أعلن المغرب، الأحد 10 مارس، عن تسلم ثمانية من الجهاديين المغاربة من قوات سوريا الديمقراطية، وهي الخطوة التي رحبت بها واشنطن، التي كانت دعت، قبل ذلك، بلدانا أوروبية إلى تسلم 800 من الجهاديين، الذين يوجدون قيد الأسر. مسألة عودة الجهاديين التابعين ل" داعش"، تطرح العديد من الإشكالات وتنطوي على العديد من المخاطر، التي تثير تساؤلات، ننقلها إلى عبد الحق باسو، الخبير المغربي في القضايا الأمنية، والباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، والذي شغل العديد من المناصب الرفيعة في المديرية العامة للأمن الوطني، كان من بينها رئيس شرطة الحدود بين 1978 و1993 والمدير المركزي للاستعلامات العامة بين 2006 و2009.
بعد قرارها الانسحاب من سوريا والعراق، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا من العديد من الدول تسلم جهادييها المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية . هل تسلمهم ينهي المشكل ؟
الانسحاب الأمريكي غير مؤكد إلى حدود الآن. فالحديث عن الانسحاب جاء عبر تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تويتر. فهل وسيلة التواصل هاته يمكن اعتبارها قناة لتمرير قرارات دولة. قرارات من هذا القبيل، تكون عادة بخطاب من الرئيس أو وزير الخارجية. هل يمكن أن نأخذ مسألة الخروج من سوريا على محمل الجد؟ هل هو خروح آني؟.
وأظن أن هناك تراجعات اليوم عن مسألة الخروج هاته من شمال شرق سوريا. والتهديد الذي يمثله هؤلاء المقاتلون يطرح سواء بقيت أمريكا أم رحلت. الحديث هنا عن 800 من المقاتلين الأجانب، الذين جاؤوا من أمريكا وألمانيا وبلجيكا وكندا وغيرها ، والذين تطلب الولايات المتحدة من بلدانهم تسلمهم. هؤلاء الجهاديون الإرهابيون يوجدون في الأسر لدى قوات سوريا الديمقراطية.
الكثير من المقاتلين معروفون، وهناك قلة غير معروفين. وهؤلاء يطرحون مشاكل حقيقية أكثر من الآخرين
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول إنه إذا لم تسترجعهم بلدانهم، فسنكون مضطرين إلى إطلاق سراحهم، غير أن هؤلاء المقاتلين الثمانمائة، لا يمثلون كل المقاتلين في سوريا. إنهم يعدون بالآلاف، أين يوجد الآخرون؟
هناك من عاد إلى بلده، ومن ذهب إلى مكان آخر، ومنهم من مالا يزال بين سوريا والعراق يبحث عن ملاذ. هذا يعني، أن المشكل الذي يطرحه المقاتلون الأجانب، غير مقرون ببقاء الولايات المتحدة أو ذهابها.
هل المقاتلون الأجانب غير أولئك الذين تحدث عنهم الرئيس الأمريكي معلومون لدى بلدانهم؟
لقد كانوا بالآلاف في سوريا والعراق، وينتمون إلى أكثر من تسعين دولة. يمكن للاستخبارات أن تحصل على أسماء، وقد عثر على بعض السجلات بعد خروج داعش من الرقة، التي كشفت ربما عن أسماء أربعة آلاف منهم، غير أن هذه الأسماء تشير إلى ألقاب من قبيل " أبو فلان"، فهل هذه هي هوياتهم الحقيقة؟ أظن أن عددا من هؤلاء غير معروفين، نسبتهم غير معروفة، يمكن أن يكون بينهم من قتل أو أسر، لكن قد يكون منهم من لا يزال يتجول.
لابد أن نأخذ بعين الاعتبار وجود مقاتلين غير معروفين، قد يكونون غادروا سوريا والعراق إلى وجهات أخرى. هل عادوا إلى بلدانهم؟
هناك الكثير من الغموض يلف هذا الموضوع. الثابت، أن الكثير من المقاتلين معروفون، وهناك قلة غير معروفة. وهؤلاء يطرحون مشاكل حقيقية أكثر من الآخرين.
هل التعاون الدولي في من أجل تحديد هويات غير المعروفين فعال؟
لا يمكن بالمطلق أن نقول إنه فعال، كما لا يمكن أن نقول إنه غير فعال. هناك نسبة من النجاح، لأن مصالح مخابرات كثيرة وجدت بسوريا، خاصة الأوروبية والأمريكية والروسية والإيرانية والتركية. يمكن أن نقول إن هناك نجاح في تحديد الهويات، لكن ثمة درجة من الصعوبات في تلك العملية.
هل ستجد البلدان التي قطعت علاقاتها مع سوريا صعوبة في التعرف على المقاتلين الحاملين لجنسياتها؟
رغم قطع العلاقات مع سوريا، لا أعتقد أن المعلومات الكاملة متوفرة لدى المصالح الاستخباراتية التابعة لهذا البلد.
مؤكد أن لدى سوريا بعض المعلومات. وأعتبر أن البلدان التي يمكن أن تحصل على معلومات، هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإسرائيل وإيران. وهناك بلدان تتعاون مع روسيا، ستأخذ معلومات من هذا البلد، وهناك بلدان تتعاون الولايات المتحدة ستحصل على معلومات من ذلك البلد. وقس على ذلك التعاون مع تركيا وإيران وإسرائيل. فإذا لم يأخذ التعاون طابعا دوليا وشموليا خالصا، نجد أن هناك تعاونا بين أقطاب من الدول. فالدول المشاركة في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة، ستأخذ معلوماتها من هذا البلد.
هل يمكن للأكراد أن يكونوا فعالين على هذا المستوى؟
الأكراد فعالون في العمليات الحربية والميدانية، فأما في ما يتصل بالمعلومات واللوائح، فهم لا يمكن أن يتوفروا سوى على جزء منها. فالمعلومات حول الجهاديين في سوريا، ليست حكرا على بلد واحد، وكي نحصل على لائحة متكاملة لابد من تعاون دولي شامل، غير أن هذا التعاون يشكو من بعض الاختلالات، منها أن المجمتع الدولي غير متفق حول المجموعات التي يمكن أن توصف بالإرهابية والمجموعات التي ليست كذلك، فاللوائح تختلف بين الدول. وهذا ما يجعل خطر عودتهم، لايزال قائما.
ماذا عن التنسيق بين دول المغرب العربي مثلا ؟
لنأخذ الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر مثالا في الاندماج، فالتنسيق بين دوله غير قائم، لأن النظرة إلى الظاهرة غير موحدة. الجميع يقر بأنهم يشكلون خطرا، غير أن الرؤية إليهم وكيفية التعامل معهم، غير موحدة. التعاون موجود والجميع ينادي به، لكنه يبقي غير كاف، ليس فقط بالنسبة للمغرب العربي، بل على مستوى جميع المجموعات.
هل يمكن لهؤلاء أن يحاكموا في بلدانهم على أفعال اقترفوها في بلدان أخرى؟
هناك العديد من القوانين التي تبيح ذلك، وهناك قرارات دولية تدين تلك الأفعال، فبالارتكاز على قرارات مجلس الأمن، يمكن محاكمة هؤلاء الأشخاص، حيثما ألقي عليهم القبض.
هل يمكن في الوضع السوري الحالي، أن يتحولوا إلى مناطق أخرى؟
التقارير تشير إلى أن الكثير منهم، انتقلوا إلى أماكن أخرى. هناك من يتحدث عن ليببيا، وهناك من يتحدث عن الساحل، غير أنني لا أستسيغ أن ينتقل مقاتل من الهند أو الفلبين أو الصين إلى الساحل، الذي قد يقصده مقاتلون من شمال إفريقيا، الذين يمكنهم الاندماج في الظاهرة الإرهابية في تلك المنطقة، وهناك المقاتلون الأفارقة، على قلتهم، سيندمجون في تلك المنطقة. ونلاحظ أن المقاتلين الذين اعتقلوا أو أسروا في الساحل، لا يوجد من بينهم أوروبيون.
هناك نجاح في تحديد الهويات، لكن ثمة نسبة من الصعوبة في تلك العملية
ونسجل حدوث نوع من التطور على مستوى الإعلام، وقد يكون هذا عائدا إلى قدوم بعض الأطر قدموا من " داعش" إلى الساحل ، وأنهم نقلوا معهم خبرتهم في " البروباغندا"، غير أنني لا أعتقد أن يكون عدد كبير من المقاتلين أتوا إلى الساحل، فأكثرهم يذهبون إلى أفغانستان والفليبين والبلقان بالنسبة للأوروبيين. وهناك العديد من التقارير تتحدث عن ليبيا.
ماذا عن مزدوجي الجنسية ما الخطر الذي يمثلونه في حالة العودة؟
ما يسهل الولوج إلى الأقطار، بطريقة خفية أو عبر التدليس، هو كثرة الجوازات التي يحوزها الشخص. متعددو الجنسية يتوفرون على اختيارات أكبر، فالذي يتوفر على الجنسية المغربية والجنسية الفرنسية والجنسية الكندية، له خيارات أكبر في التنقل.
من أين يأتي الخطر على البلد الذي سيحل به الجهاديون العائدون؟
الخطر الأكبر يأتي من درجة اقتناعهم بمايقومون به. هناك من سيرجع بعدما سئم من حياة الجهاد والقتال، فهذا الصنف سيسعى إلى تغيير حياته، غير أن هناك من لديهم اقتناع راسخ بما يقومون به، وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقا، لأن لديهم الاقتناع والتدريب ما يعطيهم تجربة كبيرة، زد على ذلك، أنهم عندما يعودون إلى بلدانهم يلجون ببيئة يعرفونها جيدا. هذا لاحظناه في حالة الخلايا التي تشكلت في بداية القرن، حيث أن العديد منها تشكل علي يد عائدين من أفغانستان، التي جاؤوا منها، إلى بيئاتهم الأولى، محملين بقناعاتهم وخبراتهم في القتال، ولا أدل على ذلك من الجماعات المسلحة الجزائرية، فالمختار بلمختار مر من أفغانستان قبل أن يعود إلى الجزائر.
ما الذي تطرحه العودة على مستوى تدبير الحدود؟
لا تتوفر جميع الدول تتوفر على الوسائل من أجل مراقبة الحدود، حيث أنه سيكون من الصعب عليها القبض على جهاديين عائدين حتى لو كانت تعرفهم، غير أنه بالنسبة للدول التي تتوفر على إمكانيات، فإن ذلك يطرح تساؤلات حول ما إذا كان العائدون سيمرون من المناطق المعدة لذلك مثل المطارات أم سيعبرون من الأماكن غير المراقبة، علما أن بلدانا تتوفر على آلاف الكيلوميترات من الحدود، فهل يمكنها أن تراقب كل الحدود؟
عندما يلقى القبض عليهم، ما هي المقاربة المثلى للتعاطي معهم؟
هناك من يدعو إلى عدم استقبالهم، فقد شهدنا حركات من المجتمع المدني التونسي، تطالب بعدم تسلم أو استقبال العائدين. وقد كنت اقترحت، ما يشبه السجن دون أن يكون سجنا، أي إحداث مراكز يوضع فيها العائدون، ويقع الاتصال بينهم وبين اختصاصيين في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون والشؤون الأمنية والشؤون الدينية، حيث يفترض إجراء حوار معهم، وعندما يثبت أن هناك من أجرموا، يحولون على المحاكم، ومن أعلنوا التوبة تراعي المحاكم ذلك، ومن أراد البقاء على هو عليه، تتخذ في حقه الإجراءات الواجبة.
هناك من لديهم اقتناع راسخ بما يقومون به، وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقا
هذا تدبير مكلف، ونحن نلاحظ في حالة الأشخاص الثمانمائة الذين تحدث عنه ترامب، وجود اختلاف بين البلدان الأوروبية مثلا، ففرنسا، تقول إنه قد تأتي بهم، من أجل إحالتهم على القضاء، بينما تعتبر بلجيكا أنه يجب أن تجري مشاورات داخل أوروبا من أجل الوصول إلى موقف موحد. لا توجد مقاربة موحدة على مستوى العالم.
هل يفترض في المصالح الأمنية أن تكون متوفرة على دليل يوضح طريقة التعامل مع العائدين؟
لا يمكن أن نتوفر على دليل للتعامل مع هؤلاء الأشخاص، فنحن نوجد إزاء بشر، يكفي تكوين رجل الأمن، ونترك له حرية التعاطي مع كل حالة على حدة، لا يمكننا أن نقيده بطريقة واحدة في التعامل.
كنتم عبرتم عن تخوفكم من أن يفضي سجن العائدين إلى حصول اتصال بينهم وبين شبكات إجرامية داخل السجون، ما قد يدفعهم إلى وضع خبرتهم رهن إشارة تلك الشبكات...
كنا نلاحظ إلى حدود الآن أن المنظمات الإرهابية، هي التي تستقطب أفرادا من شبكات الإجرام العادي، ما أخشاه هو أن تعمد المنظمات الإجرامية إلى الاستقطاب من المنظمات الإرهابية، إلى الاستفادة من تجربتهم الميدانية.
تحدثتم في أبحاثكم عن دور الأسر في إعادة إدماج هؤلاء العائدين. هل هذا ممكن؟
أنا أتصور أن استقطاب هؤلاء، يعتمد على القرب، أي من قبل أصدقاء أو أفراد من العائلة، هذا ما يدفعني إلى افتراض أن العلاج لا يمكن أن يتم إلا عبر استثمار عامل القرب. وأعتبر أن البرامج، في هذا المجال، لا يجب أن تستبعد العائلات والأوساط القريبة من الشخص، فلابد من مراعاة معطى توازي الأشكال، أي أن الطريقة التي استقطب بها الشخص، هي التي ستساعد على عودته إلى جادة الصواب.
ماذا عن استثمار الإنترنيت في هذه العملية؟
لا بد من استحضار هذا المعطى، ونحن نلاحظ أن الرابطة المحمدية للعلماء، قامت بعمل رائد عبر الكتبيات التي أصدرتها، والتي روعي في بلورتها البعد البيداغوجي، بما يساعد على رد من أصابهم مس التطرف عن غيهم، ويساهم في توعية الأجيال التي لم تنخرط في هذا التوجه. وأنا أعتبر أنه بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تدمج الأسر والمجتمع المدني، الذي يحقق مطلبي القرب والثقة.