في هذا الجزء الأول من حوار مطول مع موقع "تيل كيل عربي"، يتطرق أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، عن مخرجات المؤتمر الأخير للحركة، ويكشف رأيه في العلاقة بين الحركة وحزب العدالة والتنمية، ويعود إلى فترة تقديم استقالته من رئاسة الحركة سنة 2003، خلال مرحلة عرفت نوعا من التشنج مع الدولة، ثم يعرج على كواليس جلسة وبخ فيها وزير الداخلية في تلك الفترة مصطفى الساهل، والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية وقتئذ والمستشار الملكي الحالي فؤاد علي الهمة قيادات "العدالة والتنمية".
على غير العادة، لم يكن أحمد الريسوني ضمن أعضاء المكتب التنفيذي الأخير لحركة التوحيد والإصلاح، هل كنت تتوقع أن تجد نفسك يوما خارج القيادة، خاصة أنك أول رئيس لهذه الحركة؟
طبعا، وجودي الآن خارج المكتب التنفيذي، ولا أقول خارج القيادة، هو شيء طبيعي جدا، وطال انتظاره كثيرا، وهو مطلب قديم لي، ومطلب صريح، وقد تأخر أوانه في الحقيقة، فأنا أولا أؤمن، من الناحية التنظيمية، بما أسميه "السلّم المتحرك"، وهو أنك تكون في درجة معينة من السلم، والسلم يتحرك، وشيء طبيعي أن تجد نفسك خارج السلم، ويصعد آخرون.
بالنسبة إلي، للأسف السلم جمد عند عضوية المكتب التنفيذي منذ 2003، حيث قدمت استقالتي من رئاسة الحركة وبقيت عضوا في المكتب التنفيذي، وكان الأمر آنذاك طبيعيا، لكن خلال المؤتمر الذي نظم بعد 2003 كان ينبغي أن أغادر، لكن لاعتبارات كثيرة بقيت في المكتب التنفيذي، وكنت متضايقا من هذه الوضعية، لأنني أرى نفسي لا أتحرك، إذن، الآن تحرك موقعي في السلم التنظيمي، وأنا في وضع طبيعي الآن، فقد تحركت من موقع مكثت فيه زمنا طويلا.
من جهة أخرى، وكما ذكرت في الجمع العام، وقبل ذلك في الجموع العامة السابقة، فأنا لدي مسارات، وهذه المسارات تنمو وتتوسع باستمرار، مما جعل من غير الممكن الجمع بينها وبين المسؤوليات التنظيمية داخل حركة التوحيد والإصلاح، لأنني إما أن أستمر في مسؤولية الحركة وأغلق هذه المسارات، أو أتفرغ لهذه المسارات، وهي تتطلب جهدا كالكتابة والتأليف والبحث العلمي، وهو مسار يفتح كل يوم جبهة جديدة وملفا جديدا، وعلاقات مع الطلبة الباحثين، ومع نفسي، ومع مشاريعي، ومسار العلاقات العلمية والدعوية المتنامية خارج المغرب، فبشكل متزايد أدعى إلى منتديات ومؤتمرات، وقد أجد نفسي عضوا في لجنة، أو هيئة، أو مكلفا بقضية، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وأخيرا، فإن تقدم السن يتطلب تخفيف الأعمال المضنية جسديا، الحمد لله أنا فكريا مازلت على ما يرام، وربما أفضل مما كنت، لكن جسديا حتى الجلوس الطويل، والاجتماعات المتواصلة، والأسفار الكثيرة كلها أمور لا تتناسب مع سني الآن الذي يشرف على السبعين، فهذه هي الأمور التي قدمتها لكل من الرئيس السابق محمد الحمداوي، والرئيس الحالي عبد الرحيم الشيخي من أجل إعفائي من عضوية المكتب التنفيذي للحركة، والحمد لله الآن استجيب لي، وتم اعفائي من عضوية المكتب التنفيذي وما فيها من تبعات.
في كثير من الأحيان، كنت تصرح بأراء تخالف إجماع الحركة، هل كنت تجد نفسك مكبلا تنظيميا؟
هذا صحيح، لكنه كان حاضرا بقوة حينما كنت رئيسا للحركة، فكل ما كنت أقوله مهما حاولت أن أفرق كان يعتبر هو موقف الحركة، لأنه كان يقال أنت رئيسها، فحتى إذا لم يكن هذا هو موقفها فسيكون موقفها مادام صادرا عنك، وأنت صاحب الكلمة الأولى.
مجرد العضوية في المكتب خفف من الأمر شيئا، فبكل تأكيد أنا الآن أكثر تخففا من أي مسؤولية تجاه الحركة، وتزداد حريتي في التصريح والإدلاء بالرأي، والحركة أيضا أكثر تحررا من تبعات ما أقول.
دعني أعود لموضوع تقديم استقالتك من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح، هل تعرضت لأي ضغوط من أجل تقديمها؟ أو بالأحرى هل طلب منك أحد تقديمها؟
هذا الأمر أجبت عنه غير ما مرة. الاستقالة كانت مبادرة محضة مني. هل كان أحد داخل الحركة أو خارج الحركة أو في الدولة يتمناها؟ لا أدري. لا أستطيع نفي أو تأكيد ذلك، لكن الاستقالة فكرت فيها بمفردي ولم أستشر فيها مع أحد، قبل أن أعرضها على المكتب التنفيذي للحركة، ولم أتعرض لأي ضغط، لكن تستطيع أن تقول إن الجو كان ضاغطا في هذا الاتجاه، فالمناخ السياسي كان ضاغطا، وفي هذا الإطار فكرت في تقديم الاستقالة، لكن لم يحدث أن طلب مني أحد تقديمها، أو أوعز بذلك؛ سواء مباشرة أو بواسطة، إذ لم يعلم أحد بها إلا حين عرضتها على المكتب التنفيذي الذي ناقشها عدة مرات، ثم قبلها.
بعد أحداث 16 ماي الارهابية حضرت اجتماعا بمنزل وزير الداخلية حينئذ السابق مصطفى الساهل، الذي كان مرفوقا بالوزير المنتدب لدى وزير الداخلية وقتئذ (المستشار الملكي الحالي) فؤاد علي الهمة. ما سياق هذا الاجتماع وما الذي دار فيه؟
هذا الاجتماع كان في صيف 2003، غير بعيد عن أحداث 16 ماي، وأظن أنه كان في يوليوز، وكنت آنذاك قد قدمت استقالتي من رئاسة الحركة. هذا الاجتماع دعي إليه أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ودعيت أنا الوحيد من خارجها.
من حضر منهم؟
حضروا جميعا، باستثناء المقرئ أبو زيد الإدريسي، بما في ذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله، وقد كان حضوري مقصودا، لأنه أحد أسباب الاجتماع، وقد دعينا إلى منزل وزير الداخلية مصطفى الساهل رحمه الله.
من خلال وقائع الاجتماع، ظهر أن غرضه كان هو التوبيخ والتهديد، وقد تكلم مصطفى الساهل وقرأ مرافعة طويلة قاربت ساعة، كانت عناصرها واستشهاداتها مكتوبة في أوراق، وكان يقرأ ويشرح، ولما انتهت مرافعته جاءت مرافعة فؤاد عالي الهمة، وكانت أكثر حدة، وقد كان بدوره أيضا يقرأ بعض العناصر المسجلة في أوراق، وبعد ذلك فسح لنا المجال لنتحدث.
ما هي مآخذ فؤاد علي الهمة عليكم؟
هي نفس ما قاله مصطفى الساهل تقريبا، وقد كانت المؤاخذات على مواقفنا، وكانا يستعرضان المواقف شخصا بشخص، حيث بدؤوا أولا بالريسوني، وخاصة حول ما ورد في حواري مع "أوجوردوي لوماروك"، وبعض تعبيراته الأخرى، ثم المصطفى الرميد ومواقفه، والمقرئ أبو زيد.
الهمة انتقد موقف الرميد من الملكية البرلمانية
ما هي مؤاخذاتهم على الرميد؟
ركزوا على بعض مواقفه وتصريحاته، ودفاعه كمحام عن السلفية الجهادية، حيث كان في ذلك الوقت يمكن اعتباره بأنه محامي السلفية الجهادية، ومحامي المعتقلين الإسلاميين، وهذا كان يستتبعه تصريحات لصالح موكليه. ومن خلال الاجتماع تبين أن ذلك كان يغيظ الجهات المسؤولة، لأنه يفند ما يدعونه ويدفع نحو التخفيف من الوقائع، كما أخذوا عليه مشاركته في وقفة احتجاجية بالدار البيضاء ورفضه الانسحاب رغم تعليمات رجال الأمن، كما ذكروا موقفه من الملكية البرلمانية، كانوا يقولون كيف لشخص منخرط في النظام السياسي والدستوري للمملكة، ويترأس فريقا برلمانيا، وتصدر عنه مثل هذه المواقف، ويشكك في المؤسسات...
الساهل اتهم المقريء أبوزيد بجمع الأموال لحركة إرهابية هي "حماس"
أما بخصوص أبو زيد، فقد تحدث عنه الساهل مشنعا عليه قيامه بجمع الأموال لحركة "إرهابية" هي حركة "حماس"، وهنا قاطعه الدكتور عبد الكريم الخطيب، في الوقت الذي بقينا جميعا صامتين، وقال له "السيد الوزير حركة حماس ليست إرهابية، بل حركة مقاومة، ونحن كلنا معها"، وكان ذلك موقفا شجاعا لا أنساه للخطيب رحمه الله.
ماذا كان رد الساهل بعد مقاطعة الخطيب؟
لم يعقب عليه، وواصل قراءة مرافعته. كان من الصعب عليه أن يدخل في سجال، لأن غرضه كان إيصال أشياء معينة فقط.
أما بالنسبة إلي فقد كان التركيز شبه كامل على الحوار الذي أجرته معي صحيفة "أوجوردوي لوماروك"، وما قلته فيه عن إمارة المؤمنين وصلاحيات الملك الدستورية، واعتبروا أن ذلك فيه تجاوز لأهم المؤسسات.
لا أتذكر تفاصيل كثيرة، لكنني أستطيع أن أقول لك بأنهم كانوا متتبعين بدقة لكل ما يصدر عن الحركة، وكانوا يعتبرون بعض مواقفها غير مقبولة، وتهدد الانسجام والاستقرار الذي يعيشه المغرب، وذهب الأمر بفؤاد علي الهمة أن يقول "أنتم تزعمون القيام بالدعوة الإسلامية، والمغرب فيه ما يكفي للقيام بهذه المهمة وحماية المقدسات الدينية، فعندنا إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف والمجالس العلمية، و"اللي بغى يقوم بالدعوة يمشي للدول الإفريقية غير المسلمة، أما هنا لا مكان لأحد للقيام بهذه المهمة باستثناء المؤسسات الرسمية"، وقد كان هذا أخطر ما قاله، لكننا لم نلتفت إليه.
وماذا كان ردك أنت؟
أوضحت لهم أن المقصود من كلامي، في الحوار، وهو أن إمارة المؤمنين لا تتنافى مع تفويض مجموعة من الصلاحيات، بما في ذلك الصلاحيات الدينية، وقلت إن الفتوى تحتاج إلى هيئة متخصصة ليست بالضرورة هي الملك، كما هو الشأن بالنسبة للقضاء.
بعد ذلك، تكلم عبد الإله بنكيران، وأكد أن قضية الدعوة لا محيد عنها، جوابا على ما قاله فؤاد علي الهمة، وقال "إننا مستعدون لحل هذا الحزب إن كان يزعج الدولة، أو كان يشكل لها ضررا، لكن العمل الدعوي لا يمكن إلغاؤه أو التخلي عنه".
عموما، الاجتماع عرف توبيخا للأفراد على مواقفهم واحدا واحدا، وتم التلويح بالتشطيب عن الحزب من الساحة السياسية، إذا لم تتم مراجعة عدد من المواقف، وبعد ذلك انتهى الاجتماع بعشاء فاخر، وطُوي الموضوع.
هل حضرت لقاءات أخرى؟
لم أحضر أي اجتماع آخر مع الساهل، كانوا يجتمعون بين الفينة والأخرى بالدكتور الخطيب، وقيادات الحزب، لكن لم يتم استدعائي منذ ذلك الاجتماع.