس" وتهدف الوصول إلى إسبانيا، لهذا رأينا في متاع الغرقى قنينات تمر، إنهم يدركون بعد المسافة وطول الرحلة".
وفي شتنبر أيضا، لكن من العام الماضي، أنقذت وحدتان قتاليتان تابعتان للبحرية الملكية، تعملان في الساحل الأطلسي، حياة 19 مغربيا مرشحا للهجرة غير الشرعية، من بينهم امرأة وطفل، أبحروا على متن قارب خشبي مجرد من أي وسيلة للدفع ودون وعي بالمخاطر التي تواجههم، تم التخلي عنهم وسط المحيط من قبل مهربهم.
لم تسلم الجرة هذه المرة، وتبدو الحصيلة التي وصلت إلى إلى حدود كتابة هذه السطور، إلى 12 قتيلا، وعشرات المفقودين.
بالنسبة لنورالدين، وهو فاعل جمعوي في منطقة زناتة، فإن الإبحار بزورق مطاطي عبر الأطلسي هو انتحار بكل بساطة، ويقول "لقد ولدت قبالة البحر، وترعرت فوق رماله وبين صياديه. لم نسمع أبدا عن 'حريك' من الدارالبيضاء، فحتى الرايس الحرفي، من الصعب عليه أن يقود 'زودياك' إلى طنجة، لقد كذبوا عليهم، وباعوهم الوهم".
تذهب أم إحدى المفقودين بعيدا، وتقول إن "الغرقى تعرضوا لعملية قتل جماعي على يد مهرب بشر، وأن المهرب اختار خيرة شباب قلعة السراغنة من المجازين ليرمي بهم في عرض اليم، عبدالغني كان شابا ذكيا وهو حاصل على باكلوريا علوم رياضية".
ترفض أم أحد المفقودين، ويدعى عبدالغني وعمره لايتجاوز 24 ربيعا، وهي موظفة في عقدها الخامس، أن يكون ابنها مغفلا، صدق الوصول إلى أوروبا عبر قارب مطاطي، وتقول "إن البائس مستعد لتصديق أي وعد أو وهم، قادر على تغيير حياته للأفضل".
في ليلة انقلب فيها حلم الهجرة شمالا إلى كابوس يقض مضجع الأسر، الحائرة المترقبة، لجثة تطفو على السطح، لتدفن معها حيرتها وترقبها، دون أن يقبر الألم لفقدان ابن أو أخ.
يقول محمد الملحوني "لن ألوم ابن أخي، الذي لا أعرف إن كان ميتا أم على قيد الحياة. لقد أراد أن يهجر بلادا ضاق العيش فيها، وهو حقه المشروع، قد نقول إن الطريقة غير مواتية، لكنها الوحيدة المتاحة أمامه. لقد كان شابا ذكيا، ونجح في مباراة لولوج سلك الشرطة، لكن انتظاره طال، ففضل ركوب البحر بحثا عن مستقبل أفضل، أما نحن فسنبقى مرابطين إلى أن نرى جثته لدفنها، عسانا نرتاح".