يتحدث عبد الصمد الديالمي، عالم الاجتماع المعروف بأبحاثه حول الجنس في المغرب، في هذا الحوار عن كتابه الأخير الذي يعود فيه إلى علاقة الجنس بالمدينة والتطرف.
في كتابك الجديد "المدينة، الجنسانية، والأصولية الإسلامية"، الذي يستلهم بشكل كبير بحثا قديما أنجزته في التسعينيات، تشبه بناء المدينة العتيقة بالرحم. ألا ترى معي أن هذا الربط فيه كثير من لي العنق؟
لقد طورت نظرية حول علاقة الفضاء بالجنس، أميز فيها بين أربعة أنماط من العلاقات الجنسية: النمط الرمزي، النمط اللغوي، النمط الترابي، والنمط الوظيفي.
النمط الأول يقول إن الفضاء المبني له دلالة جنسية، ومن هذا المنظور أقيم مقارنة بين المدينة العتيقة والرحم. وأعتمد هنا على بنيتها الهيكلية؛ شكلها الذي يشبه المتاهة، والذي يجب أن ينظر إليه كآلية للدفاع مهمتها تضليل الآخر؛ وانغلاقها.
وبناء على هذه المنطق نفسه، أوضح أن الصومعة والأسوار التي تحيط بالمدينة يمكن مقارنتها بالقضيب (phallus). فصومعة المسجد التي تسخر في الأذان ترمز إلى الارتباط بين الإنسان والله، الوظيفة ذاتها يمكن إسقاطها على القضيب الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة. كما أن السور يرفع في سبيل حماية المدينة تماما مثلما يمكن أن يكون القضيب.
إن اعتبار القضيب رمزا للارتباط والحماية مقولة ماضوية إلم نقل رجعية.. أليس كذلك؟
كلا، لا أظن ذلك، لأننا هنا نتحدث عن الفضاء في علاقته مع الجنس، من منظور التحليل النفسي. إننا نعيش ونتحرك فكريا في إطار منظومة القضيب كرمز للسلطة. هذا لا يعني أن النساء لا يتوفرن على سلطة الحماية والارتباط. كل ما أود قوله بكل بساطة هو أن هذه السلطة محتكرة اليوم من طرف الرجال.
في فصل آخر، تربط بين الجنس وضيق السكن لتفسير التطرف. ألا ترى أن هذه النظرية تقوم على انطباعاتك أنت وليس على أي شيء آخر؟
بَيَّن عالم الاجتماع "ريموت ريخ" في كتابه "الجنسانية والصراع الطبقي"، أنه كلما نزلنا في التراتبية الاجتماعية، تشددت الأخلاق الجنسية وكانت الجنسانية غير مرضية. انطلاقا من هذا، فحينما نتحدث عن الأشخاص الذين يتكدسون في مساكن ضيقة كما هو الحال في المغرب، من الواضح أنه من الصعب التمتع بجنسانية سعيدة. في نظري، العنصر الجنسي يساهم في ظهور التطرف الديني. لا أقول إن التطرف يمكن اختزاله في الجنس فقط، ولكن هذا الأخير يلعب دورا لا يمكن إنكار أهميته.
عند تناولك لمختلف قضايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية المثارة في الإعلام، تقول إن العنف الجنسي ليس مقتصرا على المغرب، بل صار ظاهرة معولمة بسبب النيوليبرالية.. بالله عليك، ماذا تدخن أسي الديالمي؟
هذه الفرضية جدية. أعتقد أن التيار النيوليبرالي يرسي قواعد عالم متوحش، يرسي قانون الأقوى. في هذا العالم، النساء هن الحلقة الأضعف، إذ يتم دفعهن إلى هشاشة خطيرة، وهذا ما يجعلهن عرضة للعنف. وسأجرؤ على القول إن الأصولية الإسلامية والنيوليبرالية تتكاملان في المجتمعات العربية الإسلامية وتتحدان لمهاجمة المرأة بشكل أقوى. وهذا أمر واضح، فالإسلاميون الذين وصلوا إلى السلطة في كل مكان لا ينزعجون من النيوليبرالية، فهم يجدون فيها ضالتهم.
من المهم اليوم أن نناضل ضد هذه الهيمنة الإيديولوجية والاقتصادية إن كنا نأمل العيش في عالم تسود فيه المساواة(...)
أنت مناضل شرس من أجل إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يعاقب العلاقات الجنسية خارج الزواج. هل تعتقد حقا أن تغييرا قانونيا سيغير العقليات؟
أنا مقتنع بأن الجنس الحر(l’amour libre) وسيلة للإنقاذ من براثن عدة علل. لهذا كنت من بين الداعين الأوائل إلى إلغاء هذا القانون القمعي. وهذه القضية اليوم معلقة لأن السلطة تجد نفسها بين نارين. فهناك من جهة رغبة في تحديث البلاد، ومن جهة أخرى، نجد ثقل التقاليد والدين. والحال أنه لا يمكن التوفيق بين هذين الموقفين، وهذا الوضع ليس في صالح أي أحد في نهاية المطاف.
في الواقع نعيش في خضم انتقال جنسي تظل فيه المعايير دينية بينما الممارسات الجنسية تجنح إلى الدنياوية أكثر فأكثر. المرحلة المقبلة تتجلى في العمل على الوصول إلى تواؤم بين المعايير والممارسات. هذا سيتحقق يوما، وبالتالي فالنضال سيستمر
النضال يستمر في الصالونات المخملية وفي وسائل الإعلام. أي في نطاق ضيق، أليس كذلك؟
طبعا لا ! منذ بضعة أسابيع، وجد عدد من أعضاء العدالة والتنمية أنفسهم وسط جدل مرتبط بحياتهم الشخصية. هناك مثلا محمد يتيم وخطيبته، ومؤخرا أمينة ماء العينين والصور التي لا ترتدي فيها الحجاب. لاحظت أن هؤلاء الأشخاص ومن يدعمونهم يلوحون بمبدأ الحريات الفردية كوسيلة للدفاع. يمكن أن نعتبر هذا الدفاع مجرد موقف انتهازي، ولكن يظل هذا مؤشرا طيبا. إذ نلمس تغييرا في المعايير، وهذا يعني أننا نتقدم بخطوات صغيرة. لقد انطلق المسار، وأنا واثق في أنه سيبلغ مآله.
بتصرف عن "تيل كيل"