رحلت مارية لطيفي، في الساعات الأولى من يومه الأربعاء، وفي نفسها غصة، لا تتعلق بالمرض الذي لم تستطع قهره، لأن ذلك قدرٌ تعايشت معه، ولكنه يتعلق بالقناة الثقافية التي فكّرت فيها قبل أن تديرها إلى أن أُحيلت على التقاعد، ولم تستطع أن تجد لها موطيء قدم في نسب المشاهدة، على الأقل، بين قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ولو أن من عملوا معها يؤكدون أنها "لم تكن تتأثر بما يُقال، حيث تشتغل فقط".
"الأخت الكبرى"
"تلك المرأة ليست لها مثيل، حيث كانت تتعامل مع الناس كأخت كبرى، أو عنصر من العائلة، ولا أقول هذا لأنني كنت أعرفها، ولكن هذه هي معاملتها أيضا مع من لا تعرف. فالصحافي الذي يدخل لأول مرة تتعاون معه، تنصحه، وتقدم له الناس وكأنها مرشدة له، أو أخت كبرى وأؤكد على ذلك مرة أخرى"، هكذا تحدثت لـ"تيل كيل عربي"، عن الراحلة لطيفي، وببالغ التأثر، رفيقتُها في بداية مشوارها الإعلامي في القناة الثانية وصديقتها الحميمة إلى أن فارقت الحياة، سميرة سيطايل، نائبة المدير العام لـ"دوزيم".
"جزء من الوعي الثقافي"
عتيق بن الشيگر، من الجيل المؤسس للقناة الثانية والذي عرف ماريا لطيفي وهي تعد برامج ثقافية في قناة عين السبع، اعتبر الراحلة "جزءا من مسار القناة". وقال، في اتصال مع "تيل كيل عربي"، "إنها جزء من الوعي الثقافي المرحلي" الذي طبع تلك الفترة، من خلال "بلورة تفكير ذي دلالات حداثية ودلالات ثقافية عميقة ببعد كوني بلغة موليير ونبض قلب مغربي حر". وأضاف أن "الحس التربوي كان يسكنها وجاءت بشحنة قوية صبّتها بشكل سلس"، وذكّر بتقديها لبرنامجي "نظرات" و"نماذج".
ووصف بن الشيگر الراحلة بأنها "ثمرة تسقط، ليس في خريف عمر القناة، ولكن في خريف عمر الجيل المؤسس للقناة. هي ضربة مؤلمة فالمرأة كانت نقطة مضيئة في الإعلام الرصين وهي من طينة نادرة". ولام المسؤولين "القائمين على الإعلام الذين لم يعرفوا كيفية استغلال هذه السيدة لتترك لنا تلامذة، نلمس فيهم شيئا من ماريا"، على حد تعبيره. ولم يغفل المتحدث التطرق إلى شخصيتها التي طبعتها "الرجولة" في رفض الظلم والوقوف في وجهه.
"قوية جدا"
مصدر عمل إلى جانبها طيلة فترة إشرافها على القناة الرابعة إلى إحالتها على التقاعد يوم 6 نونبر 2017، بعد بلوغها سن الخامسة والستين، على اعتبار أنها "أستاذة جامعية"، في إطارها الإداري الأصلي، أكد قوة شخصية الراحلة. المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال إن الراحلة كانت متفانية في عملها ومكتبها كان مفتوحا على الدوام، ولم تكن تستفيد حتى من عطلها السنوية. وزاد أنها ظلت تتردد على القناة ومكتبها إلى آخر يوم من عملها، وكانت دائمة الحضور حتى في نهاية الأسبوع، إن اقتضى الأمر، وتحضر إلى المقر حتى قبل فريقها وتتابع "الشاذة والفاذة" في قناتها التي شاركت في تصور إعدادها ضمن اللجنة التحضيرية، قبل أن تصبح مديرة لها وتنطلق القناة فعليا يوم 28 فبراير 2005.
"كانت قوية جدا"، بهذه الجملة لخّص المصدر تعاملها حتى مع عدم تجاوز قناتها لنسبة مشاهدة متدنية، بحيث "لم تكن تتأثر بما يُقال وتشتغل فقط".
"مسؤولة عن عائلة"
معاملة نموذجية تتوقف عندها سيطايل، ليس فقط، بالنسبة إلى زملائها الإعلاميين، بل أساسا بالنسبة إلى أسرتها الصغيرة. "كانت تتكلف بعائلتها كاملة، وهي عائلة، تبارك الله، كبيرة من إخوة وأخوات وأبناء الإخوة والأخوات، فضلا عن والدتها قبل وفاتها يرحمها الله. كانت ماريا تتكلف بهم أجمعين من حيث النصائح والتأطير والمال أيضا وكل شيء"، تقول سيطايل.
بر لطيفي بوالدتها إلى أن وافتها المنية توقف عنده أيضا بن الشيگر، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، لكن سيطايل تشدد على أنها "تفعل كل هذا وأكثر من الآخرين"، و"أنها امرأة نذرت نفسها لحماية أسرتها، وهي نموذج المرأة العربية المغربية المسؤولة عن بيت".
واستدركت سيطايل بأن الراحلة "لم يكن لها أبناء ولديها أبناء، ولم يكن لها زوج ولديها زوج، وزوجها وأبناؤها هم أفراد عائلتها، وخارج العائلة إذا استطاعت أن تساعد أحدا فهي تساعده". وأكدت أنها كانت معطاءة كثيرا مع عائلتها ومع الصحافيين.
وشددت سيطايل على أن "ما لايقال عنها كثيرا هو أنها خبيرة في المغرب في المجال التربوي واللساني والسيمائي... ولكن مع انتقالها إلى التلفزيون كصحافية قبل الانتقال إلى القناة الرابعة لم يتم الاهتمام كثيرا بهذا الجانب في شخصيتها.
"الحنّا والطُّلبة"
تتذكر سيطايل آخر مرة زارتها في بيتها بأگدال بالعاصمة الرباط، قبل حوالي شهر ونصف، لأنها كانت تسافر في هذه الفترة كثيرا من أجل العمل. و"عندما كانت مريضة كنت أزورها بين الفينة والأخرى لأنها تقيم قريبا من بيتي. وفي آخر مرة التقيتها بْغات تدّير الحنّا وتدّير الطُّلبة"، تقول سيطايل، الاتي أضافت أنها حققت لها مع صديقاتها ما أرادت (حيث التُقطت لها الصورة).
وقالت سيطايل إن الراحلة "كانت تحاول أن تخفي معاناتها مع المرض والله يرحمها ويوسّع عليها"...