الديالمي: الدول والمجتمعات التسلطية تستعمل القمع الجنسي لخلق المواطن الطيع والخانع

عالم الاجتماع عبد الصماد الديالمي
أحمد مدياني

يتطرق عالم الاجتماعي عبد الصمد الديالمي في الجزء الثالث من حواره مع "تيل كيل عربي"، لمواضيع مرتبطة بالحرية والجنس، ويفكك كيف يعيش المغرب تحولات في السلوكات الجنسية لدى المرأة والمثليين جنسياً. كما يفسر من وجهة نظره سبب استمرار غياب التربية الجنسية في المناهج التربوية التعليمية. الديالمي يتحدث أيضاً عن أسباب الضعف والعجز الجنسي وسبب بروز الحديث عنهما في المجتمع المغربي.

ويُشرح الديالمي في حواره مع الموقع كيف تستخدم الأنظمة والمجتماعات التي وصفها بالتسلطية القمع الجنسي لخلق المواطن الطيع.

*بعد ما طرحناه في الجزأين السابقين من النقاش حول الجنس وحضوره في المجتمع المغربي والتحولات التي يعيشها الأخير، كذا التطرق لوقوفنا على عتبة انتقال ثالث في الخطاب والسلوك الجنسي عند المغاربة... نتساءل، لماذا يرافق كل هذا غياب دائم لمناهج دراسية في التربية الجنسية؟

هناك مسألة يجب الإشارة إليها، وهي أن المغرب عضو في منظمة "اليونسكو"، وهذه الأخيرة تتوفر على نموذج للتربية الجنسية موجه للأطفال وجميل جدا ويمكن أخذه وتطبيقه ولن يضر شيئاً.

*(مقاطعا) لماذا لا تقومون أنتم كمفكرين وباحثين وأساتذة مهتمين بهذا الحقل بوضع نموذج للتربية الجنسية يصعد من حاجيات المجتمع المغربي في هذه المرحلة؟

لسنا في مرحلة إعداد برامج، نحن في طور سؤال الحاجة للتربية الجنسية، هل يجب أن نقوم بها أم لا؟ والجواب على هذا السؤال اليوم هو "لا"، لأنه كما أشرت سابقا، هناك خوف من الحرية، لا يريدون أن نعيشها في المغرب، سواء كانت حرية جنسية أو سياسية أو غيرهما.

لسنا في مرحلة إعداد برامج، نحن في طور سؤال الحاجة للتربية الجنسية، هل يجب أن نقوم بها أم لا؟

هناك ممارسات ملتوية، ويمكن أن تنظر لبرنامج أعدته وزارة التربية الوطنية تحت مسمى "التربية على الصحة الإنجابية"، يتضمن بعض الدروس في المستويين الإعدادي والثانوي، نفس الشيء بالنسبة لوزارة الصحة التي تتوفر على برامج لمحاربة داء فقدان المناعة المكتسبة ومحاربة كافة الأمراض المنقولة جنسيا بالإضافة إلى برنامج التخطيط العائلي، وكل هذه البرامج من أساسيات التربية الجنسية، لكنها تفتقد لمضامين أخرى تدخل في نفس الحقل.

*ما هي هذه المضامين الغائبة عن برامج وزارتي التربية الوطنية والصحة؟

مثلا المساواة بين الجنسين نحن في طريق تفعليها، لكن ليس هناك حديث أو اقرار مباشر بها عندما يتعلق الأمر بالجنس، المساواة في ما يتعلق بالمثليين جنسيا والغيريين غائبة، المضمون المعياري للجنس كممارسة إيجابية وكحق أيضاً منعدم.

وأشدد أن صلب الموضوع هو الخوف من الحرية. وأستحضر هنا معلمي الذي لن أنسى فضله علي، العالم والمحلل النفسي الألماني ويلهام رايخ الذي كتب "الثورة الجنسية"، وجاء فيه أن الدول والمجتمعات التسلطية تستعمل القمع الجنسي لخلق المواطن الطيع والخانع.

الدول والمجتمعات التسلطية تستعمل القمع الجنسي لخلق المواطن الطيع والخانع.

*هنا أستحضر معك رواية "1984" للكاتب والروائي جورج أرويل والتي كان من أركان تفكيك التسلط فيها المعايير الصارمة للمارسة الجنس بين أعضاء الحزب الحاكم كما جاء في الرواية.

نعم، هو كذلك، رغم أن رايخ كان معجبا بالنظام السوفياتي قبل أن يتحول إلى نظام سلطوي.

رايخ كتب "الثروة الجنسية" في سنوات الثلاثينيات، وأظهر أن النازية كنظام تسلطي قام على القمع الجنسي، وهذا أساس لقمع الفرد وتطويعه.

نحن لم نصل بعد إلى الإيمان بالفرد كقيمة أساسية، وكفاعل حر عليه الاختيار، مازلنا نتحرك في إطار المجموعات، الأسرة والقبيلة، وبزوغ الفرد بدأ عمليا وليس كقيمة متأخراً عندنا، بل حتى مفهوم المواطن عندنا متذبذب، نحن نعيش على مفهوم الرعية في الأسرة والنظام العام، وهي تقوم على الطاعة.

مفهوم المواطن عندنا متذبذب، نحن نعيش على مفهوم الرعية في الأسرة والنظام العام، وهي تقوم على الطاعة.

*ألا ترى أن النساء في المغرب بدأنا يتمردنا على هذا التسلط الجنسي كما وصفته، وأصبحن يتشاركن مثلا تجاربهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعلن أنهن لم يعدن يعرن اهتماما للعذرية كـ"رمز للشرف والعفة".

طبعاً، هناك تحول لدى النساء المغربيات.

*كيف حدث هذا التحول في نظرك؟

هناك وعي نسوي ينشأ في المجتمع، يؤمن بحق المرأة في الجنس كمواطن، لأن المواطنة هي جنسية كذلك، والنسوية تخلق هذا الوعي لدى المرأة بأنها هي سيدة جسدها ولا أحد له الحق في التحكم فيه.
ومع ذلك، نحن مازلنا في مرحلة جل الفتيات يخترن فيها ممارسة الجنس السطحي أو فموي حفاظا على غشاء البكرة، وهذا السلوك مرده التوفيق بين تلبية الرغبة الجنسية وتجنب ما يوصف بـ"الحرام".

هناك وعي نسوي ينشأ في المجتمع، يؤمن بحق المرأة في الجنس كمواطن، لأن المواطنة هي جنسية كذلك

ليس هناك احصائيات دقيقة ولكن التحول واقع، وهناك فتيات تجاوزنا مرحلة اعطاء الاعتبار لغشاء البكرة، خاصة منهن اللاتي يتوفرن على مستوى تعليمي عالي ومستقلات مادياً، وهذه الفئة مقتنعة بأن غشاء البكرة لم يعد عاصمة جسدهن ولا رأس ماله، بل لهن رساميل أخرى، ولم يعدن يضعن جسدهن في خانة السلعة التي تستهلك.

نشرت مقالا مؤخراً تحدث فيه عن "الافتضاض المثلي في المغرب"، وكيف أصبحت المثليات الجنسيات يمارسن افتضاض البكرة في الفعل الجنسي المثلي، وهذه ثورة ضد الرجل واستغناء عنه ورفض للدخول إلى السوق الزوجية المراقبة والمتحكم فيها من طرف الرجال.

نعم هناك ثورة جنسية نسوية الآن تمارس في صمت، مضمونها رفض فرض اللاجنس بالنسبة للمرأة قبل الزواج، ويجب أن نذكر بأن الامساك الجنسي الذي نادى به الإسلام لقرون وما زال ينادي به، مفروض على النساء فقط، والشاب له الحق في شراء جارية والاستمتاع جنسياً.

هناك ثورة جنسية نسوية الآن تمارس في صمت، مضمونها رفض فرض اللاجنس بالنسبة للمرأة قبل الزواج

*في سياق حديثك عن للمثلية الجنسية، كيف تفسر بروز شخصيات تكشف مثليتها الجنسية في المغرب للعلن، بل فتحت لهم الفرصة للحديث في وسائل الإعلام والمشاركة في إنتاجات درامية وسنمائية. هل نحن أمام تحول هنا أم أنها حالات معزولة؟

هذا التحول طبيعي أيضاً، والمثليين جنسيا في المغرب بدورهم يتابعون الأخبار حول العالم، ويعرفون أن منظمة الصحة العالمية أسقطت المثلية من خانة الأمراض أو شذوذاً، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف ينادي بعدم تجريم الممارسة الجنسية المثلية وعدم التمييز ضد المثليين والغيريين.

إذا المغاربة هم في خضم هذه الأحداث والتطورات، والآن يخرجون من السر إلى العلن بفضل تنظيماتهم والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

التغيير الحاصل الآن، هو أنهم أصبحوا ينادون بحقوقهم كإنسان، وبالمساواة. لم تعد المثلية كما كانت في السابق مجرد سلوكات جنسية هامشية مختفية غير مصرح بها وتعتبر سلوكا مرضيا، بل أصحابها يتبنونها.

لم تعد المثلية كما كانت في السابق مجرد سلوكات جنسية هامشية مختفية غير مصرح بها وتعتبر سلوكا مرضيا

ولم يعد هناك مكان للقول بوصف الشاذ، لأنه كل الاتجاهات في الأصل تؤدي إلى المتعة.

الهوية الجندرية جد مهمة لفهم ما يقع من تحولات، وتقول إن أي فرد في ثلاث مستويات، فيه الجنسي الذي يوصف بالطبيعي بين ذكر وأنثى، وانطلاقا من الذكورة والأنوثة المجتمع يقول لهما هذا نوعك وعليك أن تكون كذلك بأدوار معينة، الأنثى امرأة طيعة خانعة، والذكر رجل مسيطر.

وما أتى به الطب العقلي منذ 1969 تعريف جديد للهوية الجندرية، مثلا الرجل رغم ذكورته يشعر أنه امرأة، والعكس، أنثى تحس أنها رجل، وهذا هو التحول الجندري، أي اختلاف بين الهوية الجنسية والانتماء للجنس.

ويجب أن نشير إلى أن مجتمع المثليين جنسيا والمتحولين جنسيا والمزدوجين جنسيا في طور التنظيم.

*هل يطال هذا التحول المغرب؟

طبعا، بل أكثر من هذا ورغم تجريم الممارسة في المغرب والتحريم الديني، هناك مثليون جنسيا يدافعون عن أنفسهم ويقولون إنهم مثليون ومسلمون، ويصرحون أنهم يؤمنون بالله.

*وهل يستقيم أن يجمع المثلي بين الإيمان بدين يحرم ما يمارسه واختياره الجنسي؟

هم يقولون حسب منطقهم إن الله في كل مخلوقاته، وهو يحب كل مخلوقاته وكلها متساوية، وهو من خلق التعدد الثقافي والديني واللغوي والجنسي كذلك، ويجب أن نشير إلى أن هذا المدخل صوفي إسلامي.

رغم تجريم الممارسة في المغرب والتحريم الديني، هناك مثليون جنسيا يدافعون عن أنفسهم ويقولون إنهم مثليون ومسلمون، ويصرحون أنهم يؤمنون بالله

من يرفضهم يواجهونه بأن الله خلق المثلي هكذا، لماذا سوف يطاله التمييز وهو أصلا على طبيعته التي خلق عليها، وتفرض عليه أن يتغير، بل مقتنعون بأن الله يحبهم كذلك. وهذا هو منطقهم لإظهار عدم التناقض بين مثليتهم واعتناقهم للإسلام.

حسب أبحاث قمت بها مع الطلبة، هذه الحالة الصوفية تقودهم إلى رفع ممارساتهم إلى درجة توظيف أحكام الفقه، ووقفنا على حالات لعقود زواج حسب الشريعة الإسلامية بين المثليين جنسيا، سواء بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة.

وقفنا على حالات لعقود زواج حسب الشريعة الإسلامية بين المثليين جنسيا، سواء بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة

*هل هي عقود زواج حسب ما هو متعارف عليه أم ورقة يصيغونها في ما بينهم؟

طبعا لا يمكن توثيق هذا الزواج عند العدول، ولكنه عقد بين طرفين اختارا الارتباط ببعضهما حسب قناعتهما الدينية.

عقود الزواج التي يبرمونها، حسب الأبحاث التي قمنا بها، تتم بحضور شهود، وما هو طريف في الأمر تكتب بعبارة "تم الزواج على سنة الله ورسوله". ويضيفون شيئاً آخر، هو أن هذا الزواج دائم ولا طلاق فيه ولا رجعة فيه، وهذه الحالات أشدد على أننا وقفنا عليها.

كل هذا يذهب بنا إلى ما أقوله دائماً، وهو وجود تحولات جنسية عميقة في المغرب.

عقود الزواج التي يبرمونها، حسب الأبحاث التي قمنا بها، تتم بحضور شهود، وما هو طريف في الأمر تكتب بعبارة "تم الزواج على سنة الله ورسوله"

*هل يمكن أن نضع تعامل السلطات الأمنية بحزم مع من يعتدون على المثليين جنسيا في خضم هذا التحول؟ وطبعا هناك حالات كثيرة سجلت خلال السنوات الماضية، آخرها معاقبة رجل الأمن الذي كان وراء تسريب سور المثلي جنسيا الذي تم توقيفه في مراكش ليلة رأس السنة الجارية.

في إطار القانون من يعتدي عليهم قام بسلوكات غير قانونية ويجب تطبيق العقوبات في حقهم.

وبشكل عام السلطات في المغرب تعرف أنها متابعة دوليا، وهناك ثقل دولي ووطني حقوقي يفرض تطبيق القانون بشكل ملطف إن صح التعبير، مع المثليين جنسياً، لأنه من الصعب حذف تجريم سلوكهم الجنسي بالنظر إلى الخلفية الدينية الفقهية التي يتأسس عليها.

*كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن شيوع العجز الجنسي أو الضعف لدى الرجال المغاربة، وهناك دراسات تتحدث عن عدم اقتناع النساء بحياتهن الجنسية. من خلال اهتمامك العميق بحقل الجنس كيف تفسر هذا الأمر؟

أولاً، يجب أن نوضح موقف الدين من العجز والضعف. الفقهاء لا يصفونه بالعجز الجنسي، بل يقولون إنه "اعتراض جنسي"، أي أن ما يحصل هو أن الرجل لا يحصل له ذلك مع كل امرأة، وقد يجد قوته مع نساء دون أخريات.

التربية والنشأة محددان أساسيان في ظهور الضعف أو العجز الجنسي عند الرجل، خاصة إذا تعرض للقمع والعنف منذ طفولته

العجز أو الضعف الجنسي مسألة نفسية بالدرجة الأولى، وحتى العامل الجسدي أصبح يعالج اليوم.

التربية والنشأة محددان أساسيان في ظهور الضعف أو العجز الجنسي عند الرجل، خاصة إذا تعرض للقمع والعنف منذ طفولته، وهذا القمع يخلق إنسانا يخاف من الجنس، وكل نظام تسلطي ينتج عنه فرد يعيش أزمات جنسية في حياته.

ويجب أن أشير هنا إلى تطور في المصطلحات الطبية، وهو أن أطباء الصحة الجنسية أصبحوا يصفون العجز أو الضعف بـ"الخلل الانتصابي"، وهو عرض لمشكل صحي عميق نفسي بالأساس يعاني منه الفرد، بل خلل دفين علاجه الحقيقي طويل على المستوى النفسي.