محمد زيتوني
من أرقى وأنجح خيارات و حلول النزاعات الاقليمية التي وصلت اليها أنظمة الحكم ضمن القوانين والدساتير الدولية ، للحد من الحروب والصراعات والتطاحنات العنيفة و الهدامة و من أجل السلم وتهدئة الأوضاع : خيار وحل الحكم الذاتي.
الحكم الذاتي هو خيار تنظيمي مجالي يعني قدرة جماعة أو منطقة معينة على اتخاذ قراراتها وإدارة شؤونها المباشرة واليومية بنفسها، في إطار الضوابط القانونية والدستورية التي تهمها وتهم محيطها .
أما على مستوى السياقات والإطارات القانونية والسياسية، فتبني الحكم الذاتي يعني قدرة منطقة جغرافية أو مجموعة "عرقية "أو ثقافية معينة على إدارة شؤونها الاقتصادية والثقافية والإدارية المحلية ،والتمكن من بعض السلطات السياسية دون الخضوع الكامل لسلطة الحكومة المركزية، ودون الانفصال عن الفضاء الوطني العام وسلطة الدولة الأكبر أو الدولة الأمة.
تعتبر أسكتلندا إحدى دول المملكة المتحدة وتقع في شمال غرب أوروبا، وتحدها إنجلترا من الجنوب، بينما تحيط بها من الجهات الأخرى مياه بحر الشمال والمحيط الأطلسي. تتألف من أكثر من 790 جزيرة، بما في ذلك أرخبيل الهبريدات وجزر أوركني وشتلاند. عاصمتها إدنبرة، و تعد غلاسكو ،أكبر مدنها.
تعتمد أسكتلندا على نظام حكم ذاتي داخل المملكة المتحدة، إذ تحتفظ ببرلمان خاص بها له صلاحيات محدودة، مثل التعليم والقانون والصحة، بينما تبقى أمور الدفاع والسياسة الخارجية ضمن اختصاص حكومة المملكة المتحدة المركزية في العاصمة لندن.
يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين وأربعة مائة الف نسمة ، وتبلغ مساحتها حوالي 77,933 كيلومترًا مربعًا، مما يجعلها ثاني أكبر دولة من حيث المساحة في المملكة المتحدة بعد إنجلترا.
و تعكس اللغة والهوية الثقافية في أسكتلندا تاريخًا طويلًا وتراثًا متنوعًا، حيث تمتزج الثقافات المحلية مع الهوية البريطانية العامة، وتظهر خصائص فريدة تميز أسكتلندا عن بقية دول المملكة المتحدة.
كما تُعد الإنجليزية اللغة الرسمية والأكثر استخدامًا في أسكتلندا، لكنها تختلف قليلاً في لهجتها وتعبيراتها المحلية. تتأثر الإنجليزية الأسكتلندية بعدة عوامل تاريخية وثقافية، مما يجعلها مختلفة عن الإنجليزية المستخدمة في إنجلترا.
فاللغة الغيلية الأسكتلندية (Scottish Gaelic) ، وهي لغة قديمة تنتمي إلى العائلة السلتية، وكانت لغة أساسية في مناطق المرتفعات والجزر الأسكتلندية. ورغم تراجع عدد المتحدثين بها، لا تزال تُدرّس في بعض المدارس، وتُبذل جهود كبيرة للحفاظ عليها عبر وسائل الإعلام والتعليم.
رغم كونها جزءاً من المملكة المتحدة، تتمسك أسكتلندا بهويتها الثقافية الخاصة، وتعززها عبر التعليم، والإعلام، والفنون، ما يجعلها تحتفظ بطابع مميز ضمن التشكيل البريطاني.
الصراع من أجل استقلال أسكتلندا هو نقاش سياسي طويل حول رغبة البعض في أن تصبح أسكتلندا دولة مستقلة عن المملكة المتحدة. و يعود هذا الصراع إلى قرون مضت، لكن الحديث عن الاستقلال اكتسب زخماً حديثاً مع تطور النزعات القومية في العقود الاخيرة.
في سنة 2014، نظمت أسكتلندا استفتاءا على الاستقلال بناءً على اتفاق بين الحكومة البريطانية وحكومة أسكتلندا المحلية، وصوّت الأسكتلنديون بنسبة 55% ضد الاستقلال مقابل 45% لصالحه، مما أبقاها جزءاً من المملكة المتحدة. و كانت هذه النتيجة بمثابة تراجع للقوى المؤيدة للاستقلال .
منذ بريكست، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ضغط الحزب الوطني الأسكتلندي (SNP) بقيادة نيكولا ستيرجن، رئيسة الوزراء السابقة، لإجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال، معتبرين أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قد غيّر الظروف بشكل كبير. ومع ذلك، ترفض الحكومة البريطانية السماح باستفتاء جديد دون موافقتها، مما أدى إلى نزاعات قانونية وسياسية حول من يملك الحق في تقرير الاستفتاء.
يظل المجتمع الأسكتلندي منقسماً حول قضية الاستقلال، حيث يرى بعض الأسكتلنديين أن الاستقلال سيمنحهم السيطرة على سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية وسيتيح لهم الانضمام مجدداً إلى الاتحاد الأوروبي. بينما يعتقد آخرون أن البقاء ضمن المملكة المتحدة يوفر استقراراً اقتصادياً وسياسياً أكبر.
حصلت أسكتلندا على حكم ذاتي موسع داخل المملكة المتحدة عبر عدة مراحل، مما منحها سلطة اتخاذ قرارات في عدد من القضايا الداخلية مع بقائها تحت سيادة التاج البريطاني.
بعد تنظيم استفتاء شعبي عام 1997، وافق الشعب الأسكتلندي بأغلبية كبيرة على تأسيس برلمان أسكتلندي مع صلاحيات محددة. افتتح البرلمان عام 1999، مما منح أسكتلندا قدراً كبيراً من الحكم الذاتي في بعض المجالات، مع الاحتفاظ بالسيطرة البريطانية على الدفاع والسياسة الخارجية.
وبين سنتي 2012 و2016 و بموجب قوانين جديدة ،حصلت أسكتلندا على صلاحيات مالية أوسع. حيث سمح قانون 2012 للبرلمان بزيادة أو خفض معدلات الضرائب ضمن حدود معينة، بينما قانون 2016 منح صلاحيات إضافية لتعديل النظام الضريبي والضمان الاجتماعي، مما زاد من استقلاليتها المالية.
كما تعمل حكومة أسكتلندا على تنفيذ السياسات التي يقرها البرلمان الأسكتلندي وتسيير الشؤون اليومية ضمن الصلاحيات الممنوحة لها، ويترأسها عادة زعيم الحزب الذي يملك الأغلبية في البرلمان.
ويعتبر نظام الحكم الذاتي الذي اختارته اسكتلاندا ، الحل الوسط الأكثر واقعية و من أنجح الخيارات التي تضمن تقدم المنطقة وازدهارها ، والحفاظ على استقرار الملكة المتحدة ككل، و كذلك الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى بين الامم.