بسبب تغطية ندوة صحفية، جُلّد زملاء صحافيين، من قبل صفحات "فيسبوكية"!. وبقدرة قادر تحول الكل إلى أساتذة يقدمون دروسًا هنا وهناك حول الصحافة وأخلاقياتها، ودورها التثقيفي في المجتمع، وكونها المسؤولة الوحيدة، عن ما يعرفه المجتمع من عاهات واضمحلال وغياب للقيم الأخلاقية...
صور "غابة الميكروفونات" التي ظهرت المعنية "سعيدة شرف" وسطها، باعتبارها فنانة، أمر ليس بالجديد، حيث حدث ذلك في مجالات مختلفة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. ولكن الكل وقف عند هذه الصور، وانتقد وجلّد، وحمّل كل ما وقع ويقع في المجتمع "للحائط القصير"، الصحافة والصحافيين.
يوم أمس الأربعاء، كان يومًا مليئًا بالدروس، حيث اتفق الجميع على أهمية دور الصحافة في تلبية توقعات الجمهور مقابل مسؤوليتها الأخلاقية والاجتماعية. ولكن يجب على الجميع عدم نسيان الدور الكبير الذي يلعبه القارئ/ المشاهد في كل هذا.
تكشف الأرقام والإحصائيات عن عكس ما يُقال، وتتعارض مع الانتقادات الموجهة للصحافة. إذ نجد أن أخبار "البيبل" تجذب انتباه الملايين وتحقق مشاهدات خيالية سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو...
ولا بأس بتذكير الجميع، بأن دور الصحفي والصحافة، يكون في المقام الأول نقل الخبر من مصدره بموضوعية ومهنية، ويترك للقارئ/المشاهد حرية اختيار المحتوى الذي يرغب في متابعته.
وكما يتم نقل أخبار السياسة والمجتمع، هناك قسم داخل معظم المواقع الصحفية والجرائد، مختص بالفن، حيث يقوم هؤلاء الصحفيين بمتابعة أخبار الفنانين وجديدهم. وهذا هو المعمول به في أعتى المؤسسات الصحفية الدولية، مثل "The New York Times" و"BBC News" و"CNN Entertainment".
في تجربة صحفية واقعية وملموسة، أود أن أشير هنا إلى مثال. عندما كنت أعمل في مؤسسة صحفية، كنا نتابع يومياً مشاهدات المواد الصحفية الأكثر مشاهدة. وكان من الملاحظ أن خبراً بسيطاً يتعلق بـ"أخبار المشاهير" حول (بطمة أو حمزة مون بيبي أو سعيدة شرف) كان دائماً يتصدر المواد الصحفية الأكثر مشاهدة، بينما كانت أرقام الأخبار السياسية والاجتماعية والتقارير التي كان يتم إعدادها بجهد كبير وعناية خاصة، تظهر أرقاماً ضعيفة.
وبالتالي، اهتمام المؤسسات الصحافية بتلك الأخبار، وتسليط الضوء عليها يتفق مع مبدأ "الجمهور عايز كدا"، حيث يحظى المحتوى الذي يلبي توقعات الجمهور واهتماماته بأكبر نسبة مشاهدة.
وهناك من ينتقد بشكل أعمق، ويركز على دور الصحافة في تشكيل الوعي المجتمعي وتعزيز القيم الأخلاقية. وأنا هنا لا أختلف كثيرًا مع هذا الرأي، وأؤكد على أن الصحافة يمكن أن تكون شريكًا فعّالًا في عملية تشكيل الوعي المجتمعي. إذ يمكن للمحتوى الصحفي أن يسهم في بناء قيم المجتمع وتشجيع التفاعل الإيجابي، عبر نقل القصص الناجحة والتركيز على المبادئ الأخلاقية.
لكن يجب الاعتراف بأن الصحافة ليست المسؤولة الوحيدة عن الوضع الأخلاقي في المجتمع، إذ تتحمل المدرسة والأسرة القسط الأكبر منه. ومثال واضح على ذلك هو غياب هذه المؤسسات في التصدي للفضائح التي تحدث في تطبيق "تيك توك"، من مشاهد مخلة بالحياء، وتسول الدراهم عبر فيديوهات مباشرة، سعيا وراء الربح السريع. تحديات البيض والدقيق والزيت، والأدهى من ذلك شابات مغربيات في مقتبل العمر يتاجرن بأجسادهن على المباشر، استجابة إلى طلبات المتبرعين.
وفي سياق آخر، أتفق مع الفكرة التي تقول إن المجانية في الصحافة لن تقدم الجودة، ولن نتقدم لمصاف المحترفين، بل سنظل دائماً في دوري الهواة.
الاستقلالية التي ندعو إليها وتحسين محتوى الصحافة، تتطلب دعمًا ماليًا لتجنب الاعتماد الكامل على الإعلانات والبحث عن المشاهدات في يوتيوب بغض النظر عن المحتوى. وبالتالي، يمكن للجمهور أن يلعب دورًا أكبر في الحفاظ على الصحافة كسلطة رابعة قائمة على الاستقلالية والجودة.
فالعديد من وسائل الإعلام أفلست وهناك من يواجه تحديات مالية كبيرة نتيجة تراجع إيرادات الإعلانات. ولهذا السبب، يجب التحول نحو نهاية النموذج المجاني، من خلال فهم المشتركين لأهمية دورهم في تمويل وسائل الإعلام، مما سيحقق توازنًا بين مصالح الصحافة وتوقعات الجمهور.
وختاما، أقول: في السابق، كانت معايير النجاح للصحافة مقياسًا لجودة المحتوى والخدمة الاجتماعية. واليوم، تقاس النجاحات بأرقام المشاهدة والانتشار الرقمي. وهنا يظهر دور القارئ في توجيه اتجاهات الصحافة.