الحكامة.. الصحراء.. الدبلوماسية..دروس كبرى من اجتماع الكاف بالمغرب

تيل كيل عربي

بقلم : عبد الرزاق العكاري

استبشر المتتبعون للشان الرياضي بالمغرب، انتخاب فوزي لقجع عضوا ممثلا للكنفدرالية الافريقية لكرة القدم ضمن المكتب التنفيذي للفيفا، ربما أن انتخابه شكل الحدث الأهم وغطى على أهم نقطة في جدول اجتماع الدورة 43 للكاف أي انتخاب رئيس جديد من جنوب افريقيا.

هذا الانتخاب يحمل في طياته العديد من الدلالات والمعاني نوجزها في ثلاثة: الحضور القوي للفيفا في انتخابات قارية، التوافقات القبلية لتقريب وجهات النظر وأخيرا أهمية تطوير الدبلوماسية الرياضية

1-الحضوري القوي للفيفا في الانتخابات القارية

على المستوى الأول، لاحظنا التواجد قوي للفيفا، إذ على خلاف الدورات الانتخابية السابقة للكاف، وخصوصا لرئيسها جياني انتفانتين، و خلال كل مراحل التهييء لانعقاد الجمع العام ولأول مرة فعل مقتضى قانونيا جديديا، خلق جدلا كبيرا، يتعلق بوجود علاقة ترابطية بين انتخاب رئيس الكاف وطبيعة الشخصية المنتخبة وتأثيرها الفعلي على منظومة الحكامة داخل الفيفا،  متقدما بدريعة أن رئيس الكاف سيزاول في نفس الوقت مهمة نائب رئيس الاتحاد الدولي .

من هذا المنطلق، أو الفجوة،نزلت أجهزة الفيفا بكل ثقلها وخصوصا في الحسم في مسألة من له الأهلية للترشح للرئاسة ، حيث رفضت في مرحلة أولى ترشيح أحمد أحمد الرئيس السابق للكاف قبل أن يوقف قرارها مؤقتا من قبل محكمة التحكيم الرياضي ضمانا لحقوق هذا الاخير في الترشيح،  نفس الشيء بالنسبة لممثل الجزائر.

إن الخلفية المهنية للرئيس الحالي للفيفا كمحامي ومدير الشؤون القانونية سابقا بالفيفا جعله المهندس الحقيقي للتغيير الجذري الذي عرفه النظام الأساسي للفيفا بوضع ترسانة قانونية تسعى لتفادي كل الهفوات المسهلة لممارسات غير أخلاقية ومن ضمنها،  على سبيل الذكر لا الحصر، تقنين مدة انتداب رئيس الفيفا، إحداث أجهزة الحكامة ، تغيير نمط التصويت على البلد المنظم من قبل الجمعية العمومية وليس فقط من قبل المكتب التنفيذي .

إن الرائحة النثنة للفساد المالي التي فاحت خلال فترة تدبير أحمد أحمد دفعت الفيفا للتدخل مباشرة في تسيير الكاف تفاديا لكل منزلقات . وعلى ما يبدو فإن الفيفا، وعبر ما تقوم به ، هي بصدد بعث رسائل واضحة لكل الاتحادات القارية،  وحتى الوطنية أن الحكامة ليست ترفا فكريا منحصرا في المنتديات الفكرية بل أمرا واقعا وملموسا وحاضرا لضمان نزاهة وشفافية وأخلاقية كل المساطر المعتمدة في التدبير الرياضي.

وقد لاحظ المتتبعون لهذا الحدث تردد مجموعة من العبارات في خطب المسؤولين: عمل الفريق، الاستراتيجية /الأهداف / البرمجة والتنسيق /الرؤية الواضحة... وهي مصطلحات كانت مغيبة كليا في قاموس مدبري كرة القدم الافريقية ومن بين تجلياتها الوضحة كونه تقليدي وذو طابع انفرادي مرتبط غالبا بشخص الرئيس الذي يتمتع بسلطات تقديرية واسعة، وعشوائي أي غير مبني على معايير وقيم متعارف عليها، وفي الأخير "ظرفي" بانعدام استمرارية الهياكل المدبرة و مزاجي باختلاف في نمط التسيير من شخص لآخر وغياب مساطر متفق عليها.

2-التوافقات الأولية لتقريب وجهات نظر المترشحين

البعد الثاني الذي استرعى الاهتمام هي طريقة تدبير الخلافات والاختلافات بين الفرقاء والمتنافسين على مناصب المسؤولية، فقد جرت العادة وألف المتتبعون أن ما يميز هذه الجموع العامة حالات التشنج والعصبية وتراشق الاتهامات والنبش في الأعراض ، لكن الإشراف المباشر للفيفا والدور الطلائعي الذي لعبه المغرب في تهييء الظروف وعقد لقاءات تواصلية أولية تمهيدية ساهمت بشكل كبير في تقريب وجهات النظر بين المترشحين الأربعة وأفضت إلى  صياغة أرضية توافق مشتركة .

3- تطوير الدبلوماسية الرياضية 

ما يهمنا في هذا الاستعراض الأولي هو مفهوم الدبلوماسية الرياضية وهذا هو مربط الفرس، حيث يجب أن تكون لنا الشجاعة الكافية للتأكيد بأن المغرب على الرغم من إرثه الرياضي ومنجزاته ومؤهلاته فإن حضوره في المحافل الرياضية الدولية كان باهثا ومتواضعا وغير مؤثر. وعلى سبيل الذكر، لا يوجد في الساحة الدولية سوى بعض الأسماء القليلة كنواب لرئيس الاتحاد الدولي.  وعندما نتحدث عن الاجهزة التقريرية، فنقصد بها جهازين مؤثرين المكتب التنفيذي الذي يتخذ القرارات الهامة ، والأجهزة الفنية التي تعمل على صنع مشاريع القرارات .

ويجب الاعتراف بأن الاعتماد على شخصيات ذات خلفية عسكرية منذ عقد الثمانينات في تدبير الشأن الرياضي، وخصوصا الكروي، كان له تأثير سلبي على التواجد المغربي في الساحة الرياضية الدولية، إذ بالنظر لخصوصية وطبيعة مهامها الحساسة،كان يصعب عليها الترشح لمثل هذه المناصب المخصصة عرفا للشخصيات المدنية وبالتالي فلما يقرب عن أربعين سنة كان للمغرب حضور ضعيف في هذا المجال .

وكان حريا بمؤسسات الدولة،  وعلى وجه الخصوص كل من وزارة الخارجية بتنسيق مع الوزارة المشرفة على القطاع الرياضي ، أن تمارس دور المحرك والمحفز لاستقطاب ووضع الكفاءات الرياضية المغربية في مراكز القرار الرياضي على الصعيد الدولي .

وفي هذا الصدد،  لا يمكن أن نتناسى أو نتغافل السلوك الشاذ لبعض من حضي بتواجده ضمن الاتحادات الدولية ، فما أن يتم انتخابه حتى يقطع كل صلة ببلده واتحاده الوطني ولا يعمل على توظيف شبكة علاقته من أجل الدفع بكفاءات مغربية وإشراكها رويدا في التدبير على الصعيد الدولي .

وهذا ما يفسر في شق كبير لماذا أن أغلب مقرات الاتحادات الافريقية تتواجد سواء في تونس أو مصر،  ومن يشتغل فيها ليس سوى موظفون من البلدين ، ويعملون بطريقة او بأخرى على أن تكون دولتهم الأكثر استفادة من التوجهات الحالية والمستقبلية ومرات تتقاطع هذه التوجهات مع انشغالات بلدانهم.

ولن أثير ما كان يقوم به بعض المحسوبين على الجسد الرياضي الوطني ، سامحهم الله، بقطع الطريق على الكفاءات الوطنية أو بعث تقارير سلبية، ومرات الضرب تحت الحزام لنسف حظوظ المغاربة .

4- ما العمل ؟

لعل محطة 12 مارس 2021 تشكل درسا حقيقيا يجب استخلاص العبر منه. وللتاريخ فقط، فإننا لا نحتاج إلى خبراء ومحللين ومكاتب دراسات أجنبية لتوضح لنا ما يجب القيام به. مادامت الخزانة الرياضية حبلى بالتقارير والدراسات الجادة. بينما العقم يكمن في اللامبالاة وعدم التطبيق. إذ يكفي أن نبرز بأن الاستراتيجية الوطنية حول الرياضة في أفق 2020 المنبثقة عن المناظرة الوطنية حول الرياضة في 24 أكتوبر 2008 قد خصصت المحور الاستراتيجي الثاني لإنعاش الدبلوماسية الرياضية المغربية وحددت كإجراءات عملية إحداث شبكة تظم كل الفعاليات الرياضية ذات العضوية في الاتحادات الدولية والرفع من عدد المغاربة المتواجدين في الأجهزة التقريرية دوليا واستقطاب أكبر عدد من التظاهرات الرياضية وكذلك مقرات الاتحادات القارية، وجعلت من اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية المسؤولة عن تنسيق هذا الورش الهام مع كل من وزارتي الخارجية والرياضة. وعلينا أن نعي جيدا مدى تقادم الأفكار الكوبرتانية بأن الرياضة لا علاقة لها البتة بالسياسة ، بل أصبحت الرياضة مدعوة للتفاعل مع الحدث السياسي . إن أعداء وحدتنا الوطنية لا يتوانون لحظة لاستغلال أي منتظم للترويج لشعاراتهم الواهية، وبالتالي فاليقظة الاستراتيجية والاستباقية يجب أن تكون محركا لسلوك كل مسؤول رياضي بالمغرب.