قال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، بمناسبة الندوة الدولية المنظمة بشراكة مع منظمة اليونسكو في موضوع :"دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية"، اليوم الثلاثاء، إنه "تعلمون أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، قد أولت حرية الرأي والتعبير مكانة متميزة بين الحقوق والحريات الأساسية المخولة للأفراد والجماعات داخل المجتمعات".
وأضاف عبد النباوي في كلمته في الندوة، أن "المملكة المغربية، قد عملت على دسترة هذه الحريات. حيث نص الفصل 19 من الدستور على تمتع الرجال والنساء على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وقد نص الفصل 25 من الدستور على كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها. وعلى ضمان حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني، كما نص الفصل 28 على ضمان حرية الصحافة، وعدم جواز تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. وأقر للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة".
وتابع: "لم يكتف القانون الأساسي للمملكة بإقرار هذه الحريات وضمانها، وإنما أوكل للسلطات العمومية دعمها بالوسائل الملائمة والسعي لتطويرها وتنظيمها بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديموقراطية ومهنية وأخلاقية. وأتاح للمواطنين الحق في الحصول على المعلومة الذي لا يَحُدُّ منه سوى ما ينُصّ عليه القانون لحماية الأمن العام والحياة الخَاصة للأفراد وحقوقهم وحرياتَهم المنصُوص عليها في الدستور. (الفصلان 26 و27 من الدستور)".
ولفت إلى أنه "إذا كانت حرية الصحافة لم تَعُدْ مَحَلَّ جِدال في المجتمع اليوم. بل إنها تُعَدُّ أهم صور حرية التعبير ومؤشرها الأساسي، ويتم تصنيفها كسلطة رابعة، فإن النقاش المجتمعي والقانوني والحقوقي ينصرف إلى تحقيق الملاءمة بين حرية الصحافة والرأي والتعبير من جهة، وبين الحقوق الأساسية المخولة للأفراد وللمجتمع بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدساتير المتقدمة، ومن بينها دستور المملكة من جهة أخرى".
وأكد أنه "إذا كان من حق الأفراد أن يعبروا عن آرائهم بحرية وبمختلف أشكال التعبير الشفوية أو الكتابية أو غيرها، فإن هذا الحق مقيد بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بواجبات ومسؤوليات خاصة يضعها القانون متى كانت ضرورية لحماية حقوق أو سمعة الأشخاص الآخرين، أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامين. ولذلك فإن الدستور المغربي الذي أقر حرية الرأي والتعبير والصحافة قد أوكل للقانون تنظيمها".
وشدد على أنه "إذا كانت حرية الصحافة قد أقرها الدستور ومنع كل مراقبة قبلية على مضمونها، فإن تنظيم ممارستها بواسطة القانون يستهدف حماية حقوق وحريات الأفراد. والنظام العام بتجلياته الثلاث المتعلقة بالأمن العام والأخلاق العامة والصحة العامة، وهكذا فقد حدد القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر مدلول "الصحافة" في كونها مهنة جمع الأخبار والمعلومات أو الوقائع. ثم التحري أو الاستقصاء عنْها بطريقة مهنية، من أجل كتابة أو إنجاز مادة إعلامية كيفما كانت وسيلتها والدعامة المستعملة لنشرها (المادة 2)".
وأبرز المتحدث ذاته، أنه "يُستخلص من هذا التعريف أن مهنة الصحافة هي نشر الأخبار بعد التحري عن صحتها بطريقة مهنية. وزيادة في التأكيد على ذلك، عهد القانون لمدير النشر تحت مسؤوليته الشخصية، بالتحقق من صحة الأخبار والتعاليق أو الصور وغيرها قبل نشرها (المادة 17). وبذلك فالصحافة تعتبر مهنة نبيلة، باعتمادها في نقل الأخبار ونشرها على تحريات وصفها القانون بالمهنية، أي بالجدية والاحترافية، التي تتلافى نشر الإشاعات والأخبار غير المحققة. ومن تَمَّ قيل أن الخبرَ مقدّسٌ والتعليقَ حرٌّ، ولذلك فإن القانون يعاقب على القذف والتشهير والسب، ونشر النبأ الزائف إذا أضر بالنظام العام. لأن مهنة الصحافة ليست هي الإساءة لأعراض الناس والتشهير بهم، ولا اختلاق الأخبار ونشر الإشاعات".
وأشار إلى أن "كون الصحافة هي مهنة جمع الأخبار، فإنها تؤهل الصحافي للحصول على الأخبار والمعلومات من مصدرها، إلاَّ ما استثناه القانون من معلومات وأسرار. ولذلك فقد نص الدستور على الحق في الحصول على المعلومة. فالصحافة إذاً، مهنة الشرف، وبهذا استحقت أن تحمل لقب السلطة الرابعة في العرف المجتمعي. ولذلك فالصِّحافي مطوّق بالتزامات قانونية والتزامات أخلاقية، تجعل حريتَه رقيباً عليه، والمسؤوليةَ مناطاً لمهنته. كما أكد ذلك الملك محمد السادس في الرسالة الموجهة لأسرة الصحافة والإعلام بتاريخ 15 نونبر 2002، حيث قال: " ... الحريةُ والمسؤوليةُ هما عماد مهنة الصِّحافة ومنبعُ شرفها ... وأنه لا سبيل لنهوض وتطور صِحافة جيدة دون ممارسةٍ لحرية التعبير ... شريطةَ أن تمارس الحرية في نطاق المسؤولية"".
وأورد عبد النباوي أنه "لئن كانت الصِّحافة تؤدي دورها داخل المجتمع، في نقل الأخبار الصحيحة والكشف عن التصرفات الضارة، والإعلان عن المبادرات الحسنة. كما تشكل سيفاً مسلطاً على المخالفين للقانون بواسطة تحرياتها وتحليلاتها وتعاليقها. فإن القضاء يقوم بدور المحافِظ على التوازن بين الحقوق والواجبات. وهو مدعو لحماية الصِّحافة والمحافظة على حريتها، وعلى حقها في الوصول إلى مصادر الخبر وفي حماية مصادره المشروعة. ولكنه يقوم كذلك بحمايةِ حقوقِ الأشخاص وأعراضِهم من بعض التجاوزات التي تتم عن طريق الصِّحافة. وكذلك حماية الأمن والنظام العام من بعض الممارسات الصِّحافية التي تُحرِّض على الجرائم أو تُشِيد بها، أو تدعو إلى التمييز والعنصرية، أو تَمَسُّ بالأخلاق العامة، وغيرها من المواضيع التي اعتبرها القانون جرائم".
وأفاد أنه "إذا كان نجاح الصِّحافة في مهامها يُقاس على أساس صحة الأخبار التي تنشرها، وعلى أساس السَّبْق الصِّحافي في تناول ذلك الخبر. فإن تفوق القضاء في مهامه يقاس على أساس نجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصِّحافيين وحقوق الأغيار الذين يُكوِّنُونَ مادةً صِحافية، وعلى أساس الفعالية والنجاعة في رد الفعل القضائي".
ونبه إلى أنه "لئن كان يبدو أن مهنةَ القضاء ومهنةَ الصِّحافة متعارضتين، فإن الحقيقة غير ذلك، لأنهما متكاملتان في حماية المجتمع والنظام العام. ولا تسمح إحداهما للأخرى بالتجاوز. وكل واحدةٍ ترصُد سير الأخرى وتمنعه من الزلل والسقوط، فالقاضي – بمقتضى الفصل 117 من الدستور – مؤتَمَنٌ على حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي. كما أن الصِّحافي عَيْنُ المجتمع على الأحداث، يبحث عنها ويتحرى بشأنها ويوثقها وينشرها للعلن، كما أن كلا المهنتين تكُون مادةً لأداء الأخرى. فالصِّحافة تتابِعُ أبحاث وأحكام القضاء وتنْقُلها للناس، لتكون لهم أخباراً ذات عِبَر. والقضاءُ يَلتقط بعض الوقائع التي تنشرها الصِّحافة لفتح أبحاث وتحقيقات، قد تنتج عنها محاكماتٍ، تُصبح بدورها مادةً خبَرِية وأحاديثَ ذاتِ عِبَر لمن يعتبر".
وشدد على أن "تعرُّف القضاة على مهام الصِّحافيين، مُفيد لهم في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالصِّحافة. كما أن تعرُّف الصِّحافيين على المهام القضائية مُفيد للإعلاميين في تحليل الإجراءات القضائية والتعليق على الأحكام. ومن هذا الموقف يرحب المجلس بكل المبادرات الجادة للدراسة والتكوين في هذا المجال بالنسبة للقضاة وللصِّحافيين على السواء. وفي هذا السياق تأتي هذه الندوة اليوم والتي نعقدها بشراكة مع اليونسكو، لتنضاف للعديد من الندوات واللقاءات التي تمت سابقاً في هذا المجال، ولتكون حلقة وصلٍ لمتابعةِ هذا المسار الذي انقطع جراء انتشار جائحة كوفيد".