امتلاك طائرة خاصة في المغرب ليس رحلة استجمام مريحة، بل سباق ضد الزمن، من أجل ربح الوقت والمال. قطاع يشهد تطورا قويا ومستمرا، في ظل إكراهات، يواجهها المستثمرون والخواص.
توماس سافاج
''الوقت هو المال'' جملة قالها بينجامان فرونكلان، وتسير حياة رجال الأعمال والسياسيين والأشخاص المهمِّين وفقها. ولكي يستغل هؤلاء الوقت بشكل جيد، أصبح التنقل ومصاريفه من بين الانشغالات الأساسية التي تراودهم.
عندما يسرع الكل، وعندما يجب ألَّا تفوت غداء عمل في باريس، واجتماعا للمجلس الإداري مساء نفس اليوم في الدار البيضاء، وتوقيع عقد مهم صباح اليوم الموالي في أبيدجان، فالأمر تقنيا يمكن أن يتم لكن بمقابل مالي، يقدر بحوالي 35 ألف درهم للساعة الواحدة، وذلك من خلال السفر عبر "الطيران الخاص".
مؤخرا قامت الشركة الوطنية للاستثمارات بإعادة النظر في حساباتها، وفضلت إنشاء شركة طيران تابعة لها، خصصت حصريا لتنقلات مديري الشركات التابعة لـ''الهولدينغ'' الملكي، حسب ما ورد في موقع إفريقيا ''أنتيليجونس''. الشركة أطلق عليها اسم إفريقيا للطيران، ويسيرها عماد التومي، المدير العام لـ ''مناجم''. هذا الأخير يملك بدوره طائرة من نوع ''مُومْبَارْدْيِي شالينجر 300''. حسب مدة واتجاهات الرحلات الجوية، توجد حلول أخرى بديلة محتملة للاستفادة من هذه الرحلات الخاصة.
''ماي داي'' الشركات المغربية
التنقل عبر طيران الأعمال في تطور مستمر وقوي في المغرب منذ سنة 2010؛ إذ أنه في سنة 2011 ارتفع عدد المقبلين على هذه الخدمة إلى 34 ألفا و400 مسافر، وفي سنة 2014 كان العدد قد تجاوز الـ 50 ألفا، نصفهم تقريبا في مراكش، حسب ما صدر عن المكتب الوطني للمطارات. في المقابل، وفي نفس الفترة، تقلص عدد شركات طيران الأعمال في المغرب؛ كانت8 شركات في سنة 2011، لكن توقفت كل من ''إير مراكش، وإير الرباط، وأنفا دجيت، وميدي بيزنيس دجيت'' عن تقديم خدماتها الجوية، إلى جانب شركة ''داليا إير'' التي حُجِزَتْ طائراتها، وسجنت رئيستها في قضية خاصة، ولم تبق سوى ''إير أوسيون'' بأسطول مكون من ثلاث طائرات، و''ألفا إير'' بأسطول يضم خمس طائرات، اثنتان منهما ستسحب رخصتا طيرانهما في ساحل العاج.
''الخطوات والمتطلبات الإدارية في المغرب كثيرة جدا. وليس هناك أي حوار مع إدارة الطيران المدني، التي لا تسعى إلى إيجاد حلول موضوعية لإدماج المعايير الدولية التي تخص هذا المجال في المغرب. وفي المقابل، الطيران المدني في ساحل العاج هو من دافع عن ملفي أمام الجمارك''، يقول شكيب لحريشي، رئيس ''ألفا إير''.
''ليس هناك إطار تنظيمي خاص بطيران الأعمال في المغرب. وفقط شركة طيران في مستوى شركة الخطوط الملكية المغربية يمكنها تحمل الإطار التنظيمي الوحيد الخاص بالطيران المدني''، يصرح محمد المسعودي، المدير العام لـ ''إير أوسيون''، التي أقلعت طائراتها الأولى في شهر ماي سنة 2015. المسعودي ولحريشي يتفقان على كون أنشطتهما لا تسمح لهم بتحقيق أرباح كافية.
تطور هذه الوضعية أمر محتمل؛ فإدارة الطيران المدني كلفت مكتبا للاستشارات بمهمة إنجاز دراسة للوصول إلى مخطط وطني يجعل من المغرب رائدا في مجال طيران الأعمال. ''الإصلاحات الرئيسية التي تم التوصل إليها والواجب القيام بها لتطوير هذا المجال، تتمثل في تطوير البنى التحتية الحالية الخاصة بالطيران ومطابقتها لخصائص طيران الأعمال، وتعزيز المجال، وتوسيع قائمة الخدمات التي يقدمها الفاعلون فيه، وتسجيل المغرب في شركة الصيانة ''MRO''، وخلق إطار تنظيمي خاص بطيران الأعمال، وبنى تحتية ومطارات خاصة فقط بهذا الأخير''، يشرح طارق الطالبي، مدير النقل الجوي في وزارة النقل.
ما يحدث في الرحلات الجوية يبقى فيها
في انتظار إطار تنظيمي أكثر ملائمة ''فنحن نحاول البقاء على قيد الحياة، لأن 60 في المائة من رحلاتنا أهدافها صحية''، يقول المسعودي. عندما لا تُقِلُّ هذه الطائرات الخاصة رجال الأعمال المضغوطين بالوقت، فالأرائك الجلدية الواسعة تُعَوَضُ بناقلات صحية ينقل عبرها مرضى؛ خاصة من إفريقيا إلى المغرب، ومن المغرب إلى أوروبا، وأحيانا يتم ذلك بشراكة مع شركات التأمين.
''نحن أيضا فخورون بمساعدة امرأة شابة على إنجاب أطفالها الخمسة، علما أن عملية الولادة تمت في زاكورة في يناير سنة 2015 في ظروف معقدة''، يشرح لحريشي. وفي هذا الصدد أيضا تلقى الشركات المغربية الخاصة بطيران الأعمال منافسة قوية من قبل نظيرتها الأجنبية التي قَدِمَتْ إلى المغرب حاملة معها خدمات متنوعة.
من بين هذه الخدمات ''برايفت فلاي'' التي تجعل الزبناء في علاقة مع الطيارين الخواص، والتي عرفت ارتفاعا مهما على مستوى الحجوزات من المغرب بنسبة 42 في المائة ما بين سنتي 2015 و2016. ''لدينا الكثير من الطلبات الخاصة بالرحلات الصحية من المغرب في اتجاه فرنسا، لكن لدينا أساسا زبناء أعمال يرغبون أحيانا في العمل أو عقد اجتماعات خاصة على متن الطائرة. وبعض زبنائنا يسافرون من أجل السياحة (أساسا في اتجاه مراكش والدار البيضاء). ولدينا زبناء آخرون يلجؤون إلينا في حالات الانتقال من مقر إقامة إلى آخر. وعلى سبيل الدعابة، نظمنا مؤخرا رحلة من باريس إلى الدار البيضاء، أقلت الطائرة خلالها كلبين وقطة''، تفيد شاغلوط دو بومون، المديرة التجارية لـ ''برايفت فلاي'' في أوروبا. رحلة ذهاب وإياب بين الدار البيضاء وباريس في نهاية الأسبوع على متن ''أومبراير فينوم 300'' مكونة من سبعة مقاعد؟ 200 ألف درهم. وتمثل الرحلات التي تقوم بها "سيارات الأجرة الجوية هذه" 52 في المائة من النقل العام لطيران الأعمال.
لن أتخلى عن طائرتي الخاصة
''خدمات «نيت دجيتس» تحدث ضجة كبيرة حاليا''، يشرح رجل أعمال مغربي يلجأ من وقت إلى آخر إلى الطيران الخاص. الشركة الأمريكية تمكن من الدخول في شراكات، من أجل تملك طائرة خاصة. ''تقوم بشراء مثلا 30 في المائة من الطائرة، وهذا يخول لك القيام برحلات خلال ساعات محددة على متن طائرتك، أو على متن طائرة أخرى تابعة للشركة في حال كانت طائرتك غير متاحة''، يُفَصِّلُ مصدرنا.
''إذا اشتريت طائرة لوحدك، فسوف تسدد ثمنها خلال 25 سنة. إنها ورطة مالية حقيقية، لأنها تحتاج في معظم الوقت إلى الصيانة. ويجب تغيير نظام الملاحة كل ثلاث سنوات لكي يساير المعايير الدولية. وفي النهاية تستغل الطائرة لوحدك للذهاب لتوقيع عقود بمليارات الدولارات، وهذه الاستفادة هي مقابل كل هذا العناء الذي تتحمله لامتلاك طائرة خاصة''، يضيف نفس المصدر.
ورغم وجود أسطول مكون من أربعين طائرة خاصة، يظل المغرب ضعيفا في مجال الطيران الخاص، كما يصرح بذلك الفاعلون الرئيسيون في هذا المجال. اختفاء فريد برادة، المدير العام لـ «كولورادو»، وزوجته زينب بنحميدة، وأطفالهما الثلاثة، بعد تحطم طائرتهم في «غرونوبل» في يناير سنة 2013، حادث ظل عالقا في الأذهان. ويظل الطيران الخاص، رغم ذلك، وسيلة عمل تلجأ إليها مجموعات كبيرة حولت وجهتها نحو إفريقيا مثل الشركة الوطنية للاستثمارات، التي لا يلائمها عدم انتظام الرحلات الجوية التجارية التي تعمل في القارة.
وهكذا يسافر مصطفى التراب على متن طائرة تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، و روجير سحيون على متن طائرة تابعة لـ «سوماجيك»، ومريم بنصالح على متن طائرة تابعة لـ «أولماركوم». وشركة اتصالات المغرب اشترت سنة 2012 طائرة من نوع «بومبارديي شالينجر 604» لرئيسها عبد السلام أحيزون. وبالنسبة للبنك المغربي للتجارة الخارجية، فهو يفضل حاليا استئجار الطائرات، نفس الأمر بالنسية ل"سهام"، فالطائرة التي استخدمها مولاي حفيظ علمي خلال مرحلة تطوير مجموعته، وفي إطار المهام التي يزاولها في وزارة الصناعة، تحديدا أثناء عودته مع زميله في مجال الاقتصاد محمد بوسعيد، معروضة حاليا للبيع في باريس. كما أنشأ أنس الصفريوي شركة طيران يطلق عليها اسم «ريال فلاي»، وهي تابعة لشركة «سيماط»، وتوفر طائرة من نوع «سيسنا سُوفْرِينْيْ» لمسؤولي المجموعة، الأمر الذي مكنه من تحقيق ربح يقدر بـ 700 ألف درهم سنة 2015، فيما تسمح " فالكون 900" لسلوى أخنوش بتجهيز رياضها بتافروات انطلاقا من متاجر أكسال".