رغم عدم سعي مولاي مسعول أكوزال وراء الأضواء، إلا أن كثيرين تناقلوا خبر موته، وعادوا لقراءة مسار رجل قصير القامة، تمكن من أن يصنع لنفسه هامة عظيمة في عالم المال والأعمال، بوأته أن يكون رابع رجل غني في عقد السبعينات، وأحد الرجال القلائل الذين زاوجوا بين النضال والاستثمار.
من يكون مولاي مسعود أكوزال، الذي بنى إمبراطورية تجارية وصناعية فريدة من نوعها، بدأها ببيع الزيت في عربة مجرورة ليصبح أول مصدر لزيت الزيتون إلى أوروبا، ثم صاحب "هولدينغ" متعدد النشاطات.
سليل عائلة صوفية
ولد مولاي مسعود أكوزال في قلب سوس، وتحديدا بقبيلة إداوكنديف قرب مدينة تافراوت، سنة 1930 وهو سليل عائلة العالم الصوفي مولاي مسعود الكنضيفي.
درس مولاي مسعود في الكتاب كباقي المغاربة، وكان الذكر الثاني، في عائلة تضم شقيقه الأكبر "احماد"، إضافة إلى ثلاث أخوات. وعاش طفولة استئانية مقارنة مع بني جيله في تلك الحقبة، إذ أهدى له والده البقال والتاجر في مكناس، أول دراجة هوائية وهو في سن السادسة.
يحكي مولاي مسعود أكوزال في كتابه "مولاي مسعود أكوزال.. رجل من أعلام الجهادين"، الذي أعده الصحافي محمد نبرز، كيف ساهمت وفاة والده المبكرة في تكوين شخصيته العصامية.
بالرغم من أن والده ترك إرثا ماديا محترما للأسرة، مجسدا في مجموعة محلات بقالة في مكناس، إضافة إلى شراكات له مع تجار آخرين، لم يرد الطفل الصغير أن يعيش في رغد ما تركه الوالد، وأصر على أن يمتلك مشاريعه الخاصة به.
في سن الثانية عشر سيصحبه أخواله إلى مدينة مكناس، إذ بدأ ببيع زيت الزيتون في عربة مجرورة يطوف بها أحياء العاصمة الإسماعيلية، وكباقي أبناء سوس المهاجرين صوب المدن، لم يكن هم الصغير هو سد رمق عيشه، بل تحقيق أحلام النجاح التجاري.
في مكناس، بدأت شهرة الفتى في الانتشار، ليقرر خوض تجربة تأسيس شركة خاصة بزيت الزيتون، أطلق عليها اسم "زيوت مكناس"، ففي ظرف 8 سنوات، تمكن هذا السوسي الصغير القامة من تأسيس أول شركة مغربية متخصصة في تجميع وتصدير زيت الزيتون مع حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، غير أن الانطلاقة نحو العالمية ستكون في سنة 1961.
هدية لياسر عرفات
يكشف مولاي مسعود في كتابه، أن انضمامه إلى حزب الاستقلال وانخراطه في العمل السياسي، وجعله في الواجهة كأحد رجالات اقتصاد مغرب الاستقلال، لدرجة أن الدولة ستعتمد عليه في أمور كثيرة، أبرزها التحضير للمسيرة الخضراء.
يحكي المقربون له أن الرجل كان سخيا في دعم الثورة الجزائرية، كما أن أصوله الأمازيغية لم تمنعه من التضامن مع الكفاح المسلح للفلسطينيين، إذ أنه أهدى سترة جلدية للراحل ياسر عرفات، كان هذا الأخير يرتديها كلما حل بالمغرب، وهي سترة صنعت في مصانع الجلد التي امتلكها مولاي مسعود سنة 1973، بعد أن اقتنى إحدى الوحدات الصناعية في أول مخطط لتأميم مصانع فرنسية.
في التحضير للمسيرة الخضراء، ساهمت شركات مولاي مسعود بشكل كبير في هذا الحدث؛ إذ وفر أزيد من 20 حافلة لنقل المشاركين في مسيرة سلمية لاسترجاع أقاليم الصحراء، كما تكفل بتوفير 352 طنا من التمور، نقلها من الريصاني صوب طرفاية، لتكون خير زاد للمشاركين.
لم يقف دعم مولاي مسعود للمسيرة الخضراء عند باب توفير الدعم اللوجستيكي، بل بادر إلى أن يكون أول رجل أعمال يستثمر في مطاحن الدقيق في كلميم، ثم إنشاء مصنع لتصبير الأسماك في العيون، وأطلق "الشركة المغربية للتنمية في الصحراء" سنة 1976، وذلك بغلاف مالي ناهز 50 مليون درهم.
ما يميز سيرة هذا المقاول، هو أنه منذ أن انطلق في عالم المال والأعمال، لم يتوقف، ولو سنة واحدة، عن إطلاق مشاريع أخرى. لم يكتف بالعيش على مجد نجاحاته الأولى، بل كان يصر دوما على خوض تحديات جديدة؛ إذ منذ مطلع الثمانينات، لم يكف الرجل عن تأسيس شركات تعدت قطاع الفلاحة وزراعة اشجار الزيتون وإنتاج وتصدير زيتها إلى كل القارات.
ففي سنة 1982 سيقتني شركتي "شيميولابو" و"شيميكلور" الرائدتين في الصناعة الكيماوية وإنتاج الطلاء، وفي سنة 1986 سيؤسس شركة ثانية في تصبير السمك، وفي سنة 1991 سيستثمر في خطوط نقل الفوسفاط.
في سنة 1995، سيبلغ رقم معاملات شركته المتخصصة في تصدير زيت الزيتون إلى 400 مليون درهم، وهو ما دفعه إلى ضخ المزيد من الأموال في استثمارات جديدة، لعل ما ميزها وميزه معها، هو أنه كان أحد رجال الأعمال القلائل الذين لا يحتاجون إلى قروض بنكية من أجل فتح مشاريع جديدة؛ إذ أن أغلب فروع شركاته رأت النور بفضل رساميله الخاصة.