التقى "تيلكيل – عربي"، أمس (السبت)، في مؤتمر دولي حول "السنة النبوية وتعزيز فكر الوسطية والاعتدال"، أحمد الريسوني، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، الجماعة الأم لحزب العدالة والتنمية، والشيخ المقاصدي نائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتشبث برفضه مراجعة قوانين الحزب لتضمن ترشح عبد الإله بنكيران لولاية ثالثة، واصفا رأيه بالعلمي الأكاديمي، كاشفا وجود سقوط في الأخلاق والقيم لدى أعضاء الحزب، وطريقة تدبير الحركة لخلافات الحزب، الذي يرى أن أعضاءه عليهم أخذ العبرة من مآل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
-
اليوم 28 أكتوبر، تمر سنة على انطلاق "حراك الريف" الذي شغل المغرب كثيرا، كيف ترى مآلات هذه القضية؟
أنا عبرت من قبل وكتبت مقالات في الموضوع، كما ساهمت رفقة باقي أعضاء المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح في إصدار بلاغ، ووجهة نظري، طبعا، خلاصاتها، أن المطالب الاجتماعية كلها مقبولة ومعقولة ويجب أن تأخذ طريقها نحو الاستجابة في الحسيمة والمغرب كله. والمشاكل التي وقعت في الحسيمة، وما انتهت إليه من قرارات ملكية، نحتاجه، في الحقيقة، في كل مدن المغرب، وفي كل الوزارات، ونحن نؤكد أن هذا الفساد والتعثر والتلاعب موجود ويجب أن يعالج ويحاسب كل واحد بدون استثناء، ويأخذ القانون مجراه.
من جهة أخرى، قضية الريف، من الجيد أن نعرف أن لها جذورا، فإذا كانت المنطقة تشترك مع كل أنحاء المغرب ومدنه في المشاكل المتعلقة بالتنمية وحقوق المواطنين، فإن جذور قضية الريف عميقة وقديمة، وعلى الأقل نقول إنها ترجع إلى 1958، حيث كانت انتفاضة مماثلة وأشد من هذه، وامتدت إلى الريف كله، وليس فقط في الحسيمة ونواحيها، ثم تلتها أخرى في 1984، و1994 لمناسبة الزلزال - أقصد الطبيعي، الذي في الحقيقة، هو من جاء بالزلزال السياسي -.
ولقد توج كل ذلك بحزب الأصالة والمعاصرة الذي سلم له الريف هدية مجانية، فوقع ما لم يقع في أي منطقة أخرى، من قبيل التلاعب بالانتخابات بشكل فظيع، بحيث سلم الريف إلى ذلك الحزب بكل تجاوز للقوانين والدستور، وهي خصوصيات إضافية، تجب مراعاتها في إنصاف أهل الريف ورفع عنهم كل ما يشينهم، بما في ذلك حزب الأصالة والمعاصرة الذي أفسد ، كما يجب حل قضية زراعة "الكيف" بتنمية حقيقية.
-
وماذا عن الجانب المتعلق بالمحاكمات القضائية الجارية في حق نشطاء ذلك "الحراك"، ما ريأكم فيها؟
المحاكمات هي نتائج وتداعيات، وصحيح هي ليست حلا، لأن الأمر يتعلق بقضية سياسية وليست قانونية، وذات طبيعة تاريخية ممتدة إلى 1958، كما يمكن أن نرجع بها إلى سنوات العشرينات، لذلك القضاء ليس حلا للمشكل، وبما أن الدولة تورطت في هذا المسار، الذي ليس من السهل الخروج منه بصفة عاجلة.
مثلا يتحدث الناس عن العفو الملكي، الذي أعتقد أنه لا يكون في ملفات لم تصدر فيها أحكام نهائية، وهي الأحكام التي تتطلب شهوا أو سنة لتصدر، وبالتالي الدولة أمام ورطة، تجعل المطلوب منها الآن، الكف عن مزيد من الاعتقالات، وإصدار العفو في الأحكام التي أصبحت نهائية، والتعجيل بإصدار الأحكام في باقي الملفات، على أن تكون طبعا كلها تقضي بالبراءة.
-
وصفتم قبل يومين، "الزلزال السياسي" بأنه منهج إصلاحي، ولكن محمد الطوزي، عضو لجنة إعداد الدستور، مثلا، قال إنه بقدر ما فيه تطبيق للدستور بشأن المسؤولية والمحاسبة، فيه أيضا تطبيق لموازين القوى الراهنة، آلا ترى أن الملكية التنفيذية عادت بقوة في الآونة الأخيرة؟
أنا لا أناقش بذلك التصريح الوضع السياسي والدستوري، لأنه ليس هذا وقته، أنا أتحدث عن هذه الخطوات التي قام بها الملك في حد ذاتها، ممثلة في محاسبة أناس، واتخاذ ما ينبغي في حق أناس، ومن بينهم من هم من رموز المخزن وأعمدته، ومع ذلك أصابهم العقاب.
نحن نرجو أن يمتد هذا الزلزال، فمثلا عبد الوافي الفتيت، وزير الداخلية الحالي، قامت عليه القيامة، فلماذا لا يحاسب؟ فهو الذي عسكر الحسيمة والريف، وأخذ الأراضي الكبيرة بثمن بخس، وبالتالي، لا يجب أن يكون هناك استثناء لأي أحد، فعزل وزير الداخلية السابق، هي إشارة فقط.
المشاكل التي وقعت في الحسيمة، وما انتهت إليه من قرارات ملكية، نحتاجه، في الحقيقة، في كل مدن المغرب، وفي كل الوزارات
-
وماذا تقصدون بقولكم إن حزب العدالة والتنمية اخترقه الشيطان وأهواء النفوس؟
لقد كان السؤال المطروح علي من قبل أحد زملائكم، هو "هل هناك اختراق؟"، كأن هذا السجال والخلاف الذي يدور في الحزب اختراق مخابراتي، فقلت إن هذا تفسير سهل، والاختراق الواقع، شيطاني وليس إنساني، أي أن الإخوة في الحزب اخترقهم الشيطان (يضحك).
-
إذا فهمنا جيدا، أنتم تقصدون وقوع سقوط أخلاقي وقيمي في الحزب؟
طبعا، المقصود هو القيم والأداب التي لم يعد يتم الالتزام بها، أي أداب الحوار، وحسن الظن، والبعد عن أسلوب الاتهامات، وتبادل التجريح، وغيره من السلوكات التي بدأت تدب في أوصال حزب العدالة والتنمية، وأطرافه، وحتى بين قياداته أحيانا، وبالتالي كلها أفعال تعود إلى الشيطان الذي دخل في النفوس، وليس اختراقا خارجيا.
-
مسألة القيم والأخلاق داخل الحركة تحيلنا على مدرستها الأساسية ممثلة في حركة التوحيد والإصلاح، فما رأيك في نتيجة وضع التمايز بين الحركة الدعوية والتربوية والأداة السياسية ممثلة في الحزب؟
مازلت أرى أنها تجربة رائعة، وخلال هذه الأيام معنا إخوة من المشرق (أجري الحوار على هامش مؤتمر دولي حول السنة النبوية والوسطية والاعتدال)، من العراق وتونس والجزائر والأردن، وكلهم يشيدون بهذه التجربة، ولو أننا لم نفصل بين السياسي والدعوي، لكان الخلاف الحالي في الحزب موجودا الآن في حركة التوحيد والإصلاح. إن الفصل الذي وقع يجعل اليوم الحركة آمنة مطمئنة وعلى هدى من ربها لا يمسها ضر مما يقع في الحزب من سلبيات وتعثرات، وبالعكس هي التي تحاول الآن أن تساعد الحزب، على أن يتجاوز هذه الأزمة.
-
بأي طريقة تعملون في حركة والتوحيد والإصلاح على مساعدة الحزب في أزمته؟
نساعد أساسا من الناحية التربوية، فذلك دورنا، اي ننصح ونحرص على أعضائنا وإخواننا أن يلتزموا ببرامجهم التربوية، وأن يرجعوا إلى أخلاقهم وأدابهم، ونوجه لهم النصح سرا وعلانية، سرا في المجالس الخاصة، وعلانية كما في البلاغ الذي أصدرناه، ولولا التمايز بين الحركة والحزب، لما استطاعت أن تساعده اليوم، ولكانت هي نفسها ضحية لهذا الخلاف، وكانت طرفا فيه، أما اليوم فهي طرف في الحل وليس في المشكل.
-
كثيرون قارنوا بين قيادة "بيجيدي" للحكومة بعد دستور 2011 وعاصفة 20 فبراير، وبين قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي لحكومة التناوب بعد السكتة القلبية وانتقال الحكم من ملك إلى آخر، وبالتالي آلا ترى أن الحزب قد يواجه مآل الاتحاد الاشتراكي بعد مشاركته؟
والله من حقنا ومن حق الجميع أن يتوقع ويتصور، ولكن الآن نتعامل مع الواقع، فحزب الاتحاد الاشتراكي كان قد دخل في مرحلة التشرذم بعد فترة التناوب، ومازال يواصل، ومعلوم أن كثيرين من الاتحاديين وغيرهم قالوا إنه لولا دخوله إلى الحكومة الحالية لانقرض، وهذا الوضع، يظل حزب العدالة والتنمية حاليا بعيدا عنه، ولكن يجب أن يأخذ العبرة على كل حال، فالقول المأثور يقول: "إلى شفتي رأس خوك تحسن فعليك تفزك رأسك" (يضحك).
-
كيف ترى الوضع الداخلي للحزب في أفق المؤتمر المقبل، خصوصا بعد الملاسنة الأخيرة العلنية بين المصطفى الرميد وعبد الإله بنكيران؟
الملاسنة على كل حال، إذا كانت في حدود الصدق والأدب، فنحن نرحب بها في إطار حرية الفكر داخل المؤسسات وخارجها، ولذلك، الذي نؤاخذ عليه هؤلاء الإخوة، هو ما قد ينزلقون إليه من تجاوزات في ظنونهم وعباراتهم، ولحد الآن تبدو الأمور محدودة.
أما المؤتمر، فلا أدري ما يمكن أن يقع بالتحديد، فقد ينهي هذا، كما قد يزيد الطين بلة، لأنه يصعب أن تعرف النفوس البشرية كيف تتفاعل، وهل ستدخل تأثيرات خارجية، وهل... لا أستطيع، لا أستطيع التوقع، خاصة أنني شخصيا لست داخل الحزب، وأراقب ما يجري من بعيد ككل المتتبعين.
-
الانتخابات الجزئية الأخيرة لوحظ فيها تراجع كبير للحزب، سيما في بعض قلاعه مثل أكادير، ألا ترى أن نتيجة "بلوكاج" تشكيل الحكومة، وقبول الحزب للشروط التي كان يرفضها عبد الإله بنكيران، تقف وراء استياء قواعده والناخبين المتعاطفين؟
لا. ليس ذلك هو السبب، فالحزب نفسه يوجد فتور فيه، فالحملات الانتخابية السابقة ليست هي نفسها في الانتخابات الجزئية، ثم الخلاف الواقع في الحزب يؤثر بدوره، وبالتالي "البلوكاج" وتداعياته، يمكن أنه كان لها تأثير محدود، ولكن العوامل تظل متعددة .
-
هل نفهم من هذا أنك ترى أن الطريقة التي دبر بها الحزب تجاوز فترة "البلوكاج" كانت صحيحة؟
أنا دائما مع رأي يقول إن قرارات المؤسسات تكون دائما أفضل ما يمكن، وتظل في حكم المثلى إذا كان القرار الأمثل ليس في مستطاعك، وإذن الأمانة العامة والهيآت الحزبية كانت مازالت تجتمع وتقرر، وبعدها التأم المجلس الوطني، الذي قرر واتخذ ما اتخذ، وقامت الأمانة العامة بإقرار أسماء الوزراء الذين اختارتهم الهيأة المكلفة.
إن المؤسسات اشتغلت، وأي قرار اتخذته أكون معه عادة، تلك طبيعتي وتربيتي سواء تعلق الأمر بالحركة أو الحزب، أي مادام أن الحزب هو الذي قرر المشاركة ووافق على تعيين العثماني، فكل تلك القرارات إذن سليمة وصحيحة، وهي أفضل ما أمكن القيام به.
-
يقودنا هذا إلى جدل السماح بولاية ثالثة للأمين العام الحالي على رأس الحزب، فهل مازلت على موقفك الرافض لها؟
إن رأيي ليس وليد اللحظة الحالية، إنما رأي قديم ومستقر عندي منذ 20 سنة، فقد كتبت فيه، ويظل رأيي الذي لم يتغير، فأنا أرفض الاستثناءات ولا أريد هذه الخروقات.
-
هل تعتبره رأي مبدئيا حتى لو تغيرت الشروط التاريخية وتقدير المصلحة المثلى؟
أقولها بكل وضوح: إذا كان حزب لا يوجد فيه إلا شخص واحد هو الذي يصلح، فهو حزب يجب ان يدفن فورا. أما أنا فأعتقد أن الحزب فيه عشرات يصلحون لقيادته، وليس واحدا أو ثلاثة، إذن لا يجب أن يبقى الحزب رهينة تفكير ضيق، ولذلك رأيي ليس مرتبطا فقط بمسألة الولاية الثالثة، وليس خاصا بهذه النازلة، إنما قديم ومبدئي، ولكن أيضا رأي علمي.
-
ما الذي يجعله رأيا علميا؟
أقصد أنني كتبت في الموضوع في كتابي المعنون بـ"الشورى في معركة البناء"، ومن يبحث فيه ويقرأه سيجد أنني عرضت أنه حتى في التاريخ الإسلامي، توجد تجربة الولايات المحدودة، وفي تاريخ المغرب بالخصوص، توجد تجربة، ربما الأولى في التاريخ البشري، ويتعلق الأمر بأن الموحدين (إمبراطورية إسلامية مغربية 1121م - 1269م)، كانوا يعينون القاضي أربع سنوات ثم يتوقف فترة قبل أن يعود.
إن بعض الناس يعتقدون أن الولايات المحدودة مخالفة للإسلام بمنطق أن الخلافاء الراشدون استمروا حتى الوفاة، ولكنني بينت في كتابي وبالأدلة أن ذلك أمرا ليس صحيحا، وبأنه أمر متروك لنا ونقدره، فالأحوال تتغير والإنسان يتغير، إذن من حقنا، أو ربما الصواب علميا، التغيير والتولي المحدود للمسؤوليات هو الأنفع، ويعطي حركية في المؤسسات والهيآت.
-
ماذا عن تقييكم لأداء سعد الدين العثماني على رأس الحكومة؟
إنه موضوع لا أدخل فيه، وعموما سعد الدين العثماني، بالكاد قال بسم الله، والرأي العام والبرلمان والأحزاب يتابعون، أما أنا فليس لدي حكم. سعد الدين العثماني أعرفه شخصيا، لكن أداء الحكومة وهو على رأسها ليس لدي فيه رأي خاص.
نرجو أن يمتد هذا الزلزال، فمثلا عبد الوافي الفتيت، وزير الداخلية الحالي، قامت عليه القيامة، فلماذا لا يحاسب؟ فهو الذي عسكر الحسيمة والريف، وأخذ الأراضي الكبيرة بثمن بخس.
-
بخصوص مسألة الديمقراطية بالمغرب والانتقال الديمقراطي، كيف ترى صيرورتهما؟
المغرب في هذه المسألة مازال "كايطيح وينوض" (يضحك)، أو "كاينوض ويطيح"، أو من الأحسن "نخليوها كايطيح وينوض" (يضحك) "نبقاو مع النواض هو الأخير"، بمعنى إن الأمور متعثرة، وسرعة السير بسيطة جدا، وتشهد توقفات. ذلك حال المغرب وأتمنى "ينوض نوضة وحدة" ويمشي في مسار واحد.
ففي شمالنا توجد إسبانيا، وقد كانت ديكتاتورية قبل 40 سنة، وكان الجنرال فرانكو من أشهر الديكتاتوريين في أوربا خلال التاريخ الحديث، لكن إسبانيا نهضت وانطلقت صناعيا وتنمويا، أما المغرب للأسف، فهو "كايطيح وينوض"، وتتراوح ديمقراطيته/ حسب الظروف، بين التعثر والتراجع، وعموما هو واقع يعرفه الجميع ما أقوله ليس جديدا.
-
هل توافق على أن مسؤولية الأحزاب كبيرة جدا في هذا التعثر؟
الجميع له مسؤولية، بما في ذلك أنا وأنت، ولكن طبعا، أصحاب المناصب يبقون أصحاب تأثير، لذلك مسؤوليتهم أكبر، كما أن الناخبين بدورهم لهم مسؤولية، بعزوفهم عن الانتخابات، أو قبول جزء منهم الفساد الانتخابي والانخراط فيه، وبالتالي العوامل متعددة، والمسؤوليات متعددة.
-
ماذا عن حزب العدالة والتنمية وعبد الإله بنكيران، إلى أي حد نجح في نظرك في تنزيل وتحقيق المكتسبات الديمقراطية التي جاء بها دستور 2011؟
حزب العدالة والتنمية، يظل طرفا، لكنه ليس الأقوى، هو فعل ويفعل المستطاع، وعبد الإله بنكيران، قام بالمستطاع، والعثماني الآن يقوم بالمستطاع، ولكن هناك قوى عديدة في الدولة، فهناك صلاحيات الملك والمؤسسة الملكية، وهناك الأحزاب الأخرى ودورها السلبي أو الإيجابي، كما توجد مؤسسات للدولة لها تأثير كبير جدا، وبالتالي ليس العدالة والتنمية وحده، وإذا أردنا أن نحاسب، علينا محاسبة الجميع، ووضع الجميع أمام مسؤوليته.
-
سؤالي الأخير: ماهو تقييمك للموقف المغربي من الأزمة بين قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليحي؟
عموما، أرى أن السياسة الخارجية للمغرب، أفضل حالا من السياسات الداخلية، فهي تتسم بالتوازن وبقدر معقول من الاستقلالية والتميز والتريث، وهذا ما انعكس على الموقف من الأزمة الخليجية، فجاء موقفا إيجابيا محايدا ومستقلا لم يخضع لأي ابتزاز أو مساومات.