بقلم: ذ. الحسين بكار السباعي
لست من أولئك الذين يمتلكون خبرة في النقد السينمائي أو القدرة على تقييم هذا النوع من الفنون، ولا حتى تحليل نوعية الخطاب الذي سعى الفيلم إلى تمريره، حتى لو كان خطاب الفيلم يتطابق مع واقع معاناة العمالة الأجنبية من خلال مؤسسة الكفيل وهيمنتها.
تدور القصة الرئيسية لفيلم "راعي الغنم" حول موضوع العمالة الأجنبية وظروف عملها وفق نظام الكفالة، الذي يربط إقامة العامل الوافد في المملكة العربية السعودية بجهة عمل تُعرف بـ"الكفيل". هذا النظام، الذي يُعتمد عليه في توريد العمالة الأجنبية، يتعرض لانتقادات حقوقية دولية، رغم محاولات السعودية القيام بإصلاحات تشريعية في هذا المجال.
يُعتبر نظام الكفالة نوعًا من الأنظمة القانونية التي تؤطر العلاقة الشغلية بين العامل ورب العمل. يُعمل بهذا النظام في غالبية دول الخليج، مع ملاحظة أن دولة قطر ألغته في عام 2015. كما أن السعودية أعلنت في نوفمبر 2020 عن مبادرة لإصلاح نظام الكفالة بشكل جزئي، من خلال تقييد سلطة صاحب العمل (الكفيل) فيما يتعلق بحق العامل في تغيير عمله وحقه في السفر، وهي مبادرة أُدرجت ضمن إطار رؤية السعودية 2030.
هل يحمل هذا الفيلم، من خلال مشاهده، خطابًا فنيًا يعكس مطالب فئة عريضة من المهاجرين من مختلف الجنسيات، الذين يتولون مختلف المهن والوظائف في السعودية؟ أم أن الهدف منه تمرير خطاب إيديولوجي معين، نظرًا لأن الأفلام السينمائية تُعتبر من أكثر الأشكال الإيديولوجية ارتباطًا بعلاقات الإنتاج والطبقات التي لها صلة بهذه العلاقات؟ ذلك بسبب طبيعة الإنتاج الهادف إلى الربح من خلال أكبر قدر من المشاهدة، وهو المبدأ السلعي والتسويقي لمؤسسة بوليوود الهندية.
أم أن للفيلم بعدًا أهم ورسالة حقوقية سامية، تتمثل في جوانب عقود الشغل المتعلقة بتوريد العمالة الأجنبية، ومسؤولية سلطات الدولة المصدرة لهذه العمالة في متابعة حسن تنفيذ هذه العقود، فضلًا عن مسؤولية الدولة المستوردة لها في إطار نظام الكفالة في تحمل واجباتها تجاه فرض ضرورة حماية حقوق هؤلاء العمال الأجانب وأفراد أسرهم؟
سأعود بكم، يا سادة، بطريقة "الفلاش باك"، ما دمنا نتحدث عن السينما، إلى فيلم "Indigènes" (إنديجين)، الفيلم الفرنسي الذي لعب فيه المغربي جمال الدبوز دور البطولة، والذي يعكس معاناة قدماء محاربي الجيش الفرنسي من شمال أفريقيا ومستعمرات فرنسا في هذه القارة. عُرض الفيلم بحضور الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، الذي اعتبره تحفة سينمائية حقوقية جسدت معاناة فئة من مقاتلي الجيش الفرنسي، ثم تهميشهم وهضم حقوقهم، ليس لشيء سوى لأنهم ليسوا فرنسيين. وعقب ذلك، أمر شيراك بإنصاف جميع قدماء المحاربين المنتمين للمستعمرات والمحميات السابقة في صفوف جيش فرنسا، من خلال منحهم نفس مبلغ المعاشات والتعويضات عن العجز التي يستفيد منها زملاؤهم الفرنسيون.
سواء كان الحديث عن الفيلم الفرنسي "إنديجين" أو الفيلم الهندي "حياة الماعز"، فكلاهما يعبران عن جانب الشر أكثر من جانب الخير، الذي تضمنته أطوار كلا الفيلمين من خلال مشاهد أخرى أكثر إنسانية بالنسبة للجندي والراعي. لكن، للأسف، في فيلم "حياة الماعز"، تعمد منتجو هذا الفيلم تهميش أهمية الخير وتوجيه المشاهد إلى مقاطع أخرى أكثر وحشية من وقائع القصة الحقيقية التي تناولها الفيلم.
ومع ذلك، من الطبيعي أن ينتصر الخير على جبروت الظلم، وهو ما تمحور حوله المشهد الأخير من فيلم "حياة الماعز"، حيث حمل المشهد أكثر من خطاب رغم ما قيل وما زال يقال عن هذا الإنتاج السينمائي الهندي.
ختامًا، فإن الفيلم هو دعوة، ليس فقط لدولة السعودية، لمراجعة قوانينها الوطنية المتعلقة بالهجرة وتشريعاتها الشغلية المرتبطة بعقود توريد العمالة الأجنبية، ولكنه أيضًا دعوة للعديد من بلدان الخليج والشرق الأوسط، بل دعوة إلى الغرب نفسه، الذي أصبح في مرمى أصابع الاتهام بشأن وضعية العمال المهاجرين وأسرهم، ووضعية العديد من المهاجرين الذين يتم استغلالهم، بل وحتى وقوعهم بين يدي عصابات الاتجار بالبشر والرقيق الأبيض وعصابات الاتجار بالأعضاء البشرية من خلال عقود شغل مزيفة.
هذا هو الجانب الخفي من وقائع حقيقية تناولتها عدة إنتاجات سينمائية دولية، إلا أنها لم تكن لتلقى هذا اللغط الكبير والهجمة الشرسة التي تتعرض لها اليوم المملكة العربية السعودية، وهي تشق طريقها نحو مجتمع الحداثة والتطور واحترام حقوق الإنسان. فاستغلال النفط، عصب الاقتصاد السعودي وسر ثرواته، لم يجلب لهذه المملكة الأموال والعمالة الأجنبية فقط، من العامل البسيط (النادل والراعي) إلى الكفاءات العالية التكوين (المهندس والطيار)، وإنما جلب لها كذلك أفكارهم وقيمهم وثقافتهم، والتي يجب مراعاتها كحق من حقوق الإنسان في تطوير وتجديد ترسانتها القانونية.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محامٍ وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.