يتحدث عبد الكريم زليم الصيدلي والمدير العام لمكتب متخصص في الاستشارة والخدمات في مجال الأدوية والمواد الطبية، في هذا الحوار، عن أعطاب الهيئة الوطنية للصيادلة، وانعكاسات شللها التنظيمي على القطاع.
ويطرح زليم في حواره مع "تيلكيل عربي"، لمشروع القانون الذي جاءت به وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، من أجل إعادة تنظيم قطاع الصيدلة بالمغرب، وما يحمله من تعديلات على الظهير المؤسس للهيئة، ولماذا تأخرت المصادقة عليه.
ويكشف أيضا، الأسباب الحقيقية وراء انقطاع بعض الأدوية مؤخرا، وأين أخطأت الوزارة في التواصل بشأن هذا الملف، وتأثير الصراع بين من ينتمون لفدرالية الصيادلة من جهة والكونفدرالية من جهة أخرى على هذا الجانب.
ويقدم الصيدلي المختص، مقترحاته وحلوله، للخروج من الأزمة التي يعيشها القطاع.
*ما هو موقفكم من مشروع الجهوية الذي أتت به وزارة الصحة؟
هذا مشروع تاريخي، ونعتبره من أهم المشاريع التي أتت بها الوزارة لصالح قطاع الصيدلة؛ لأننا، وفي عام 1976 الذي شهد إصدار الظهير الذي ينظم الهيئة، كنا 300 صيدليا فقط، ليحدث انفجار ديمغرافي للصيادلة بعدها، ويصل عددنا الآن، إلى 10.540 صيدليا. وفي ظل هذا الارتفاع، لا يمكن أن تظل هيئة الصيادلة، ودون بقية المهن المنظمة الأخرى، بدون جهوية.
المشكل لم يكن مطروحا بتاتا، إلى غاية ظهور صراع أساسه القانون 17.04، والذي نشب ما بين كونفدرالية الصيادلة وفدرالية نقابة صيادلة بالمغرب، وهو الصراع الذي أدى إلى شلل عمل هيئات الصيادلة في الشمال والجنوب، لمدة 10 سنوات تقريبا؛ وبالتالي، اشتغالهم بطريقة غير شرعية، إلى حين تنصيب الحسين الوردي وزيرا للصحة، الذي تم في عهده، وبالضبط عام 2014، حلّ المجالس، وتشكيل لجنة مؤقتة مكونة من الصيادلة وممثلي الوزارة والأمانة العامة للحكومة، هدفها تسيير المجالس، إلى غاية تنظيم الانتخابات.
لو أن الوزير الوردي ربط حينها، هذه اللجنة بالجهوية، لما كان هذا المشكل. أنشئت اللجنة المؤقتة، ونجحت فعلا في تسيير القطاع، وتنظيم أول انتخابات تاريخية للهيئة، في غشت 2015، والتي كانت شفافة ونزيهة، وعرفت إقبالا واسعا؛ وهو ما مكّن من تهييء الجهوية للانتخابات المقبلة، التي لم يتم إجراؤها في وقتها؛ أي بعد مرور 4 سنوات.
*ما السبب وراء عدم احترام القوانين، خاصة في ما يتعلق بآجال التجديد؟
تعيش المهنة حاليا صراعات. هيئة الصيادلة مسيرة من طرف الفدرالية، وأنا أتحمل مسؤولية كلامي هذا. فرؤساء هيئات الصيادلة في الشمال والجنوب تجمعهم علاقة وطيدة معها، وليس في صالحهم تنظيم هذه الانتخابات، لمصالح شخصية.
الوزير مطلع على هذه الحيثيات، ويصرح بها مرارا وتكرارا. كما أنه دائما ما يقول إنه لا يجد طرفا يحاوره، وهذا ما أتفق معه عليه بشدة، لأن الهيئة غير شرعية، كونها لم تنظم الانتخابات في أوقاتها المحددة.
وثانيا؛ النقابات التي تزعم أنها تمثل الصيادلة لا عتبة لديها؛ بمعنى عدم امتلاكها لرصيد يجعلها تمثل البقية، فضلا عن الصراعات التي بين الفدرالية والكونفدرالية.
أهمية مشروع الجهوية الذي أتى به الوزير تكمن في قدرته على حل أكبر مشاكل المهنة؛ ألا وهو المشكل التنظيمي.
*ما هي انعكاسات غياب هذا التنظيم؟
أولا؛ لا يوجد أي محاور للوزارة الوصية. ثانيا؛ تسجيل فوضى في أوقات عمل الصيدليات وأوقات الحراسة. ثالثا؛ عدم وجود جهة تراقب مدى احترام الصيدليات لأخلاقيات المهنة. وهنا تحضر أهمية وجود الشرعية وعلاقتها بوجود الجانب التأديبي.
يكفي أن نستحضر سوء الفهم الذي حصل بخصوص نفاذ مخزون بعض الأدوية؛ حيث تقول الفدرالية كلاما مخالفا لذلك الذي تقوله الكونفدرالية؛ لأن ما بينهما هو صراع أشخاص، وليس صراع من أجل المهنة.
*هل مازالت الهيئة تحصل على مساهمات الصيادلة، رغم عدم قيامها بكل هذه الخدمات كما جاء لسانكم؟
نعم، مازالت تحصل على هذه المساهمات، التي تبلغ 600 درهم شهريا عن كل صيدلي، وإذا تخلف عن ذلك، يعرض على مجلس تأديبي، حسب القانون. ببساطة، هو يساهم بدون أن يستفيد.
الوزير إنسان ذكي، لأنه أتى بقانون سينظّم هذه المهنة؛ بحيث سيسهل عليه التحاور ومسائل أخرى. يكفي أن نتساءل، من سيوقع باسم القطاع، في حال ما إذا عقدت الوزارة اتفاقية مع الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "cnops"، أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي "cnss"، أو الوكالة الوطنية للتأمين الصحي "anam"، أو أي جهة أخرى؟
نحن بصدد مشروع مهم للغاية، سيخلق ثورة في المغرب من ناحية الحماية الاجتماعية، حينما نستطيع الوصول إلى مرحلة يتم فيها منح المواطن الحق في التطبيب، والحصول على الأدوية، بالمجان. وإنجاح هذا المشروع المهم يمر عبر عدة تعديلات؛ أهمها حل الهيئات الحالية، وإنشاء لجنة مستقلة مكونة من ممثلي وزارة الصحة والأمانة العامة للحكومة، وصيادلة يتم اختيارهم على أساس النزاهة، والخبرة، وعدم الانتماء لأي إطار نقابي، وكذلك عدم المشاركة في الانتخابات القادمة.
*لماذا تطالبون بلجنة مستقلة؟ وماذا يمكن أن تقدم؟
اللجنة المستقلة، يتعمل أولا على إعادة الشرعية لتسيير أجهزة الهيئة. كما من مهامها التي نطالب بها، إجراء افتحاص مالي للفترة السابقة. وثالثا، الهيئة لديها إرث مالي، الصيادلة من يساهمون في جمعه، ولما أننا نشدد على ضرورة تنزيل الجهوية تنظيميا، اللجنة المستقلة هي المخول لها القيام بهذه المهمة.
*ما هي أهم الخطوات التي قمتم بها لإقناع الفاعل السياسي؟
90 في المائة من عملي ينقسم إلى شطرين: تأطير الصيادلة، والاشتغال على الجانب السياسي. ما نطالب به حاليا، هو تعديل له تعليلاته. لنعد إلى انتخابات غشت 2015، وسنرى مدى نجاحها الذي لم يتم استثماره بشكل صحيح. ماذا يمكن أن تنتظره من قطاع غير منظم؟ علما أن قطاع الصيدلة ليس بالقطاع الهين، بل هو قطاع حساس يلعب دورا في صحة المواطنين.
*لنفترض أنه تم قبول هذا التعديل، ما هي مقترحاتكم العاجلة لخروج من هذا الوضع الذي تحدثت عنه؟
-تحقيق الجهوية سيسهل تطبيق القوانين، وسيسهل التأطير. المشاكل تختلف باختلاف الجهات وخصائصها. نقطة مهمة أخرى؛ وهي وجوب قيام الهيئة بدراسات، ونستحضر هنا مشكل ثمن الأدوية، ومشكل نفاذ مخزونها، هنا يأتي دور دراسات الهيئة، وهو ما تم تسجيل غيابه غيابا تاما. كان يجب تشكيل الهيئة لجهاز يحقق، بتنسيق مع الوزارة الوصية، حول حقيقة ما يحدث.
مشكل نفاذ مخزون الأدوية ليس مشكلا كبيرا كما يتم الترويج له، بل هو مشكل عادي تشهده جميع الدول.
الوزير قال إنه لا وجود لأي نفاذ في مخزون الأدوية، وهو أمر غير صحيح. بل هي موجودة، لكن الطريقة التي تم بها التواصل ليست طريقة صحيحة، والجهة التي يجب أن تتحدث باسم هيئة الصيادلة غائبة.
ما حدث فعلا، هو أن الموجة الثالثة من وباء "كورونا" كانت الموجة الوحيدة التي تزامنت مع مرحلة الأنفلونزا الموسمية (أعراض متشابهة، والعلاج يتم بنفس الأدوية)، بالإضافة إلى الظرفية الزمنية (نهاية السنة)، التي تشهد إغلاق الشركات المصنعة للأدوية لمدة أسبوع على الأقل، فضلا عن ارتفاع مهول في حالات الإصابة بالفيروس، وهو ما خلق ضغطا رهيبا. أما المعطى الثالث؛ فهو معطى لوجيستيكي؛ فمثلا المدة التي يستوجبها وصول دواء من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة وجدة، هي 48 ساعة على الأقل. أضف إلى ذلك، معطى عجلة الإنتاج التي شهدت اضطرابا نهاية السنة، بسبب تسجيل حالات إصابة كثيرة بالفيروس داخل المعامل مثلا.
كان يجب على الوزير أن يتصرف بذكاء، ويشرح كل هذه المعطيات، بناء على ما سبق، حتى تتضح الرؤية.
*ما هي رسالتك للصيادلة؟
-يجب علينا حل المشكل التنظيمي، وإلا سنبقى في مكاننا.