بعد إصدار تقريرهم السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، والذي شمل المغرب كذلك، وجهت عدد من الاتهامات لمنظمة العفو الدولية، من طرف الحكومة المغربية، أبرزها أن "تقاريرها متحاملة وانتقاية وتوظف بشكل سياسي". في الجزء الأول هذا الحوار يجيب محمد السكتاوي، مدير عام "أمنستي أنترناسيونال - المغرب"، على الاتهامات التي وُجهت إليهم، ويكشف الطريقة التي تتم بها صياغة التقارير، كما يتحدث عن سبب الأزمة بينهم وبين الحكومة المغربية، ويتطرق كذلك للخلفيات التي جعلتهم يذكرون في تقريرهم استمرار حالات التعذيب في المغرب، ومقترحاتهم بهذا الشأن.
*كلما أصدرتم تقريرا في منظمة العفو الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، تخرج الحكومة لوصفه بـ"المتحامل وأنه لا يعكس الواقع"..لماذا برأيك؟
هذا الأسلوب اعتدنا عليه مع كل الدول التي ننتقد سياساتها في مجال حقوق الإنسان وليس مع المغرب فقط. وهذا نوع من التكتيكات للتهرب من مقاربة المشاكل بشكل مباشر وصريح وحقيقي، عن طريق إلقاء اللوم على الآخر، وأعتقد أن هذا الأسلوب لا يخدم حقوق الإنسان.
ما يحصل في المغرب من احتجاجات وانتفاضات للمواطنين بين الفينة والأخرى، ضد الأوضاع التي يعيشونها، نتيجة لمظالم حارقة، هذه الأخيرة يجب أن نبحث عن أسبابها لاستئصالها، عوض مواجهة تقارير المنظمات الحقوقية الدولية مثل منظمة العفو الدولية.
نحن نعتمد على وثائق ومعطيات واقعية وموثوقة، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، ونحن نمنحها فرصة إبداء رأيها، وعليها أن تقوم بذلك وفق منظور واقعي.
*لكن هناك إشارة لعدد من الممارسات التي تصفونها بالتجاوزات تكررت أكثر من مرة في تقريركم الأخير، على سبيل الذكر لا الحصر ادعاءات التعرض للتعذيب، من يقرأ تقريركم يعتقد أن التعذيب لا يزال ممنهجاً في المغرب لانتزاع الاعترافات داخل أقسام الشرطة؟
لم نقل في هذا التقرير ولا في غيره على أن التعذيب ما يزال سياسة ممنهجة في المغرب، ولكن لازلنا نرى أن امتدادات سنوات الرصاص مستمرة في الإلقاء بظلالها على حاضرنا، من خلال بعض الممارسات التي ما زالت قائمة ولا يختلف فيها اثنان.
مثلاً، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال رصده لحراك الريف وما صاحبه من انتهاكات، سجل، أن هناك مظاهر وحالات للتعذيب.
اقرأ أيضاً: تقرير.. "أمنستي أنترناسيونال" ترسم صورة قاتمة لحقوق الإنسان والحريات بالمغرب
* تقرير المجلس لم يصدر إلى اليوم بشكل رسمي، ومسؤولوه يقولون إنهم ينتظرون صدور كل الأحكام بحق معتقلي الحراك لإصداره
صدر تقرير ولم يخرج للعلن، وكان هناك نقاش بشأنه على نطاق واسع، وأثار جدلاً جر بيانات وأخرى مضادة لها.
*أنت تتحدث عن موضوع تسريب مضمون الخبرة الطبية حول ادعاءات تعرض المعتقلين للتعذيب خلال استنطاقهم وليس التقرير بشكل شامل
نعم. المهم أن وجود حالات التعذيب مستمرة في المغرب، ووزير الدولة المكلف لحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، بدوره يقر بذلك، وهذا ما نقوله نحن كذلك، ولم نقل إن المغرب يتخذ من التعذيب سياسة ممنهجة.
*هل يمكن أن تعرض علينا حالات أو مظاهر للتعذيب لاتزال مستمرة في المغرب كما ذكرت سلفا؟
كما قلت التعذيب جزء من ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان التي لم يقطع معها المغرب بشكل نهائي.
*نريد أن تتحدث لنا عن حالات
بشأن التعذيب في المغرب، سبق لنا أن سجلنا بالأسماء والأرقام خلال حملة عالمية أطلقناها قبل سنتين، حالات تعذيب عديدة تضمنها تقريرنا الخاص بهذا الشأن، وكان هذا التقرير سببا في خلق أزمة وتوتر في العلاقات بين منظمة العفو الدولية والحكومة المغربية. وتضمن التقرير توصيات، تم إقرار جزء منها في المغرب، رغم أنه لم يرقهم.
بشأن التعذيب في المغرب، سبق لنا أن سجلنا حالات بالأسماء والأرقام خلال حملة عالمية أطلقناها قبل سنتين
حينما نتحدث اليوم بعد التقرير الذي أصدرناه، عن تسجيل حالات تعذيب أخرى، نعتمد بالأساس على ما ادعاه المعتقلون، خاصة الذين اعتقلوا في حراك الريف، وباقي الحركات الاحتجاجية في مناطق متعددة.
اقرأ أيضاً: خطة الرميد لحماية حقوق المغاربة بين 2018 و2021
ولم نقف عند حد الإشارة إلى حالات التعذيب التي ادعاها المعتقلون، بل وجهنا طلبا إلى الحكومة المغربية، بأن تكون هذه الادعاءات محط نظر من طرف القضاء وتحقيق نزيه ودقيق، للتأكد من صحة هذه المزاعم. لكن من المؤسف أن القضاء في ملف حراك الريف أصدر أحكام قاسية ضد أشخاص ادعوا أن ما تضمنته محاضرهم من اعترافات انتزعت تحت التعذيب، وكان على الحكومة والقضاء بالأحرى ضمان حقوق هؤلاء المتهمين، وأن تفتح تحقيقا عميقا مستقلاً في ادعاءاتهم.
لا يكفي أن ننفي الأشياء فقط، لأن ذلك يجب أن يكون مبنيا على تحقيق عميق يقنع الحركة الحقوقية والمواطنين وينصف الضحايا.
*دائما في ما يتعلق بادعاءات التعرض للتعذيب، عدد من الذين تم إدانتهم من طرف القضاء عرضوا على الخبرة الطبيبة، وقالت هذه الأخيرة كلمتها، واليوم في المغرب هذا السيناريو هو المتاح فقط. إذن هل تقترحون آلية أخرى للتأكد من صحة ادعاءات التعرض للتعذيب من عدمها؟
ما طرحته مسألة وجيهة، وكان لنا نقاش مع وزارة العدل والحريات في عهد المصطفى الرميد، حول هذا الموضوع، وطرحنا أن نعرض من ادعوا التعرض للتعذيب على خبراء محايدين، أي أن لا يتم اللجوء إلى الخبراء الذين يتم تعيينهم من طرف السلطات أو القضاء للنظر في صحة تعرض المعتقلين للتعذيب.
واقترحنا أن تكون الحركات الحقوقية شريكا في هذه العملية، للنظر بشكل مستقل في هذه المزاعم التي تتردد أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من ضحية، لكن مقاربة الحكومة اختارت شيئا آخر، وطلبت بأن نقدم لها اقتراحات بأسماء أطباء من المغرب يشرفون على الخبرة الطبية في ادعاءات التعرض للتعذيب، وقلنا لهم إنه من الصعب ضمان حرية الطبيب في إجراء خبرة طبيبة تجاه هذه الادعاءات.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان قام بانتداب أطباء مغاربة لمعاينة ادعاءات حالة التعذيب، لكن تم الطعن في خبرتهم
هنا، أقدم لكم دليلاً بما وقع في حالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وما سرب من تقريره حول الانتهاكات الحقوقية التي رافقت حراك الريف. المجلس قام بانتداب أطباء مغاربة لمعاينة ادعاءات حالة التعذيب، لكن تم الطعن في خبرتهم، وأكثر من هذا، اعتبر عملهم نوعا من الاختراق لمجال ليسوا أهلا له.
اقرأ أيضاً: الرميد3/3: "التعذيب" لازال موجودا في المغرب.. وهذه آلية التصدي له
لذلك، ما نطالب به لتجاوز هذا الجدل والنقاش العقيم، هو إخراج الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، على أساس أن تكون قوية في قرارها ومستقلة في عملها وتمويلها ويفتح لها المجال لمراقبة كل أمكان الاحتجاز والاعتقال والتحقيق، وأن يعمل فيها أشخاص لا شبهة فيهم ومشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية والموضوعية والحياد أيضاً، لأنه هذه المسؤولية جسيمة.
الآن ننتظر بعد صدور الظهير الذي ينظم عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في نسخته الجديدة المرتقبة، أن تكون آلية الوقاية من التعذيب قوية، لأن هذا الأمر مستعجل ولا يحتاج التماطل، كي ندشن القطع مع الاتهامات المتبادلة بين الحركة الحقوقية والحكومة حول صحة ادعاءات التعذيب من عدمها، والكرة الآن في ملعب الحكومة.
*هل ترون أن تجهيز مقرات التحقيق والاحتجاز بكاميرات مراقبة توثق بالصوت والصورة كل تفاصيل التحقيق مع المعتقلين والموقوفين كفيل بالقطع مع بروز ادعاءات بالتعرض للتعذيب؟
أتفق معك، وهذا كان جزء من توصياتنا التي تقدمنا بها للحكومة خلال حملتنا لمناهضة التعذيب، وقلنا لهم يجب أن تجهز مقرات الشرطة وأماكن الاحتجاز بكاميرات لتسجيل كل التحقيقات التي تجرى مع المتهمين، وطالبنا في الوقت ذاته، أن يحضر المحامي منذ اللحظة الأولى للاعتقال، لأن التعذيب دائما يحصل بعيدا عن الأعين.
للأسف حضور المحامي منذ اللحظة الأولى للاعتقال لا يتم العمل به في جميع الحالات، وهناك وقائع كثيرة تؤكد ذلك.
*تقريركم الأخير لم يتضمن أي إشارة لوجهة نظر مؤسسات الدولة حول ملفات انتهاك حقوق الإنسان التي أثارها. ما يدفعنا للسؤول عن وجود إمكانية لديكم للوصول مثلاً إلى ملفات وتقارير حراك الريف، على اعتبر أنه القضية الأكثر إثارة للجدل اليوم، وتحتاجون وجهة النظر الرسمية لتكتمل عندكم الصورة؟
منهجنا كان دائما وسوف يظل، بعيدا عن انتقاد الحكومات فقط، بل وضع سجل حقوق الإنسان تحت المجهر، وتقديم توصيات ومقترحات لمساعدة البلد المعني على تغيير ممارساته بشكل يتوافق مع التزاماته الدولية وكل العهود والمواثيق التي وقع عليها اختيارياً.
للأسف حضور المحامي منذ اللحظة الأولى للاعتقال لا يتم العمل به في جميع الحالات، وهناك وقائع كثيرة تؤكد ذلك
وجزء من منهاجيتنا كذلك، أننا لا نعتمد على تصريحات الضحايا وعائلاتهم فقط، أو المعاينة على أرض الواقع في حالات الاحتجاجات، بل نستند في إعداد خلاصاتنا على تقارير أجهزة الحكومة بكل أصنافها وتفرعاتها، لكن هنا إذا ما أتيحت لنا الفرصة، ودائما قبل أن نصدر أي تقرير نحرص بشكل تام على أن نستمع أولاً للحكومة وأجهزتها، ثم نعرض خلاصاتنا عليها لإبداء الرأي، وغالبا ما ندمج رأيها في التقرير قبل إصداره.
لكن في ما يتعلق بحالة المغرب، بعد الأزمة التي خلقها تقريرنا حول التعذيب مع الحكومة، أوقفت هذه الأخيرة تواصلها معنا، وتم منعنا كذلك من إجراء أبحاث ميدانية حول انتهاكات حقوق الإنسان. إذن منذ سنتين تقريباً لم تتح الفرصة للباحثين الدوليين كي يدخلوا المغرب لإجراء أبحاثهم.
قيل لنا إن باب المغرب اليوم مفتوح، لأن هذا هو المفروض في الدولة التي تعلن أنها تحترم حقوق الإنسان، لكن ننتظر أن يتحول القول إلى فعل، لأن لا شيء يمكن إخفاؤه، ونحن نريد أن تتاح لنا الفرصة من جديد للاشتغال مع الحكومة بشرط أن يكون عملنا بشكل حر ومستقل لمراقبة ورصد أوضاع حقوق الإنسان.
إذن، حسب ما ذكرته، نحن نعتمد اليوم بالأساس، على ما يصدر عن الضحايا والعائلات والمحامين والصحافة الوطنية، وأيضا ما نتابعه خلال اجراء المحاكمات، لإصدار تقاريرنا. ويمكن أن أقول إنه لم تتح لنا منذ بداية الأزمة مع الحكومة، أن ننجز تقريراً كاملاً حول حقوق الإنسان.
اقرأ أيضاً: تقرير دولي ''صادم'' حول وضع حقوق الإنسان بالمغرب.. والرميد يرد: هناك تجاوزات لا تقبل التهويل
*من بين الملاحظات التي تواجهكم بعد اصدار تقاريركم، هي تعاملكم بانتقائية مع الدول، وأن تقريركم بشأن المغرب سياسي وليس حقوقي، ويتم توظيفه على هذا الأساس.
سوف أطرح حالة هنا تبين كيف يمكن لبعض الدول أن تستثمر سياسيا تقارير منظمة العفو الدولية والمنظمات الدولية الحقوقية الأخرى. خلال فترة حكم صدام حسين في العراق، كنا نتابع أوضاع حقوق الإنسان ونصدر تقارير بشأن البلد، فعلا كانت هناك دول توظفها سياسياً، ووظفها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق جورج بوش الابن لتبرير وتغطية عدوانه على العراق، وهذا الأمر لا نتحكم فيه.
عندما نصدر تقريراً لا نتحكم في مآله، وكيف يمكن أن يتلقاه المجتمع الدولي، وكيف سوف يتعامل معه. نفس الشيء، عندما نصدر تقريراً هنا في المغرب بخصوص بعض البلدان التي هي على خلاف مع المملكة، نجد أن الحكومة المغربية تشيد بعملنا، بل أكثر من هذا، يطرح تقريرنا للنقاش الوطني في التلفزة الرسمية والصحافة. لذلك لا يمكن أن نتحكم في التوظيف السياسي للتقارير التي تصدر عنا، وهذا أمر خاضع للنظر الدقيق الذي يميز بين الصواب والخطأ على المستوى الدولي.
عندما نصدر تقريراً لا نتحكم في مآله، وكيف يمكن أن يتلقاه المجتمع الدولي، وكيف سوف يتعامل معه
نحن نؤكد على منهجنا الحيادي واستقلاليتنا وتعاملنا بمسافة واحدة مع جميع الدول. عندما نرصد أوضاع حقوق الإنسان، بل أكثر من هذا، لا نقارن بين الدول، لأن همنا ليس وضع النقط للدول كما تفعل منظمات حقوقية دولية أخرى، لأن شأننا ليس من هو في المقدمة ومن هوفيآخر الركب، بل شأننا الأساسي هو أن نكون إيجابيين في التعامل مع البلدان التي نرصد أوضاع حقوق الإنسان بها، في اطار التعاون، والهدف هو الوصول إلى مرحلة أفضل.
خلال إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، ساهمنا وساعدنا وقدمنا خبرتنا، كي تنجح، وكي تكون في مصاف التجارب الدولية الأخرى من هذا النوع.