بعد كشفه، في الجزء الأول من حواره المطول مع "تيل كيل عربي"، لكواليس جلسة، شارك فيها، ووبّخ فيها وزير الداخلية في تلك الفترة الراحل مصطفى الساهل، والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية وقتئذ والمستشار الملكي الحالي فؤاد علي الهمة قيادات "العدالة والتنمية"، ثم تفصيله لموقفه، في الجزء الثاني من الحوار، من فك الارتباط التام بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، يتوقف أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، في هذا الجزء الثالث والأخير من الحوار، إلى موقفه من حرية المعتقد والتبشير وسر معاداته لآل سعود ومناصرته لحكام قطر...
ما رأيك في دعوات حرية المعتقد؟
أولا، أرى أن هذا الموضوع يجب أن يناقش من الناحية القانونية والفقهية.
فمن الناحية القانونية، ليس في المغرب ما يمنع حرية المعتقد، فهي مكفولة، والذين يثيرون الأمر، من الناحية القانونية، يثيرون قضية مفتعلة لا جود لها، فالمسيحيون الآن يعلنون عن أنفسهم بأسمائهم وصورهم، وكذلك البهائيون والملحدون، وغيرهم. ولم يعتقل أحد لأنه أصبح مسيحيا، أو بهائيا، ولم يحاسب أحد لأنه ملحد.
إذن حرية المعتقد قائمة بالفعل، ولا يوجد نص قانوني، ولا ممارسة سياسية ولا قضائية ضدها.
وعليه، لا داعي لافتعال مشكلة غير موجودة، لأنه لا يوجد قانون يمنع حرية المعتقد، أما ما يتعلق بـ"زعزعة عقيدة مسلم" المنصوص على عقوبتها في القانون الجنائي، فلا علاقة لها بالردة وتغيير الدين، بل تتعلق بإكراه شخص مسلم والتغرير به لاعتناق دين معين، وهذا الشخص يكون إما قاصرا أو مضطرا. فأن تأخذ قاصرين أو رُضّع وتعمل على تنشئتهم مسيحيين، بينما آباؤهم وأمهاتهم مسلمون، أو أن تعطي شخصا مضطرا منحة أو تأشيرة مقابل الذهاب للكنيسة، هذا يقع تحت طائلة القانون الجنائي، ويعتبر "زعزعة لعقيدة مسلم"، أما من أصبح ملحدا، أو مسيحيا، فلا شيء يمنعه قانونيا.
حرية المعتقد قائمة بالفعل، ولا يوجد نص قانوني، ولا ممارسة سياسية ولا قضائية ضدها
فماذا عن الأمر من الناحية الفقهية؟
لقد كتبت بشأن هذا الأمر، ولي فيه موقف، وهو أن ما يعرف في الفقه الإسلامي بحد الردة، وهو القتل. عند التمحيص والنظر في الأحاديث، انتهيت إلى أن حد الردة لا يتعلق بمسألة اعتقادية، بل بموقف سياسي، وتصرف له ارتباط بالأمن، وله ارتباط بارتكاب جنايات أخرى كالقتل والخيانة والتجسس. أما أن يتخلى عن الإسلام ويعتنق دينا آخر، أو لا يعتنق أي دين، فهذا ليس فيه عقوبة دنيوية، والقرآن ذكر الردة أربع مرات، ولم يذكر لها أي عقوبة دنيوية، بينما هناك أمور أصغر منها، كالسرقة والقذف، عقوبتها منصوصة في القرآن.
لكن حرية المعتقد تظل دون معنى إذا لم توفر الوسائل الكفيلة بممارستها، وهذا ما يشتكي منه المسيحيون المغاربة الذين يجدون أنفسهم مرغمين على الزواج بطريقة إسلامية مثلا؟
هذه أمور تفصيلية، أنا حينما أقول بحرية المعتقد، فإنني أقول بتبعاتها، لكنني لست برلمانيا أو وزير عدل أو رئيس حكومة.
هذه التبعات لها تفاصيل قانونية تناقش واحدة واحدة، وتعتمد، وليس لدي أي مانع، فحينما تقرر حقا تقرر تلقائيا توابعه ولوازمه، فأن يبنوا كنيسة أو ينشئوا مقابر خاصة بهم لا إشكال في ذلك، بل إنني دعوت لإنشاء مقابر خاصة بالملحدين، لأن بعضهم أوصى أن لا يدفن على الطريقة الإسلامية. "طيّب أنا مالي، حتى المسلمين مامرحبينش به، لا في مقابرهم ولا في مساجدهم".
لكن، من جهة أخرى، "هاد الناس خاصهم يكونوا قادين على شؤونهم"، فالدولة لا تبني لنا المساجد، بل هي تبنى بأوقاف المسلمين وأحباسهم، "يجبدو من جيبهم ويبنيو كنيسة، ويشريو الأرض ويديرو مقبرة وقفية خاصة بهم".
على كل حال، التفاصيل التنفيذية تعود للبرلمان والمجالس المنتخبة، ولكن مبدئيا لا مانع عندي من الحقوق الدينية لأي طائفة.
"يجبدو من جيبهم ويبنيو كنيسة، ويشريو الأرض ويديرو مقبرة وقفية خاصة بهم"
لماذا يمنع التبشير في المغرب، في الوقت الذي يتم نشر الإسلام في دول أوروبا وأمريكا؟
قلت سابقا إن التبشير لا يجب أن يمنع، لا بد من المعاملة بالمثل، فمثلما يسمحون لنا بالتبشير الإسلامي في أوروبا ينبغي أن نسمح لهم بالتبشير المسيحي في العالم الإسلامي، لكن الدولة ثارة تتغاضى، وثارة تحاسب، هذه أمور تسأل عنها.
وأعتقد أن فتح الباب أمام التبشير المسيحي بالمغرب لن يخدمه، بل سيخدمنا نحن المسلمين، لأنهم الآن يقومون بالتبشير السري فيقدمون أنفسهم على أنهم مظلومون ومحرومون ومضطهدون، وحينما يستقطبون بعض الأفراد، أو يصطادونهم يظل ذلك سريا. أما إذا كان علنيا فسيأتي رد الفعل المباشر من الجهات التي ينتمي إليها الشخص المعني، وسيتوقف التبشير اجتماعيا ومجتمعيا، ولن يحتاج إلى وزارة العدل أو وزارة الداخلية، لذلك أدعو أن يكون الدخول إلى أي دين آخر غير الإسلام علنيا من اليوم الأول، وإذا كان للدولة أن تمنع فيجب أن تمنع الأنشطة السرية المشبوهة، وهو ما سيخدم إسلامية الدولة، حيث سيتدخل المجتمع والأقارب وجميع المؤسسات ويتحملون مسؤوليتهم إذا ما كان التبشير والتنصير علينا.
مثلما يسمحون لنا بالتبشير الإسلامي في أوروبا ينبغي أن نسمح لهم بالتبشير المسيحي في العالم الإسلامي
كيف سيتحملون مسؤوليتهم، وقد يتطور الأمر إلى اعتداء على من يعلنون اعتناق أديان أخرى؟
الدولة لها كامل القدرات والوسائل لكي تمنع الاعتداء وتترك ما سواه، وهو الحوار. سيتحاور الناس، ولن يزوج المسلمون لمسيحي إذا عرفوا أنه كذلك، وسيتعاملون معه على هذا الأساس؛ إذ أن المجتمع أيضا لا يمكن الحجر عليه.
المهم أن تكون الأمور بوضوح، كما أن البعض يتخيل أن فتح الباب أمام التبشير سيجعل المسلمين يدخلون في المسيحية أفواجا، هذا غير صحيح، بل إن المجتمع سيصير أكثر وعيا وأكثر صلابة في إسلامه.
وخلاصة القول، إنني أدعو إلى العلنية بدل السرية، والاشتغال عبر الطرق القانونية الواضحة باختصار.
لماذا تناصرون قطر ضد السعودية؟
أنا لا أناصر قطر ضد السعودية، ولا أناهض السعودية. أنا أناهض الظلمة والعابثين بثروات الأمة ووحدتها وأخوتها.
آل سعود يظلمون الشعب، والشعب ليس له حرية ولا كرامة ولا أمن، ربما كان الآن آمنا من غزو أجنبي، لكن لا أحد الآن يأمن من بطش الحكام وأجهزتهم.
ولعلك تذكر أحد أهم الصحافيين الذي كان مقربا من دوائر القرار في السعودية، وهو جمال خاشقجي، الذي كان تقريبا ناطقا باسم النظام السعودي، لكنه غادر السعودية منذ أكثر من سنة، وحينما سُئل قال "لم يعد أحد آمنا في السعودية"؛ بمعنى أنه تحسس رأسه، فإذا اعتقل أمراء، ورجال أعمال، فقد رأى أنه معرض للاعتقال دون معيار محدد؛ إذ أن هناك أشخاصا اعتقلوا لمجرد التعبير عن رأي، أو لمجرد سكوتهم.
ثم إن السعودية حباها الله بأموال خيالية، لكنها تعطيها لأعداء الأمة، لأمريكا وإسرائيل، تفقر نفسها وشعبها وتغدق عليهم، وبعد ذلك أيضا أصبحت تتدخل في شؤون الدول والشعوب الإسلامية، وتناصر الاستبداد والانقلابات والقمع.
آل سعود يظلمون الشعب، والشعب ليس له حرية ولا كرامة ولا أمن
ما رأيك في قرار السعودية بطرد السفير الكندي ردا على ما اعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية؟
لأنها تعرف حجم الجرائم التي اقترفتها في حق أفراد المجتمع وتخشى فضحها، لأنها تخشى أن ينفلت النقد، فالدول الغربية الآن تسكت عما تفعله السعودية من اعتداء على الحقوق السياسية والمدنية للشعب السعودي وعلمائه ومفكريه، فيما خرقت كندا هذا الصمت، لكنها خرقته للأسف فقط من أجل شخصين يحملان الجنسية الكندية. كنا نتمنى أن تعبر كندا عن موقف رافض لما يتعرض لها عشرات العلماء الكبار في السعودية، لكن كيفما كان الحال فموقف كندا شريف ونبيل، وقد تحركت السعودية بهذا الهلع خشية أن يتسع الموقف الكندي ويصبح أستراليا وبريطانيا... ويشتد الخناق حولها.
إذن رد الفعل السعودي دليل على هشاشتهم وضعف حجتهم فهم يريدون أن يسكت عنهم العالم، لكنه الآن بدأ يتململ، وبدأ عدد من العلماء يتكلمون.
السعودية لها مظالم في العالم الإسلامي، ومن هنا جاءت قضية قطر التي تحاصر ظلما وعدوانا، وليست السعودية وحدها في هذا الحصار، بل هناك دول أخرى، وأنا رفضت هذا الحصار، واعتبرته جريمة ضمن مسلسل الجرائم التي ترتكبها السعودية والإمارات والنظام المصري، فأنا لم أتضامن مع قطر كقطر، بل إنني أعلنت رفضي للحصار باعتباره جريمة.
هل تعتقد أن الموقف الحيادي الذي اتخذه المغرب من أزمة قطر والسعودية، هو سبب عدم تصويت هذه الأخيرة لصالح المغرب بخصوص احتضان نهائيات كأس العالم 2026؟
السعودية صوتت لأمريكا، لأن أمريكا طلبت منها ذلك، وهذا الأمر أكبر من موقف المغرب من حصار السعودية لقطر. فكيفما كان الموقف المغربي كانت السعودية ستصوت لأمريكا. والسعودية لم تكتف بالتصويت، بل جمعت عددا من الأصوات من كل الدول المتأثرة بها من إفريقيا وآسيا، فما دام حاكم البيت الأبيض قد طلب منهم التصويت فكانوا حتما سيصوتون له، كيفما كان موقف المغرب. كيفما كان الموقف المغربي كانت السعودية ستصوت لأمريكا.
وعموما فالموقف المغربي لم يعجب السعودية والإمارات، لكنه ليس السبب الأول في تصويت السعودية لأمريكا، بل إن الأمر كما يقول المثل العربي "إذا قالت حَذام فصدقوها، فإن القول ما قالت حذام"، فالقول ما قالت أمريكا، فهم تابعون لأمريكا، وفي جميع الأحوال سيصوتون لصالحها.