بعد الجزء الأول من الحوار المطول مع موقع "تيل كيل عربي" الذي تطرق فيه أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، إلى كواليس جلسة وبخ فيها وزير الداخلية وقتئذ، الراحل مصطفى الساهل، والوزير المنتدب في الداخلية حينئذ والمستشار الملكي الحالي، فؤاد علي الهمة، قيادات العدالة والتنمية، يفصّل الريسوني موقفه، في هذا الجزء الثاني من الحوار، من فك الارتباط التام بين حركة التوحيد والإصلاح و"البيجيدي".
هل تعتقد أن المؤتمر الأخير لحركة التوحيد والإصلاح رسخ فكرة التمايز بين الدعوي والحزبي؟
صحيح، فتشكيلة المكتب التنفيذي التي اختارها الرئيس المنتخب تعبير قوي على هذا التوجه، وهو التوجه الذي كان يتمسك به الأخ عبد الرحيم الشيخي، ومفاده أننا لا نعلن فصلا تاما وقطيعة تامة، لكننا نمضي في التمايز المتدرج خطوة خطوة. وقد حقق هذا بدرجة واضحة جدا، بحيث لأول مرة، منذ أكثر من 20 سنة، لا نجد أي عضو مشترك بين قيادة حزب العدالة والتنمية، والمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، وهذا يرضيني لأنني من المنادين بفك هذا الارتباط بين الحركة والحزب. وقد دعوت في المكتب التنفيذي صراحة إلى أن نعلن بوضوح أننا الآن نتعامل مع الأحزاب كلها بمنطق واحد، ونتعاون مع الجميع، ونفتح أبوابنا لأعضاء كل الأحزاب، ونتواصل مع الأحزاب كلها. ورغم أن هذا لم يحصل، فكل ما هو قريب منه أؤيده وأرتاح إليه، لذلك أنا مرتاح للمكتب التنفيذي الجديد وما يعكسه من مزيد من التباين بين مسارات الحركة ومسارات الحزب.
عندنا ما يسمى بالمجالس التربوية التي تضم إما أشخاصا غير منتمين للأحزاب، أو ينتمون لـ"العدالة والتنمية"، ونادرا ما أجد أشخاصا ينتمون لأحزاب أخرى؛ إذ عرفت حالات تعد على رؤوس أصابع اليد الواحد
هل يمكن أن تفصّل أكثر حول ما تقصده بفك الارتباط بين الحركة والحزب؟
عدد من الإخوة في الحزب، وفي الحركة بصفة خاصة، يصرحون أن لدينا شراكة استراتيجية. وأنا أقول إن هذه الشراكة الاستراتجية إن كانت موجودة فعلا، ولا أدري ما مضمونها وما صيغتها، فيجب أن نضع لها حدا، فقد استنفدت أغراضها ومرحلتها. أما بخصوص الدعم الانتخابي للحزب، فحينما تحين الانتخابات يمكن أن نجتمع ونقرر هل سندعم الحزب كليا أم موضعيا، أم نمتنع؛ أي أنه يجب أن لا يكون لدينا التزام عام مسبق معروف، كما هو معمول به الآن، إذ أننا، منذ 1996، لدينا التزام مسبق وهو دعم "العدالة والتنمية". ما أريده بفك الارتباط هو أننا في كل انتخابات نقرر ماذا نفعل، هل ندعمه أم لا ندعمه؟ وما أفضله هو أن يكون الدعم محليا، بحيث يجتمع الإخوة ويقررون المرشح الذي سيدعمونه، سواء كان من "العدالة والتنمية" أو "الاستقلال"، أو "الاتحاد الاشتراكي"، أو غيرهم.
ماذا ستربح الحركة من هذه العملية؟
هذا طبعا محل نقاش، لكن بالنسبة إلي سوف لن نبقى محسوبين من توابع "العدالة والتنمية"، ولا "العدالة والتنمية" يبقى محسوبا علينا، لأنه كثيرا ما يحاسب "العدالة والتنمية" بمواقفنا وتصريحاتنا، والعكس صحيح؛ إذ نحاسب نحن أيضا على مواقف "العدالة والتنمية" وسياساته، وخاصة حينما دخل في الحكومة، أو بمواقفه المحلية في بعض المجالس المنتخبة.
إذن يجب أن يتحمل الحزب مسؤوليته وحده، ونتحمل نحن أيضا مسؤوليتنا في ما نفعله، كما أن من شأن هذه العملية أن تمكن الحركة من التعامل مع الأحزاب الأخرى، ونحن حركة دعوية ولسنا حركة انتخابية؛ أي أن المحدد الانتخابي ليس هو الذي يصنفنا، ومن تم يجب أن نتعامل مع جميع الأحزاب، ربما نضع معايير، وكل من دخل في هذه المعايير نتعامل معه، ويجب أن نكون منفتحين على جميع الأحزاب.
الآن عندنا ما يسمى بالمجالس التربوية التي تضم إما أشخاصا غير منتمين للأحزاب، أو ينتمون لـ"العدالة والتنمية"، ونادرا ما أجد أشخاصا ينتمون لأحزاب أخرى؛ إذ عرفت حالات تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة. أما في الوضع الذي أدعو إليه فستكون مجالسنا تضم أشخاصا من جميع الأحزاب، وكذلك غير المنتمين، لأن هذه المجالس لا يشترط فيها العضوية في الحركة، بل هي مفتوحة في وجه جميع المواطنين من أجل تدارس القرآن والسيرة والأخلاق.
يجب أن يتحمل الحزب مسؤوليته وحده، ونتحمل نحن أيضا مسؤوليتنا في ما نفعله
رغم أنك تدعو إلى فك الارتباط بين الحزب والحركة إلا أن هناك من اتهمك بممارسة الوصاية على الحزب، خاصة حينما تدخلت في موضوع "الولاية الثالثة" لعبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب... ألا تعتبر ذلك نوعا من الوصاية للحركة على الحزب؟
أولا، أنا لست الحركة، على الأقل منذ 2003. أنا أحمد الريسوني لا أقل ولا أكثر. وثانيا، إذا كان في هذه المواقف وصاية، فأنا أمارس وصاية أيضا على الدولة وعلى وزارة الأوقاف وعلى المجالس العلمية، وعلى العالم الإسلامي، وعلى السعودية، لأنني أقول آراء في كل هذه المجالات. فإذا كان التعبير عن الرأي وصاية، فوصايتي ممتدة في كل الاتجاهات.
ما أقوم به مجرد حرية فكر لا أقل ولا أكثر وليس وصاية، والناس يفعلون ما يشاؤون. فأنا لدي مواقف يمكن أن تؤثر على المجالس العلمية، ويمكن أن تؤثر على خطباء، ويمكن أن ترفض بالكامل، ويمكن أن تضغط على السعودية.
أما حديثي عن الولاية الثالثة فكله كان إجابة على أمثالك من الصحافيين، بمعنى أنني أُسأل فأجيب، ولم يسبق أن كتبت مقالا في الموضوع. فالاهتمام كان من طرف الصحافيين، وليس مني، لأنني لم أتحدث عنها إلا جوابا على سؤال.
وحينما أُسأل، أعبر عن موقفي الجاهز منذ 30 سنة تقريبا. فأنا الذي اقترحت تحديد عدد الولايات في الحركة، وانتقلت الفكرة إلى الحزب، فهو موقف جاهز أجيب به، متى سُئلت داخل المغرب أو خارجه، ولم أكتب مؤخرا شيئا من تلقاء نفسي.
الحلقة الأولى : الريسوني يكشف كواليس جلسة وبخ فيها الهمة فيادة البجيدي