عند التحدث مع عشاقه، لا يترددون في الجزم بأنه نشاط يحظى بإقبال متزايد ويتطور بشكل ملحوظ. وعند الاقتراب من المعنيين بالأمر لاستقصاء آرائهم، لا نتلقى كإجابة سوى الهديل ورفرفة الأجنحة. مرحبا بكم في العالم الساحر لحمام السباق!
إنهم عداؤون محترفون من نوع خاص. لن تشاهدهم أبدا على منصات التتويج في الألعاب الأولمبية أو في النشرات الإخبارية، فهم يفضلون التحليق في كبد السماء، مملكتهم الواسعة وملعبهم الذي يقطعونه كالسهم بكل أناقة ورقي!
ويحظى حمام الزجل، ملك اللازوردي، بإعجاب واسع لدى فئة عريضة من المجتمع، غالبيتهم من الشباب. وهذه، بالضبط، إحدى نقاط قوة سباق الحمام في سماء المملكة. ففي القارة العجوز بدأ هذا النشاط، الذي يتأرجح بين الهواية والقمار، يفقد زخمه ويمارسه أساسا المتقاعدون، في حين ينمو في المغرب بخطى بطيئة ولكنها ثابتة بفضل قاعدة عريضة من الهواة الشباب المتحمسين الذين يتمتعون بروح منقطعة النظير في العمل التطوعي والانضباط والمنافسة.
وعادة ما تنظم "بطولة" الحمام بين شهري يناير وماي. وأكد رئيس الجمعية البيضاوية لهواة الحمام الزاجل، محسن بوزوبع، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الحمام يخلد للراحة بقية السنة". بيد أن صاحبه يجب أن يسهر على رعايته من حيث التغذية والنظافة والراحة.
ويتطلب كل هذا، طبعا، استثمارا كبيرا من حيث الوقت والمال أيضا. ولا يحصل المربي على مقابل إلا في يوم السباق، إن حالفه الحظ. وفي اليوم الموعود، يطلق المتنافسون، الذين يحملون معهم ساعات إيقاف خاصة (الكرونومتر) تسجل وقت الانطلاق، "لاعبيهم" الاستثنائيين الذين يحملون خواتم تحتوي على رمز شريطي سري، بضربة واحدة من نفس النقطة.
ويتوقف عدد الطيور التي يتم إطلاقها على حجم السباق (على مستوى مدينة أو جهة أو بلد) وعلى موارد الجمعيات المشاركة.
وفي هذا الصدد، يتذكر الحاج حسن، أحد المخضرمين في سباق الحمام، أنه قبل بضع سنوات، خلال أحد "الديربيات" (نعم، هناك ديربي أيضا في تربية الحمام)، تم إطلاق ما يناهز 38 ألف طائر بضربة واحدة خلال سباق بالصويرة. وهو رقم قياسي.
وقال الحاج حسن في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء "أمطرت السماء طيورا ذلك اليوم!"، مؤكدا أن "السباقات الأوروبية، على سبيل المثال، بالكاد تصل إلى ذلك العدد".
وخلال الأيام التي يجرى فيها السباق يكون المتسابق مشدود الأعصاب، وتكون عيناه شاخصتين في كبد السماء دون أن يتوقف عن ترديد الأدعية سرا على أمل أن يرى "أمراء الغيوم" يبزغون وسط السحب الكثيفة. فإن عاد الطائر تنطلق الأفراح والمسرات وتنهال دموع الفرح، وإن ضل الطريق أو استسلم للمخاطر (الحرارة، والبرد، والإرهاق، والجوع، والطيور المفترسة، والصيد الجائر...)، يسود الحزن وتعتصر المربي الآلام والأتراح.
وبالطبع، الأبطال هم من يصلون أولا. إذ يقوم أصحابهم، بكل حماس، بتنبيه مركز نداء مخصص على الفور من خلال إبلاغهم بالرمز المكتوب على الخاتم.
ومن بين آلاف الطيور التي تبدأ السباق، لا يعود سوى بضع مئات منها إلى ديارها بأمان. وكلما طالت المسافة، قلت فرص رؤية المربي حمامه.
إنها حقيقة يدركها "المولعون" جيدا ويتحملون المسؤولية كاملة. فالجميع يرى بأنها جزء من مخاطر و"سحر" اللعبة وبأن المتعة الهائلة التي تمنحها لهم هذه الهواية تستحق كل التضحيات.
من الواضح أن دوافعهم ليست مالية على الإطلاق. فإذا كان "ميركاتو" سباقات الحمام، في سماوات أخرى، يحقق نجاحات باهرة وتجنى من ورائه أموال طائلة (في سنة 2019، بيعت الحمامة الفلمنكية أرماندو بأزيد من 1,25 مليون أورو في مزاد علني على الإنترنت، لتصبح أغلى طائر من نوعه في العالم)، فإن المغرب بالكاد يتوفر على سوق من هذا القبيل. وفي هذا الصدد، قال الحاج حسن إن "الأمر شبيه ببيع أحد أفراد عائلتك في المزاد العلني. هذا عار!".
وهذا أبعد ما يكون عن الاستعارة: فبمرافقته، ورعايته، وتدريبه ومشاهدته يختفي في كبد السماء ليعود بعدها إلى الحظيرة، يطور مربي الحمام علاقة وثيقة وشبه عائلية مع حمامه.
وما يميز أيضا مربي الحمام المغربي عن غيره هو التزامه بالتنظيم الذاتي والمساعدة المتبادلة. فالأمر يتعلق بمجتمع مترابط حيث يتعلم الصغار قواعد الفن من الكبار، إما عن طريق التواصل المباشر أو عبر منتديات المناقشة أو صفحات "الفيسبوك" التي يتم تحيينها بانتظام أو الفيديوهات الخاصة بالنصائح وطرق الاستعمال (كيفية التعرف على أفضل السلالات، وتحقيق التوازن في النظام الغذائي، وتطوير العضلات، وإعداد برنامج تدريبي ناجح...). باختصار، إنه مجتمع صغير وشغوف ومتعاون ومنضبط لا يقل شأنا عن ألتراس الرجاء أو الوداد!
مريم رقيوق