عبد الصمد الديالمي عالم اجتماع نذر 30 سنة من سنوات دراسته وبحثه لفهم وتفكيك المواضيع الجنسية. له اصدارات عديدة في هذا المجال، وصاغ، كما تحدث لـ"تيل كيل عربي" في الجزء الأول من الحوار معه، نظرية تتعلق بالمراحل الانتقالية الجنسية في المجتمع المغربي. الديالمي يرى أن المغاربة بدؤوا تدرجيا ينتقلون من تأطير علاقاتهم الجنسية حسب معيار الدين الإسلامي إلى معاير أخرى مدنية. ويشدد عالم الاجتماع على أن حلقة الضعف في الحياة الجنسية حسب معيار الدين هي المرأة، وأن هذا العامل يذهب بنا إلى أن أي نظام قائم على عدم المساواة لا يمكن أن ينجح ويؤدي إلى مجتمع غير متوازن، بل يجعل من أفراده يمارسون ما يسميه "خيانة المعيار الجنسي الإسلامي".
*نود أن ننطلق معك من تصريح لك يوماً خلال حديثك عن موضوع بائعات الجنس قلت فيه إن "المغاربة يعيشون نفاقاً اجتماعياً" في القضايا الجنسية. ألا يمكن أن نسميه خوفا أو اكراها أو غبنا أساسه النشأة الاجتماعية.
بالعكس أنا لا أستعمل هذا المصطلح بالضبط (يضحك) وأنا ضده، وهو غير سوسيولجي وغير علمي وفيه حكم أخلاقي على المجتمع. هذا المصطلح ليس خاطئا، لكن لا يجب أن يصدر عن عالم اجتماع. يمكن أن يصدر عن إنساني عادي يقول إن المغربي ينافق نفسه يقول بأمور ويقوم بأخرى.
أنا من حيث مضمون المصطلح ليس لدي تحفظ عليه لكن لا أستعمله. حتى مصطلح مجتمع سكيزوفريني، أرفضه، لأن الشكيزوفرينية تعني الشخص الذي له شخصية ظاهرة وأخرى باطنة لا تتوافقان. في نظري، هذا الوصف أيضا لا يمكن أن ينطبق على المجتمع، بل ينطبق على شخص واحد يعاني من اضطرابات عقلية غير واع بها.
المغربي يعلم جيداً ويعي جيدا أنه ينتقل من قول إلى قول ومن فعل إلى فعل في تناقض بينهما.
ما ذكرته الآن حول أن المجتمع المغربي "مجتمع منافق"، أنا أحس بذلك في إطار الحقل الجنسي الذي أدرس منذ أربعين سنة، ولكي أنظر له وأقاربه مقاربة موضوعية، رفضت مصطلح النفاق الاجتماعي والشكيزوفرينية، كما رفضت ثلاث مصطلحات إسلاموية أخرى تسير في نفس الاتجاه.
المغربي يعلم جيداً ويعي جيدا أنه ينتقل من قول إلى قول ومن فعل إلى فعل في تناقض بينهما
*هي؟
الانحراف، أي أن المجتمع المغربي منحرف جنسياً وأن هناك خطا أو طريقا مستقيما المغربي ينحرف عنه من خلال سلوكاته الجنسية، وهذا المصطلح ينتج من طرف إسلاموية معتدلة مندمجة في النظام السياسي.
المصطلح الثاني هو الفتنة، أي المجتمع المغربي مفتون جنسيا، وهذا المصطلح تستعمله جماعة العدل والإحسان التي تعتبر في منزلة بين المنزلتين لا هي داخل ولا هي خارج.
والثالث هو القول بالعودة إلى الجاهلية، أي أن المغرب في الحقل الجنسي يعرف التنكر المطلق للتعليمات الشرعية وهو مجتمع كافر، وهذا المصطلح أنتجته ما كان يوصف بالسلفية الجهادية.
وهذه المصطلحات تقود إلى أن الإسلام ليس مسؤولاً عن ما يقع في المغرب، وأن هذا الدين أعطى أجوبة نهائية لكل المسائل الجنسية وأن المغربي كمسلم يخون تلك التعليمات.
إذن المسؤول المتهم ليس هو الإسلام بالنظر إلى هذه المصطلحات الثلاث ومن يقف وراءها، بل المغاربة، وهذا ما أرفضه، لأن هذا القول يتأسس على نظرية اجتماعية تريد أن يكون المجتمع المغربي مجتمعا إسلاميا صافيا كاملا.
هذه المصطلحات تقود إلى أن الإسلام ليس مسؤولاً عن ما يقع في المغرب، وأن هذا الدين أعطى أجوبة نهائية لكل المساءل الجنسية
عالم الاجتماع ليس من مهامه تطوير نظرية اجتماعية، بل تطوير نظرية سوسيولوجيا، لأنه هناك فرق بينهما، الأولى اختيار وأيديولوجيا أم الثانية فهي علمية تحاول بناء مفاهيم تفهم وتفسر، لذلك بنيت منذ 2007 نظرية الانتقال الجنسي لفهم ما يقع جنسيا في المغرب.
*لديك إصدارات عديدة في هذا الحقل نود أن تطلع قراء "تيل كيل عربي" عليها.
نعم أشرت إلى النظرية التي أنتجت في كتب كثيرة من بينها "سوسيولوجيا الجنسانية العربية" وقبل هذا سبق وصدر مقال على صدر جريدة "الأحداث المغربية" عام 2007 وكان أول مرة نستعمل فيها مصطلح الانتقال الجنسي، وأعدت الإشارة إليه في حوار مع أسبوعية "المشعل"، في سنة 2015 أصدرت كتاب "الانتقال الجنسي في المغرب" ثم في 2017 أصدرت كتاباً بالفرنسية عنوانه "LA TRANSITION SEXUELLE AU MAROC"...
وأود التأكيد مرة أخرى على أنه لن تجد فيما أصدرته إشارة أو استعمالا لمصطلح أن المغاربة يعيشون نفاقاً اجتماعياً.
*طرحت استخدامك لهذا المصطلح لأنك وظفته بكثافة خلال حوار لك مع أسبوعية "المشعل" شهر مارس من العام 2008 وأنت تتحدث عن طريقة تعامل المغاربة مع عاملات الجنس.
ليس بنفاق، أن ما قصدته هنا هو أن المجتمع يحتاج إليهن وإلى خدماتهن ولكن في نفس الوقت يندد بهن. يمكن أن نصف هذا السلوك بالنفاق، لأن المجتمع المغربي يعرف أن هؤلاء النساء في حاجة إلى عمل ولا فرصة أمامهن غير امتهان الجنس، والكثير من المغاربة يشترون منهن الممارسة الجنسية ثم يقولون أن "هدشي حرام وخايب وما مزيانش..."
يمكن أن نسمي هذا السلوك نفاقاً، لكن بشكل أعم يجب أن نفهم كي نفسر التناقض بين الفعل الجنسي والقول الجنسي.
*في نظريتك تتحدث عن الانتقال الجنسي الذي يتميز بثلاث مراحل كبيرة. ما هي؟ وأين نجد المغرب والمغاربة داخلها؟
هناك ثلاث مراحل. الأولى تتميز بنوع من التطابق بين الفعل الجنسي والقول الجنسي، وكلاهما ديني: الفعل الحنسي فعل مشروع بشكل عام يتم داخل إطار الزواج والقول أو المعيار ديني، مع وجود سلوكات توصف بغير الشرعية لكنها كانت هامشية.
انطلاقا من بداية الستينيات إلى اليوم وقع طلاق بين الفعل الجنسي والمعيار الجنسي في المغرب، الأخير يستمر في دينيته ولا يزال إلى حد كبير معياراً دينياً إسلاميا، لا جنس خارج إطار الزواج ولا جنس لا غيري (كل جنس يجب أن يكون بالضرورة بين رجل وامرأة). لكن السلوكات اليومية ابتدعت عن هذا المعيار وتعلمنت إلى حد ما.
انطلاقا من بداية الستينيات إلى اليوم وقع طلاق بين الفعل الجنسي والمعيار الجنسي في المغرب
بدأنا نجد سلوكات عند المغاربة تخون معيار الدين الإسلامي، بل بدأ البعض ينهل من معايير أخرى جديدة حداثية وتتأسس على قيم حقوق الإنسان.
إذن في المغرب نحن اليوم في هذه المرحلة، وهناك مرحلة ثالثة كما ذكرت سابقاً لم نصلها بعد، لكن إرهاصاتها بدأت تظهر وهي أن السلوك الجنسي يعمق علمنته واستقلاله عن الدين، والمعيار الجنسي بنفسه يستقل عنه، ليصبح معلمنا، أي أن الدولة لا تفرض قوانين جنسية من أصل ديني، بل يكون القانون كله مدنيا علمانيا، وهذا لا ينفي أن المعيار الديني كاختيار شخصي فردي لا يجب أن يستمر، لكن الدولة لا تفرض معيار جنسي ديني.
بدأنا نجد سلوكات عند المغاربة تخون معيار الدين الإسلامي، بل بدأ البعض ينهل من معايير أخرى جديدة حداثية وتتأسس على قيم حقوق الإنسان
*الإسلام في موضوع الجنس حاء بخيارين تضمنتهما كل النصوص، وإن كانا يخصان الرجل فقط. نجد التعدد وملكات اليمين والحور العين في الجنة أي الترغيب حسب ما جاء به الإسلام، في المقابل نجد حد الزنا والرجم أو الجلد أي الترهيب. ومع ذلك كان هناك دائماً ما يمكن وصفه بالتمرد على هذه الازدواجية. كيف تفسر ذلك؟
ما طرحته يتعلق بالجنس في الإسلام كنص، وتقول إنه يتأرجح بين منطقي الترغيب والترهيب. أنا أتحفظ على هذا التقابل، بل هناك أشياء حلال وأخرى حرام.
طبعا ذكرت التعدد وما ملكت اليمين، وكل ما هو خارج هذين المباحين ممارسة تعد حراماً. وتستحق حداً أو تعزيراً. إذن الزواج أو ملك اليمين كإطارين شرعيين لممارسة الجنس، وخارج هذين الإطارين الشرعيين نتكلم عن الزنا، وهذا الأخير يقود إلى إقامة الحد.
وكما ذكرت في سؤالك، التعدد وملكات اليمين فيهما نوع من اللامساواة بين الرجل والمرأة، أي أن ملك اليمين والتعدد حق للرجال فقط.
*يعني يمكن أن نربط بين فشل اللامساواة في النظام الجنسي الإسلامي وفشله في ضبط سلوكات المنتمين إليه جنسياً.
المرأة يمكن لها في ذلك الوقت أن تشتري عبداً لكن حرام عليها ممارسة الجنس معه، وهذه اللامساواة أصلية في النص ولا تكافؤ ولا عدل بين المرأة والرجل، وما جاء في النص الإسلامي ليس جديداً بل يميز جميع المجتمعات الآبيسية، لكن الإسلام مثل ديانات أخرى أعطاه طابعاً قدسياً، كرسه، جعله خطاباً إلاهياً وهذا ما أعطاه قوة كبرى.
في الإسلام، هناك تشجيع على المتعة الجنسية لا بالنسبة للزوج أو الزوجة، وهذا يحسب للإسلام بالأساس كدين وليس للمسيحية مثلاً، بل المتعة بين الرجل والمرأة اعتبره الرسول صدقة، ومن حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا لم تحصل لها متعة جنسية، وهذه مسائل إجابية جدا دائما أذكر بها.
في الإسلام هناك تشجيع على المتعة الجنسية لا بالنسبة للزوج أو الزوجة، وهذا يحسب للإسلام بالأساس كدين وليس للمسيحية مثلاً
كيف يمكن أن نقول إن الجنس كان موضوع خيانة من طرف المسلمين؟ الجواب هناك حالتين. الأولى حالة الخيانة الزوجية سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل. أو في حالة المثلية الجنسية، وهذه تحد بالنسبة للرجل وتعزر بالنسبة للمرأة. لكن من هو معرض كثيراً للخيانة الزوجية، المرأة طبعاً، لأنها لا تتمتع بحق التعدد.
وأود أن نشير هنا إلى أنه في السابق كان للأعزب الحق في شراء جارية وممارسة الجنس معها، لكن المرأة أو الفتاة لا يحق لها لا قبل ولا أثناء ولا بعد الزواج، يعني أن المرأة معرضة أكثر للخيانة.
والمرأة هي المعرضة أكثر للمثلية الجنسية، لأنها كانت مقضية ومسيجة ومسجونة في عالم نساء إن صح التعبير، عكس الرجل الذي من حقه أن يخرج، وأقل شيء يمكن أن يقوم به ، هو ان يذها إلى عاملات الجنس، إذن المرأة هي ضحية النظام الجنسي الإسلامي.
وبسبب هذه النواقص لأجيب عن سؤالك بشكل مباشر، ما كان لهذا النظام أن ينجح، لأنه نظام غير عادل وغير مساو بين المرأة والرجل، والتفاوت في الحقوق والمراتب يؤدي إلى مجتمع غير متوازن، ما يقود إلى ما أسميه خيانة المعيار الجنسي الإسلامي.