لا يتحدث محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في هذا الحوار لغة الخشب، بل يسمي الأشياء بمسمياتها؛ يعترف أن بيننا وبين الدولة الديمقراطية مسافات ضوئية، ويبرز أن التدرج في المطالبة ببعض حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، ضروري، لوجود سياق ثقافي واجتماعي، لا يجعل بالإمكان أكثر مما كان.
سؤال: ما هو موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان تجاه الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي يمنع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؟
جواب: لابد أن يعلم الجميع أن منظومة حقوق الإنسان هي منظومة تدرج، ونحن لدينا أولويات أساسية، إذ لم نمتع المغاربة، إلى حد الآن، بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وموضوع الحريات الفردية، في المغرب، يصطدم بعوامل سوسيوثقافية. في فرنسا، زواج المثليين تم تبريره بعد ثلاثين سنة من النقاش، وأمام معارضة شديدة من طرف الكنيسة واليمين الفرنسي، وبالتالي لا يمكن لنا، نهائيا، أن نقارن بلدنا مع بلدان سبقتنا بمسافات ضوئية في مجال الديمقراطية.
هناك قضايا تشكل مصدر توتر في بلادنا، ويتعلق الأمر بحقوق المرأة وحرية العقيدة والحريات الفردية، وكذا كيفية مواجهة الفكر الإرهابي وإلغاء عقوبة الإعدام، هذه القضايا تحدث نوعا من الشرخ الاجتماعي، وبالتالي يتطلب الأمر وقتاً وإنضاجا للظروف والشروط. والمشرع الدولي يعي تماما هذه المسألة، ولذلك فهناك أجيال في حقوق الإنسان.
لا يمكن أن نقول اليوم، إن هناك وعيا بيئيا في بلادنا، لأن الموضوع قد يعتبر ترفا لدى عدد من الناس الذين لا يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، فما بالك بتعديل الفصل 490 من القانون الجنائي، وإقرار العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج.
لا يمكن لنا، نهائيا، أن نقارن بلدنا مع بلدان سبقتنا بمسافات ضوئية في مجال الديمقراطية.
سؤال: بغض النظر عن كون الوضع في المغرب، حاليا، يسمح بها أو لا يسمح، ما هو رأي المجلس في هذه العلاقات؟
جواب: نحن بصدد إصدار تقرير حول الحريات الفردية. وسنعلن عن مضمونه، إما من خلال ندوة صحفية، أو عن طريق نشره، لتعميم الفائدة على المتتبعين والرأي العام المغربي بصفة عامة.
سؤال: بشكل مباشر، هل المجلس مع أم ضد العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؟
جواب: من الصعب القول هل نحن مع أم ضد العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. فحقوق الإنسان تحتمل التدرج، وحركة حقوق الإنسان هي حركة إصلاحية، وليست حركة جذرية وراديكالية. نحن نتعامل مع معطيات الواقع والميدان، من أجل إصدار مواقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وحينما تحدث المجلس عن المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، كان ذلك مبنيا على أساس دراسة ميدانية، خصت ثلاثة قطاعات أساسية، وهي: التشريع والتربية والتكوين والتشغيل، واستنتجنا أن هناك تحولات مجتمعية كبيرة طالت وجود المرأة في المجتمع المغربي؛ فهناك ما يزيد عن مليون امرأة مغربية هي المعيلة الوحيدة للأسرة، وبالتالي اقتضى الأمر أن نتقدم بتوصية، من باب الإنصاف، في اتجاه تغيير قواعد الإرث، والتنصيص على المساواة بين الرجل والمرأة على هذا المستوى.
ولكي تتم الاستجابة لتوصيتنا، يتطلب الأمر الوقت، من أجل إيجاد قناعة مشتركة وجماعية لدى مختلف الفاعلين، بما في ذلك المؤسسات العلمية لرجال الدين.
سؤال: يعني إذا كانت الظروف تسمح، فلا مشكل للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في ممارسة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؟
جواب: طبعا.
سؤال: أفادت مصادر إعلامية إسبانية أن إسبانيا تلقت 70 طلب لجوء من قبل مثليين، 95 في المائة منهم مغاربة، وأن ما بين 60 و65 مغربيا مثليا تسللوا إلى مليلية، مبررين ذلك بكونهم يضطهدون في المغرب. فما هو رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في قضية المثليين المغاربة؟
جواب: أولا، نحن مطلعون على خبايا موضوع اللجوء، وبالتالي فهذه الأرقام مضخمة، وأي مغربي يريد الإقامة في الخارج يدعي أنه مثلي، ويتعرض للاضطهاد. في المقابل، شهدت بلادنا أحداثا تم فيها اضطهاد مثليين من طرف ما سُمِّيَ بقضاة الشارع، وليس من طرف القوات العمومية. إذن لابد من استحضار هذه الملاحظات.
ثانيا، نحن ضد أي تمييز أو اضطهاد على أساس الميول الجنسي، لكن القول إن هناك نسبة كبيرة من المثليين المغاربة الذين يطلبون اللجوء إلى إسبانيا، فهذا غير صحيح على الإطلاق، لأننا نتوفر على معلومات مهمة جدا في هذا الجانب، تشمل، كذلك، طالبي اللجوء السياسي، الذين لم يكن لهم أي ارتباط بالحركات السياسية في بلادنا، ويتقدمون بطلبات من هذا النوع، وهذا الأمر لا يسري فقط على المغاربة، ولكن على عدد من بلدان الجنوب أيضا.
سؤال: ما هي الأدوار التي يلعبها المجلس الوطني لحقوق الإنسان لحماية المثليين في المغرب؟
جواب: هذه الحالات محدودة جدا، ولا تعبر عن حاجة مجتمعية ضاغطة.
عوامل سوسيوثقافية تعيق، بهذا القدر أو ذاك، الاعتراف بالحقوق والحريات
سؤال: كيف ذلك وبلدنا يشهد تعنيف مثليين مغاربة، نذكر منهم، على سبيل المثال، مثلي فاس الذي اعتدي عليه من قبل مواطنين مغاربة في الشارع العام؟
جواب: هناك عوامل سوسيوثقافية تعيق بهذا القدر أو ذاك، الاعتراف بالحقوق والحريات. ونحن نَتَّبِعُ المزاج العام للمواطنين؛ مثلا الإفطار جهرا في رمضان، يمكن أن يجعلك تُعَنَّفُ من قِبَلِ مواطنين، في حين يمكن أن تفطر أمام شرطي، ولن يقوم بضربك أو تعنيفك، بمعنى أن الأمر يتطلب منسوبا من الوعي، وهذا لا يتأتي بين ليلة وضحاها بل يتطلب وقتا.
أرى أن التربية على حقوق الإنسان والديموقراطية والحق في الاختلاف، مواضيع أساسية ومهمة جدا. ولازال، إلى حد الآن، ينتظرنا عمل كبير على مستوى تمثل المغاربة وإدراكهم لقيم ومعايير حقوق الإنسان.
سؤال: وما هي توصيات المجلس من أجل الوصول إلى هذا الوعي؟
جواب: نحن أنجزنا دراسة، لم يتم نشرها إلى حد الآن، تتعلق بتمثل المواطنين لمنظمومة قيم حقوق الإنسان. والدراسة نتجت عن مسح ميداني شمل كل جهات المملكة.
سؤال: هل يمكن أن تزودنا ببعض التفاصيل حول هذه الدراسة قبل نشرها؟
جواب: الدراسة كشفت عن ضعف في تملك حقوق الإنسان من طرف المواطنين المغاربة، وهذا الأمر يفرض علينا تحديات كبرى، ويسائلنا جميعا؛ المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووسائل الإعلام العمومية والجامعة المغربية ومنظومة التربية في بلادنا، بمعنى أنه لا زال هناك مجهود ينتظرنا في هذا الباب، من أجل أن يتملك المواطنون المغاربة قيم حقوق الإنسان.
سؤال: ما هي التدخلات التي يقوم بها المجلس، لإيقاف احتجاز وتعذيب خادمات مغربيات في بعض بلدان الخليج العربي؟
جواب: نحن ضد أي استغلال. وفيما يتعلق بتعرض خادمات مغربيات للاحتجاز والتعذيب في الخليج العربي، فوزارة الخارجية المغربية هي المسؤولة عن ذلك أكثر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأن هناك سفارات مغربية في جميع بلدان الخليج، بينما ليست هناك فروع للمجلس في هذه الدول، وبالتالي فوزارة الخارجية هي من عليها أن ترعى مصالح وحقوق المواطنين المغاربة في هذه البلدان.
سؤال: لكن المجلس يتوفر على مديرية للتعاون والعلاقات الدولية. إذن ما هو الدور الذي تلعبه على هذا المستوى؟
جواب: وزارة الخارجية هي من تتحمل حماية المواطنين المغاربة الموجودين في الخارج. ونحن ليست لدينا الإمكانيات للقيام بذلك؛ ''حْنَا طَفْرْنَاهْ حْتَّى فْالْمَغْرِبْ، عَادَا نْمْشِيوْ لْخَارِجْ''.
سؤال: في معبر سبتة، هناك نساء يحملن، فوق ظهورهن، البضائع المهربة من هذه المدينة، لإدخالها إلى المغرب، الأمر الذي يفضي، أحيانا، إلى موت البعض منهن بسبب التدافع بينهن. فما هو رأيكم في هذه المسألة؟
جواب: في المغرب ليست لدينا فرص شغل، ولذلك نلجأ إلى الاقتصاد غير الرسمي، وبالتالي هذه مسؤولية الدولة، لأنها لا توفر فرص الشغل لهؤلاء الأشخاص الذين يشتغلون في هذا النوع من التهريب، الذي يعد مكلفا، بالنسبة للمغرب وإسبانيا، من الناحية الضريبية.
سؤال: يعني المجلس يُحَمِّلُ المسؤولية في هذا الشأن للحكومة المغربية؟
جواب: طبعا، لأنه لو كانت هناك فرص شغل، لما لجأ هؤلاء الأشخاص إلى التهريب وإلى عمل غير مشروع.
من ينتظر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يقوم، لوحده، بتغيير الأوضاع، فهو يعيش في الأوهام.
سؤال: وما هي التوصيات التي تقدمونها في هذا الباب؟
جواب: ليست لدينا توصيات في هذ الموضوع، لأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليس بإمكانه حل جميع المشاكل، والتطرق إلى كافة المواضيع، والإدلاء بآراء فيها.
نحن مؤسسة وطنية تشتغل وفق اختصاصاتها في قضايا محددة، وتقدم آراء استشارية فقط، ولسنا سلطة تنفيذية أو حكومة أو برلمانا، شأننا في ذلك شأن كل المؤسسات الوطنية ذات المصداقية في العالم. ومن ينتظر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يقوم، لوحده، بتغيير الأوضاع، فهو يعيش في الأوهام.
هناك مشاكل على مستوى مناصب الشغل حسب ما تنص عليه ميزانية الدولة المغربية سنوياً، ولدينا بطالة تشمل عددا من الخريجين وأصحاب الشواهد العليا. إذن لدينا معضلة اجتماعية حقيقية، لا بد من إيجاد مخارج لها.
من جهة أخرى، المغرب ليست لديه موارد استثنائية؛ نحن لسنا بلدا بتروليا، ومواردنا محدودة جدا، والدولة في العالم كله لم تعد هي المصدر الوحيد للتشغيل، لذلك، على القطاع الخاص في المغرب بذل مجهود في هذا الاتجاه، لأن التغلب على موضوع البطالة وإيجاد فرص شغل هو مسؤولية الجميع.
سؤال: ما رأي وتدخلات المجلس فيما يخص الحكم على مغاربة بالإعدام في العراق؛ ما هي التحركات التي تقومون بها، لكي يسجنون ويعاقبون في ظروف تحترم فيها حقوق الإنسان؟
جواب: أولا الأحكام بالإعدام هي أحكام صادرة عن القضاء، وكونها صائبة أم غير صائبة، فنحن ليست لدينا الصلاحية للتعقيب على أحكام دولة أجنبية. كما ليس لدينا الحق في التعقيب حتى على الأحكام الصادرة عن القضاء المغربي، فما بالك بتلك الصادرة عن دول أجنبية.
في هذا السياق، وزارة الخارجية هي التي يجب أن تهتم بهؤلاء المعتقلين وزيارتهم، من خلال القنصليات والسفارات، وتتطلع على أوضاعهم ومشاكلهم، وطبعا يمكن أن تبرم عددا من الصفقات السياسية أو الاتفاقيات القضائية، لتخفيف مدد عقوباتهم السجنية، أو تسليمهم إلى المغرب.
مغاربة العالم كثيرون، والمجلس لا يمكنه تتبع أوضاعهم الحقوقية في النرويج والدانمارك وجنوب إفريقيا وإفريقيا الوسطى والهند وأستراليا. خلاصة القول، السفارات هي المكلفة بهذا الأمر.
كل هذا لا يمنع من القول، إننا تدخلنا في بعض الحالات التي تخص أشخاصا استنفدوا عقوباتهم السجنية في العراق ولم يفرج عنهم، ونجحنا في إرجاع عدد منهم إلى المغرب، وهذا العمل قمنا به إلى جانب وزارة الخارجية المغربية.
سؤال: هناك أندونيسيين وأفارقة في المغرب، بعضهم يشتغلون لدى أشخاص نافدين، يتعرضون لـ"التعذيب" حسب ما أفادت به تقارير حقوقية وشهادات نشرتها الصحافة؟
جواب: في مت يخص العمال والعاملات المنزليين من أصول آسيوية، لا أعلم إذا كانوا يوجدون لدى أناس نافدين أم لا، ولكن أعلم أنهم يشتغلون في المغرب لدى أسر مغربية، ولا أقدر أن أقول إذا كانت هذه الأسر نافدة أو غير نافدة.
ولا توجد أسرة مغربية ستجلب شخص من آسيا ليشتغل في منزلها، إلا ولديها إمكانيات مالية ومادية، وليس كل من لديه هذه الإمكانيات بالضرورة نافد؛ ميلود الشعبي كان ثريا، ولكن لم يكن نافدا.
هؤلاء الآسيويين فعلا موجودون في المغرب ويشتغلون، ونظمت عاملات من الفلبين في المغرب ندوة صحفية عن طريق نقابة وحضر سفير إندونيسيا في المغرب، وعرضوا معاناتهم أمام الرأي العام، وأمام الصحافة المغربية.
المجلس ضد أي حيف وأي اضطهاد، كما أنه ضد أي تمييز وعدم تمتيع هؤلاء العمال بحقوقهم التي يضمنها لهم القانون.