يعود المغرب لفتح ملف الجباية من جديد، بعد الاختلالات التي شابت تطبيق النظام الجبائي، الذي رام بلوغ أهداف من قبيل العدالة والتبسيط، وهي أهداف جرى الإعلان عنها مند ثلاث عقود ونصف، دون بلوغها بسبب تحويل النظام الجبائي لخدمة أهداف فئوية وقطاعية، على حساب فئات تتعرض لضغط جبائي كبير.
في هذا الحوار مع الخبير الجبائي، محمد الرهج، الرئيس السابق لجامعة الحسن الأول بسطات، والأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، نتناول شروط تحقيق العدالة الجبائية والمخاطر التي قد تحول دون ذلك.
* يعقد المغرب المناظرة الوطنية حول الجباية في نهاية الأسبوع الجاري (3-4 ماي)، حيث تتجه النية نحو التركيز على العدالة الجبائية، كيف يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال الاطلاع على مجمل المساهمات التي جرى التعبير عنها من قبل مختلف الهيئات التي عبرت عن تصورها لما يجب أن يكون عليه النظام الجبائي؟
اطلعت على مجموعة من المساهمات التي عبرت عنها هيئات اقتصادية واجتماعية ومهنية، ولاحظت أن هناك اختلافا في المعنى الذي تعطيه كل هيئة للعدالة الجبائية، غير أنه إذا لم يكن هناك تدابير ملموسة، فلن يتحقق ذلك الهدف، فقد رأينا كيف أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعلن في ندوته الصحفية الأسبوع الماضي، عن تخفيف العبء الجبائي عن الطبقة المتوسطة، فقد أعلن عن خفض الضريبة على الدخل بحوالي خمسة ملايير يورو، كما كشف عن ربط معاشات التقاعد بمستوى التضخم اعتبارا من 2021.
* الأمر يتعلق بقرار سياسي، إذن؟
نعم، القرار السياسي حاسم في توضيح الرؤية، بعد ذلك تنكب وزارة الاقتصاد والمالية والوزارات المعنية على ترجمة ذلك القرار عبر قانون المالية. أنا قرأت الوثائق المقدمة قبل المناظرة الوطنية للجباية، ولاحظت أن الجميع يتحدث عن العدالة الجبائية، ولكن نادرا ما تقف على بعض المقترحات العملية، فقد رأينا من يوصي بزيادة الشريحة المعفاة من الضريبة على الدخل من 30 ألف درهم في العام إلى 36 ألف درهم وحتى 60 ألف درهم، وتخفيف الضغط الجبائي عبر إعادة النظر في الشرائح الوسطى الخاضعة للضريبة. النوايا تبقى طيبة، حتى لدى الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والأهم هو التدابير الملموسة التي ستكشف عنها السلطات العمومية في باب العدالة عبر الضريبة على الدخل.
* لكن يتجلى أننا مازلنا في باب المبادىء العامة؟
اللجنة العلمية، التي يرأسها وزير المالية الأسبق محمد برادة، طالبت من سيتقدمون بمقترحات للمناظرة الوطنية حول الجبائية، بالاقتصار على المبادىء والأهداف، لأن الهدف من المناظرة الخروج من المناظرة بمقترح قانون إطار، الذي يتضمن في غالب الأحيان بعض المبادي والأهداف.
* غير أنه يتجلى من التجربة التي عرفها المغرب قبل 35 عاما أن قانون الإطار لا يحسم الأمر، على اعتبار أن قوانين المالية قد تعبر عن موازين القوى، التي تميل للقطاعات والفئات المدعومة من قبل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أليس كذلك؟
قانون الإطار لعام 1984 والدراسة التي بني عليها، من بين أهم الدراسات التي أنجزت، لكن تم إفراغها غبر قوانين المالية، حسب الظرفية، التي ترتبط في بعض الحالات بالحاجة لموارد مالية لتمويل نفقات الميزانية أو تتصل في أحيان أخرى بالضغط الذي تمارسه بعض القطاعات، التي اشتغلت كما ينبغي في الخمسة والثلاثين عاما الماضية، ما جعلنا نصل اليوم إلى 22 نظام استثنائي و416 تدبير ضريبي ليست إعفاءات جبائية. الخطر الذي يمكن أن نسقط فيه مرة أخرى، هو التوافق حول قانون الإطار، لكن عند وضع مشاريع قوانين المالية والمصادقة عليها، خلال الخمسة أعوام المقبلة، قد يفرغ القانون الإطارمن محتواه، خاصة أن مجموعات الضغط لن تظل مكتوفة الأيدي.
لا يعقل أن يؤدي أستاذ طبيب 15 ألف درهم برسم الضريبة على الدخل، بينما لا يلزم في المهن الحرة سوى 500 درهم.
* لكن كيف يمكن تفادي هاجس تعبئة الموارد لاعتبارات ظرفية؟
الدولة ستحاول، دائما، ضمان الموارد التي يفترض فيها أن ترتفع، واليوم لدى الإدارة الجبائية عبر الرقمنة إمكانيات كبيرة لتنمية المداخيل عبر المراجعات وتضريب القطاع غير المهيكل، ولكن في بعض المرات، عندما تحتاج الدولة إلى موارد يمكنها تعبئتها، فعندما تحدث الملك عن ضرورة تعبئة موارد مالية لنظام تيسير، تم التوجه إلى الشركات الكبرى التي طلب منها الأداء عبر المساهمة الاجتماعية التضامنية، وهذا يدفع برجال الأعمال إلى طلب المقابل. وعموما، فإن تعبئة الموارد تتحكم فيه الظرفية وجماعات الضغط التي لن تضع سلاحها.
* تتحدث كل المساهمات التي سبقت المناظرة الوطنية للجباية عن توسيع الوعاء الجبائي من أجل تخفيف الضغط الجبائي على فئات معينة، هل هناك هوامش لتوسيع الوعاء؟
هناك إمكانية لتوسيع الوعاء في الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، كما هناك إمكانية لتوسيع الوعاء على مستوى التجار والمهن الحرة، الذين لا يريدون الوفاء بالتزاماتهم الجبائية، هذا يستدعي المراقبة، فلا يعقل أن يؤدي أستاذ طبيب 15 ألف درهم برسم الضريبة على الدخل، بينما لا يلزم في المهن الحرة سوى 500 درهم. لا بد من تعزيز المراقبة على التجار والمهن الحرة، وتضريب القطاع غير المهيكل. وبالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، يفترض تعزيز المراقبة بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين يستخلصونها عبر الزبون والمستهلك، ولا يحولونها لخزينة الدولة.
عندما يحقق المستغل الزراعي أقل من 5 ملايين درهم كرقم معاملات لا يؤدي الضريبة، بينما يتوجب على أجير يربح 500 ألف درهم في العام أن يؤدي 38 في المائة برسم الضريبة على الدخل.
ماذا عن فرض ضريبة على الثروة، هل هذا ممكن؟
يتحدثون عن الممتلكات النائمة، لكنهم يقصدون الضريبة على الثروة، وبشكل خاص العقارات، وحسب المعلومات المتوفرة، لن يتم تكريس هذا الأمر، وأنا أتصور أنه قبل الانتقال لتضريب الثروة، لا بد من توضيح الأمور على مستوى الضريبة على الدخل، أنا لست ضد الضريبة على الثروة، لكن قبل ذلك يجب أداء الضريبة على الدخل، و أنا أتصور أنه يجب الامتثال للفصل 39 من الدستور الذي ينصل على أنه « على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور ».
فالدستور أسمى من القانوني الجبائي. تحمل الأعباء الجبائية يجب أن يسري على الجميع، بما في ذلك المستثمرون في الفلاحة، فاليوم عندما يحقق المستغل الزراعي أقل من 5 ملايين درهم كرقم معاملات لا يؤدي الضريبة، بينما يتوجب على أجير يربح 500 ألف درهم في العام أن يؤدي 38 في المائة برسم الضريبة على الدخل. وقد أجمع الكثيرون قبل المناظرة على ضرورة التساوي أمام الضريبة أيا كان الدخل.