أجرى موقع "تيل كيل عربي" حوارا مطولا مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفة الرميد، تطرق فيه إلى مجمل القضايا ذات الطابع الحقوقي التي تشغل الرأي العام: التعذيب، العلاقات الرضائية، المثلية، الأقليات المسيحية والشيعية، الإعدام، إثبات النسب، تأنيث العدول، كما توقف طويلا عند كواليس تشكيل حكومة العثماني ، وعلاقته بالقصر وبنكيران. ننشره في ثلاثة أجزاء
أعلنتم عن ميلاد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، والتي تضمنت عددا من المقتضيات الجديدة لحماية حقوق وحريات المواطنين، هل الدولة قادرة على تنزيل ما جاء في هذه الخطة؟
أولا هذه الخطة لم تضعها هيئة بعيدة عن الدولة، هي خطة من إنجاز مكونات الدولة، سواء تعلق الأمر بالقطاعات الحكومية، أو الهيئات الوطنية كالمجلس الوطني لحقوق الانسان أو هيأة محاربة الرشوة، أو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك المجتمع المدني الذي يظل دائما تواقا وطموحا لما ينبغي أن يكون، وكذلك فيها كثير من واقعية السلطات العمومية التي تشتغل على ما هو ممكن. وما دامت الحكومة قد اعتمدت هذه الخطة فليس لها من عذر في عدم تنزيلها، لكن ينبغي أن نكون واقعيين هذه الخطة تتضمن الكثير من الأهداف والتدابير الطموحة المرتفعة السقف، لذلك أتصور أن هناك تدابير ستنجز، وهناك تدابير لا يمكن إنجازها في أربع سنوات، لكن المطلوب أن يتم تفعيل إنجازها خلال هذه الفترة، على أن يستكمل هذا الإنجاز في أجل معقول، فحينما يتعلق الأمر مثلا بمواصلة ملائمة الإطار القانوني المتعلق بالحريات وتأسيس الجمعيات مع المعايير الدولية، فهذا ينبغي أن ينجز خلال هذه المرحلة، ونفس الشيء ينطبق على تبسيط مساطر التصريح بالتجمعات العمومية، وتيسير حريات الاجتماع والتجمهر، لكن حينما يتعلق الأمر بمقتضيات تهم البيئة من قبيل "تطوير تدبير المجال الغابوي بالشكل الذي يوفر حماية شاملة للمحميات وحقوق السكان، ونشاطهم الزراعي والفلاحي"، فهذا تدبير ممتد في الزمن، ونفس الأمر ينطبق على المخطط الوطني لتطهير السائل في العالم القروي، الذي يجب أن يبدأ اليوم، لكنه ممتد في الزمن.
الخطة تضمنت عددا من المقتضيات الجديدة التي تروم تعزيز الحكامة الأمنية من قبيل التنصيص على تصوير فض التجمعات العمومية، وتوثيق تصريحات المستجوبين من طرف الشرطة القضائية ووضعها رهن إشارة القضاء، هل تتوقع أن تتفاعل وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ايجابا مع هذه المقتضيات؟
ماذا لو قلت أن هذه المقتضيات طرحناها على الجهات الأمنية ووافقت عليها، ووافق عليها السيد وزير الداخلية، ونعتبر أن هذه الالتزامات من الواجب أن تتجسد في سياسات عمومية، وفي تدابير تنجز على الأرض وداخل المرحلة المقبلة التي لا يمكن أبدا أن تتجاوز بضع سنوات داخل مرحلة الخطة التي هي أربع سنوات، فهاته تدابير مقدور عليها، وسيتضمن بعضها قانون المسطرة الجنائية، والبعض الآخر ستعمل السلطات على تجسيده في الواقع، وتصبح آلية لحماية أمن المغاربة، ولكي تصبح من وسائل تدبير الحكامة الأمنية الجيدة.
الخطة لم تحسم في عدد من القضايا، وتركتها للحوار العمومي من قبيل عقوبة الاعدام، ما الذي يجعلكم تؤجلون الحسم في هذا الموضوع، وهل ستفتحون حوارا مجتمعيا بشأنه؟
أكيد سوف نرعى حوارا مجتمعيا مسؤولا حول القضايا الخلافية، والأكيد أننا سنعمل على إشراك كافة الفاعلين المعنيين في هذا الحوار، ومن المؤكد أننا سنستأنس بنتائج هذا الحوار. ما أؤكد لك أننا أردنا أن ننقذ هذه الخطة من التيه الذي كانت قد دخلته حينما كانت تتضمن بنودا ليست من صميم البرنامج الحكومي لحكومة الأخ عبد الإله بنكيران، لذلك قلنا إذا أبقي على هذه التدابير ضمن مشمولات الخطة، فإن ذلك سيعرقل اعتماد الخطة بأكملها، واعتبرنا أن الواقعية السياسية والحكامة الجيدة تقتضي أن لا يتم الإبقاء على مجموعة من القضايا الإشكالية التي لا تتجاوز خمس أو ست قضايا ضمن خطة تتجاوز تدابيرها 400 تدبير، وتظل معرقلة لها، لذلك اتفقنا مع مكونات المجتمع المدني والفاعلين المهتمين على أن يتم إدراجها ضمن القضايا التي سيشملها الحوار، وهذا الموضوع اتفقنا عليه مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا. لم يكن هذا تدبيرا فرديا، بل تدبيرا حكيما يرجع فيه الفضل للجميع.
هناك مقترح قانون في مجلس النواب الآن حول الغاء عقوبة الإعدام، هل ستتفاعلون ايجابا معه؟
المقترح لم يكن فقط اليوم، كانت هناك مقترحات سابقة، بل هناك ائتلاف برلماني مساند لإسقاط عقوبة الإعدام، لكنه سقط في أول امتحان، حينما عرض عليه قانون المحكمة العسكرية، حيث تراجع عن مواقفه، وتمت المصادقة بالإجماع على هذا القانون، الذي يتضمن ست جرائم يعاقب عليها بالإعدام، إذن فأن تكون هناك جهة معينة تتقدم بمقترح قانون، وهذه الجهة تمثل أقلية الأقلية، فهذا شيء ليس لنا عليه تعليق، ولكن المهم هو أن تتبنى الأغلبية هذا المقترح، والأغلبية لم تتقدم بأي مقترح في هذا الشأن لا في البرنامج الحكومي، ولا في مبادراتها التشريعية، لذلك فنحن جزء من الأغلبية، ولا نتحدث إلا على ما هو متفق عليه في الأغلبية.
هناك سؤال يظل مطروحا دائما، لماذا يتشبث المغرب بهذه العقوبة التي لم تعد تنفذ منذ سنة 1993، أي قضية "الكوميسير تابت" ؟
هناك سؤال في المقابل، لماذا أصدقاؤنا الذين يدافعون على إلغاء عقوبة الإعدام يجعلون منها مشكلة، والحال أنها لا تنفذ، هذا السؤال يمكن طرحه في الاتجاهين، ليست هناك مشكلة تسمى مشكلة عقوبة الإعدام طالما أنها لم تنفذ، إذن فلماذا المطالبة بإلغائها؟
أنصار هذا الطرح يرون أن التطور الحقوقي، وملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية يقتضي الغاء هذه العقوبة؟
لم نصادق على أية اتفاقية تلزمنا بإلغاء عقوبة الإعدام، أما على الصعيد الدولي فأمريكا لازالت تطبق عقوبة الإعدام، ونفس الشيء ينطبق على اليابان، فهل يلامون على الإبقاء على عقوبة الإعدام، وهل ذلك يطعن في ديمقراطيتهم. نحن نستشعر أن الغالبية في المجتمع، والمزاج العام في المجتمع لا يذهب في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، وأنا سأقول لك إذا كان عندك شخص وذهب إلى تجمع يضم أزيد من 200 شخص، أو ذهب إلى مدرسة أطفال وقام بتفجيرها، وقضى على أرواح العشرات، إن لم نقل المئات، في نظرك ما هي العقوبة التي يستحقها، بعدما ثبت عليه الفعل الجرمي بالدليل بعد محاكمة عادلة؟
ما هي في رأيك؟
هي عقوبة الاعدام بكل بساطة
إذن أنت ترى أن هناك جرائم يجب أن يعاقب عليها بالإعدام؟
موقفي دافعت عنه منذ مدة، وهو الحد من عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، وقد دافعت على ذلك أثناء مناقشة مشروع قانون المحكمة العسكرية، وقد تم تخفيض عدد هاته الجرائم من 16 جريمة إلى ست جرائم، وهذا تقدم ملموس وجيد ورائع، أيضا في مشروع القانون الجنائي الذي سهرت على وضعه، انتقلنا من 36 جريمة يعاقب عليها بعقوبة الإعدام إلى 12 جريمة، إذن أنا مع تقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ولست مع الإلغاء، ومع توفير جميع ضمانات المحاكمات العادلة، ودرء الحدود بالشبهات، ولكنني لست أبدا مع الإلغاء.
لازالت قضية التعذيب تثير جدلا في المغرب ما هي الضمانات التي تحول دون استمرار هذه الممارسة؟
صحيح أن قضية التعذيب أثارت جدلا، وستظل تثيره مادام أن مستوى التربية، وخصوصا لدى القائمين على إنفاذ القانون، لم تتطور إلى المستوى المطلوب الذي يجعلنا نطمئن أن المعنيين أصبحوا يمارسون مهامهم بطريقة منضبطة للقانون.
والمؤكد ولله الحمد أن المغرب لم يعد فيه التعذيب ممنهجا، لكن التعذيب الذي يكون نتيجة تفاعلات نفسية، أو نزعات خاصة لازال موجودا، وينبغي التصدي له، ومن جملة آليات التصدي أنه حينما يمثل أي شخص سواء كان في الحراسة النظرية أو أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق ويدعي تعرضه للتعذيب ينبغي أوتوماتيكيا إجراء الخبرة الطبية عليه التي تقطع الشك باليقين، وهذا أصبح مقننا، وينبغي الذهاب فيه إلى أبعد حد، وقد تم النص في مشروع قانون المسطرة الجنائية أنه حينما لا يقوم ممثل النيابة العامة، أو قاضي التحقيق بالاستجابة لهذا الطلب يصبح المحضر الذي ادعى صاحبه إنجازه تحت التعذيب لا يعتد به.
إضافة إلى التعذيب المنصوص عليه في القانون الجنائي هناك سوء المعاملة، عدد من المعتقلين يزعمون تعرضهم لسوء المعاملة؟
سوء المعاملة أيضا من مشمولات المنع الذي اعتمده القانون الجنائي في تعريف التعذيب، لذلك فهو مرفوض أيضا، ومرفوض تماما.
رغم تأكيدكم على آلية اجراء الخبرة لتأكيد أو نفي مزاعم التعذيب، إلا أن عدد من المعتقلين، خاصة معتقلي حراك الريف يشككون في الخبرة، وفي جدية التحقيقات التي يتم فتحها في هذا الشأن، قضية التحقيق في تصوير المعتقل ناصر الزفزافي شبه عاري نموذجا، التي فتح فيها تحقيق، ولم تعلن نتائجه؟
سيدي ما هو معروض على القضاء فهو معروض على القضاء، إذا كنا كحقوقيين نطالب باستقلال السلطة القضائية، ها قد تم ضمان ذلك دستوريا وقانونيا، ينبغي على القضاة أن يمارسوا استقلاليتهم التي يضمنها الدستور، وأعتقد أن هذا شأن عموم القضاة، وإذا وجد قضاة لا يمارسون مهامهم باستقلالية فذلك مخالفة صريحة منهم لمنطوق الدستور، ولذلك أنا لا يمكنني أن أتهم أحدا، أنا أتحدث بصفة عامة، وأقول أنها ما هو معروض على القضاء يبقى معروضا على القضاء.
بصفة عامة، هل من المنطقي أن تباشر الفرقة للشرطة القضائية التحقيق في واقعة فيديو ناصر الزفزافي، رغم أن البعض اتهامها بالضلوع في هذه القضية؟
السؤال الآن، هو هل تريدني أن اتخذ موقفا في موضوع معروض على القضاء، لا يمكنني الجواب على سؤال هل الفرقة الوطنية هي التي ارتكبت ما يمكن أن ينسب لها في هذا الباب، أم هي جهة أخرى، في أي سياق، ولأي هدف. مرة أخرى هذه الأمور معروضة على القضاء، وإذا تحدثت عنها، فلا شك أنني سأكون مخطئا.
ااقرأ أيضا : الجزء الأول : كواليس نشكيل حكومة العثماني
اقرأ أيضا: الجزء الثاني: المثلية الجنسية ليست من حقوق الإنسان