سؤال: أصدرت الإدارة العامة للأمن الوطني بلاغا "شديد اللهجة" بعد تسريب نتائج خبرة طبية حول تعذيب معتقلي حراك الريف أمر بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. من سرب تقرير الخبرة؟
جواب: كلفنا طبيبين شرعيين بإجراء معاينات وخبرات طبية على معتقلي الحراك الموجدين بالحسيمة، وأولئك المحالين على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، للجواب على سؤال واضح حول احتمال تعرضهم للتعذيب أثناء الاعتقال في الحسيمة، أوأثناء وضعهم تحت الحراسة النظرية من قبل الفرقة الوطنية. وهذا الأمر يدخل في مجال اختصاصاتنا؛ لكوننا مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، ولدينا اختصاص شبه قضائي فيما يتعلق بالبحث والتحري. ونظرا لما يكتسيه الموضوع من سرية، فقد بعثنا الخبرتين الطبيتين المنجزتين إلى الجهة المختصة، وهي وزارة العدل، باعتبارها كانت هي المشرفة على النيابة العامة.
والخبرتان الطبيتان المذكورتان كانتا على سبيل الاستئناس فقط، لأن الخبرات التي يعتد بها هي تلك التي يأمر بها القضاء. وللأسف تم تسريبهما. وأنا متأكد بشكل مطلق من كون المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا يتحمل مسؤولية هذا التسريب، وقد سربتا من قبل جهات لا نعرفها لحدود الساعة.
بعثنا بمراسلة تخص هذا الموضوع، واتخذنا كافة الاحتياطات لكي تصل هذه الوثيقة إلى وزارة العدل، واتخذنا الحيطة والحذر، لكي لا تتوصل أي جهة أجنبية، أو لاعلاقة لها بالوزارة المذكورة، بالخبرتين الطبيتين.
سؤال: وما هو تعليقكم على مضمون بلاغ الإدارة العامة للأمن الوطني والانتقادات التي وجهت للمجلس؟
جواب: بلاغها في تقديري طبيعي، لم تَرِدْ فيه أي عبارات تَنْحُو نحو التصعيد. والإدارة المذكورة اعتبرت المراسلة التي سربت وثيقة غير رسمية، وهذا صحيح، لأن الوثائق الرسمية الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هي تلك التي يَبْعَثُ بها المجلس إلى القطاعات الحكومية أو ذات الصلة بالحكومة.
سؤال: كيف تعتبرون بلاغ الإدارة العامة للأمن الوطني "طبيعيا"، في المقابل اعتبر الخبرتين الطبيتين المنجزتين من قبل مجلسكم غير موضوعيتين، مبررا ذلك باستنادهما على آراء أطراف معينة دون أخرى؟
جواب: أولا، نحن اعتمدنا على ذوي الاختصاص، من أجل إنجاز الخبرتين الطبيتين المذكورتين، وهما من أجل الاستئناس فقط، وبالتالي كان يتعين على النيابة العامة، سواء في الحسيمة أو في الدار البيضاء، إنجاز خبرات مأمور بها من طرف القضاء، من خلال الاستعانة بأطباء اختصاصيين في الطب الشرعي.
مؤسستنا تمارس اختصاصاتها المخولة لها بمقتضى الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان. عملنا قد يزعج البعض، لكن نحن متأكدون من كوننا نلتزم بمبدأي الحياد والموضوعية في التقارير التي ننجزها، ويُشْهَدُ لنا بذلك، ليس فقط من طرف الحكومة المغربية، بل أيضا من قبل عدد من الشركاء الأجانب، وعدد من المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة.
عملنا قد يزعج البعض، لكن نحن متأكدون من كوننا نلتزم بمبدأي الحياد والموضوعية في التقارير التي ننجزها
سؤال: كيف عالج المجلس الوطني لحقوق الإنسان الشكايات التي توصل بها من طرف أسر معتقلي الريف؟
جواب: منذ موت المرحوم محسن فكري، نتابع الوضع في الريف عن قرب، من خلال اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في جهة الحسيمة، وأيضا من خلال أطر المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مستوى المركز. وقمنا بزيارات متتالية إلى المنطقة. واستمعنا إلى عدد من الفاعلين المجتمعيين، وأسر المعتقلين، ومحامييهم. ونحن بصدد إنجاز تقرير حول أحداث الحسيمة، منذ موت محسن فكري إلى غاية صدور تقريرنا.
سؤال: دعوتم شخصيا إلى إعطاء تراخيص لجمعيات مغربية ذات نزعة انفصالية. ألا ترون أن موقفكم هذا يتعارض مع التوجه الرسمي تجاه ملف الصحراء؟
جواب: أولا ليس هناك أي تعارض. وثانيا، الوحدة الترابية للمغرب قضية وطنية. وأعتقد أنه لا مجال للحديث عن الإجماع، لأن هذا الأخير ترفضه الطبيعة والكون. ومن المهم جدا أن نسطر على أن أغلبية الشعب المغربي، وكل الأحزاب السياسية المعترف بها قانونيا، وكل النقابات، وكل الفاعلين المجتمعيين والاقتصاديين، مع مغربية الصحراء. ولا يهم إن كانت هناك فئة قليلة قد يكون لها طرح آخر. ولا مشكل لدينا في أن يتم التعبير عن هذا الأمر بشكل سلمي، وفي إطار حرية الرأي والتعبير.
في هذا الصدد، ساهمنا من موقعنا، لحل مشكلة الاعتراف القانوني ببعض الجمعيات، علما أن قانونها يتضمن الضمانات الكافية لحماية العمل الجمعوي السليم، الذي لا يدفع نحو بعض المطالب، ومن بينها الانفصالية، التي قد تكون خارجة عن القانون، ولذلك فالنيابة العامة لها الحق في حَلِّ الجمعيات، بناء على مسطرة قانونية واضحة، كما لها الحق في تشميع المقرات، وبالتالي فالقانون يحمي الهيئات الرقابية، فيما يتعلق بالجمعيات التي قد يكون لها نزوع انفصالي.
سؤال: إذن أنتم مقتنعون بكون منح التراخيص لمثل هذه الجمعيات لَا يَمُسُّ بملف الصحراء؟
جواب: أبدا، لأننا نبين لأعدائنا، من خلال هذا التوجه، أن المغرب تعددي ومتنوع، وهذا أمر غير موجود في الجهات الأخرى، وتحديدا في مخيمات تندوف.
سؤال: كيف يتعامل مجلسكم مع ما وصف بانتهاكات حقوق الإنسان، التي يشهدها فض مختلف الأشكال الاحتجاجية التي تعرفها الصحراء المغربية، ونذكر منها، ما وقع خلال إخلاء مخيم "أكديم إيزيك"؟
جواب: نتعامل مع كل الأشكال الاحتجاجية المذكورة من خلال اللجنة الجهوية للمجلس الموجودة في العيون أو في الداخلة، إذ نقوم بتتبع الأوضاع، ونحاول أن نكرس تمتيع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم، بغض النظر عن انتمائهم العقائدي والسياسي وموقعهم الاجتماعي، وهذا ما تنص عليه المنظومة الحقوقية.
بالنسبة لمخيم أكديم إيزيك، تتبعنا المحاكمة، سواء أمام العسكرية أو محكمة الاستئناف بمدينة سلا، وكان لنا الفضل في رفع توصية تتعلق بتعديل قانون العدل العسكري في اتجاه أن لا يحاكم المدنيون، بصفة قطعية، أمام المحكمة العسكرية، وَتَمَّ حصر اختصاص هذه الأخيرة في جرائم الانضباط العسكري، والجرائم التي ترتكب أثناء الحرب، وهذا أمر غير مسبوق إقليميا وقاريا وعربيا وإسلاميا، إذ أنه لا يوجد هناك مقتضى ضمن المنظومة الحقوقية الدولية أو القانون الدولي لحقوق الإنسان وكذا القانون الدولي الإنساني، يمنع وجود المحاكم العسكرية، ولكن هناك مبادئ توجيهية تلزمها باحترام إجراءات المحاكمة العادلة، وتحديدا ما ورد في الفصل 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
سؤال: هل احترمت السلطات القانون خلال فض أو اخلاء المخيم؟
جواب: فض المخيم، في تقديرنا، وحسب ملاحظتنا، تم بطرق قانونية. السلطات قامت بإنذار المحتجين في المخيم، وطلبت إخلائه، وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات، وبعد عدم استجابة المحتجين، تدخلت السلطات من أجل فض هذا التجمع غير القانوني. في المقابل، كان هناك رد فعل قوي ووحشي من طرف محتجين ارتكبوا جرائم، أسفرت عن موت 13 ضحية في صفوف القوات العمومية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، وهذا أمر غير مقبول وغير معقول. وفي المقابل، لم يسقط أي قتيل في صفوف المحتجين.
بعد ذلك، تابعنا المحاكمات، وشاهدنا أشرطة فيديو عرضت أجزاء منها أمام المحكمة العسكرية، وأخرى عرضت أمام محكمة الجنايات، وذلك أمام أنظار الملاحظين الوطنيين والأجانب.
وحسب ما سبق وذكرته، تبين، بالصوت والصورة، مدى فظاعة الجرائم التي ارتكبت من قِبَلِ المعتقلين على خلفية أحداث "أكديم إيزيك". وكما يلاحظ، ففض التجمهرات يتم وفق القانون، وبنوع من التناسب بين أسلوب الاحتجاج وطريقة الفض. موقفنا هو أن العنف الذي استعملته القوات العمومية من أجل فض المخيم، لم يصل إلى حد الجرائم التي ارتكبت من قبل محتجين.
سؤال: إذن أنتم تؤيدون "العنف" الذي مارسته السلطات العمومية أثناء فض المخيم؟
جواب: طبعا. حينما يكون هناك تجمهر خارج القانون، فماذا ستفعل السلطات لتفريقه؟
حينما يكون هناك جمهور مسلح، يُمْكِنُ أن يُسْتَعْمَلَ السلاح، وحينما يكون هناك جمهور حامل للعصي، يُمْكِنُ استعمال القنابل المسيلة للدموع، وعندما يكون هناك جمهور غير مسلح، يُمْكِنُ استعمال التدافع من أجل إخلاء الساحات العمومية
سؤال: تستعمل العنف؟
جواب: طبعا. هناك عنف مشروع يوجد في كل البلدان الديمقراطية العريقة. وعندما أقول وجه للمحتجين إنذار أول وثاني وثالث، ولم يخلوا المخيم، فمن حق السلطات أن تتدخل. كما يجب أن يراعي التدخل مسألة التناسب؛ حينما يكون هناك جمهور مسلح، يُمْكِنُ أن يُسْتَعْمَلَ السلاح، وحينما يكون هناك جمهور حامل للعصي، يُمْكِنُ استعمال القنابل المسيلة للدموع، وعندما يكون هناك جمهور غير مسلح، يُمْكِنُ استعمال التدافع من أجل إخلاء الساحات العمومية، دون اللجوء إلى وسائل أخرى.
المتتبع لما حدث في ألمانيا أثناء اجتماع مجموعة السبعة، سيلاحظ أنه كان هناك عنف من قبل الشرطة الألمانية لتفريق عدد من المتظاهرين، معتبرة إياهم يتظاهرون خارج القواعد القانونية. ونفس الشيء وقع في إسبانيا، بعد اعتصام أشخاص، أثناء "الربيع الإسباني"، في مَدَارٍ مدريد.
إذن لا يمكن لأي كان أن يلجأ إلى التظاهر إلا وفق القانون. والتظاهر، في كل البلدان الديموقراطية، يحتاج إلى تصريح مكتوب وموقع من طرف ثلاثة أشخاص، يبرزون فيه شعار المسيرة، والطرق التي ستسلكها، لكي تتمكن القوة العمومية من القيام بالتغطيات الأمنية اللازمة. وهذا الأمر يوجد في الدول الديمقراطية العريقة، وليس استثناء مغربيا.