العالم المغربي بوتجنكوت: هذه إكراهات الوصول إلى لقاح ودواء لـ"كورونا"

الشرقي الحرش

في هذا الحوار يجيب  البروفيسور علال بوتجنكوت، الأستاذ المبرز والباحث بالمستشفى الجامعي بنيويورك في قسم الأعصاب وعلم الخلايا، ورئيس مختبر الأمراض التي تصيب الدماغ واكتشاف الأدوية، على أسئلة "تيلكيل عربي"، حول فيروس "كورونا" المستجد.

 كما يقدم العالم المغربي، الذي سبق أن اكتشف رفقة خبراء أمريكيين أول لقاح تجريبي لمرض "الزهايمر"، وتطوير عدد من اللقاحات الأخرى، التي نشرت نتائجها في مجلات علمية وطبية عالمية استنادا إلى تجربته وجهة نظره في الجدل الدائر عالميا حول استعمال دواء "الكلوروكين" لعلاج مصابي فيروس "كورونا" المستجد.

ما الذي يميز فيروس كورونا المستجد عن باقي الفيروسات؟

 كما تعلمون هناك ثلاثة أنواع من فيروس "كورونا"؛ الأول اكتشف سنة 2002 بالصين، تحت اسم "سارس"، وهذا الفيروس يتسبب في التهاب الرئة وألم المفاصل وكذلك التقيؤ، وقد أصيب به 8000 شخصا، وأدى إلى وفاة 774 مصابا.

وفي سنة 2012، ظهر نوع ثان من عائلة فيروس "كورونا"، تحت اسم "ميرس" بالمملكة العربية السعودية، والذي أصاب، حسب منظمة الصحة العالمية، 2500 شخصا وتوفي على إثره 850 مصابا.

 أما النوع الثالث من نفس العائلة فهو "كوفيد-19"، الذي اكتشف بالصين في دجنبر 2019، وإلى يومنا هذا مازال أعداد المصابين به في تزايد مستمر.

ومن المؤكد أن الخاصية المشتركة بين كل هذه الأنواع الثلاثة من عائلة فيروس "كورونا" هي الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، ولكن لا نعرف طريقة انتقالها، نظرا لأن العلماء لم يتعرفوا بعد على أول شخص مصاب بهذا الفيروس، أي تحديد "المريض صفر"، ولو عرف لتمكن العلماء من معرفة كيفية انتقال هذا الفيروس من الحيوان إلى الإنسان، وفي نفس الوقت يمكن محاصرته وإيقاف انتشاره.

وكما هو معروف، فإن هناك فرق بين فيروس "كوفيد-19" وباقي فيروسات عائلة "كورونا" في ما يخص التركيبة الجينية للفيروسات، فقد وجد العلماء أن هناك تطابقا في التركيبة الجينية لفيروس "كوفيد-19" مع باقي الفيروسات، خاصة على مستوى جزيء "أر-إن-إيه" التي تتطابق مع فيروس "سارس" بنسبة 90 في المائة.

وهناك نوعان من فيروس "كوفيد-19"؛ أحدهما معتدل، ونوع آخر قاس جدا، وهو قاتل مقارنة مع الفيروسات الأخرى، كما يتميز بانتشاره السريع والقدرة على الإطاحة بخلايا الإنسان، خاصة على مستوى الرئة.

لماذا تختلف حدة أعراض فيروس "كورونا" بين مصاب وآخر؟

حدة اختلاف الأعراض بين مصاب وآخر تفسر بعدة عوامل، تهم أساسا اختلاف البنية الصحية لكل شخص، ومدى إصابته بأمراض مزمنة من عدمه، وكذا اختلاف جهاز المناعة بين الأشخاص. فهناك من له جهاز مناعة قوي، وهناك من له جهاز مناعة ضعيف، وكذلك نوع الفيروس الذي أصيب به الشخص، هل هو معتدل أم صعب؟

إن هذه العوامل كلها تفسر تسجيل إصابات خطيرة لدى الأشخاص المسنين والمصابين بأمراض مزمنة.

ما الذي يفسر شفاء نسبة كبيرة من المصابين دون حاجة إلى دواء؟

هناك شفاء لمجموعة من المصابين بدون دواء، وهذا راجع لسن المصاب، وامتلاكه لجهاز مناعة قوية، وتبني كل دولة لبروتوكول خاص للإطاحة بالفيروس.

كثر الحديث عن فعالية دواء "الكلوروكين" في علاج فيروس "كورونا"، ما رأيك في هذا الجدال؟

هناك جدل واسع حول دواء "الكلوروكين"، فهذا الدواء اكتشف منذ سنين ويستعمل ضد الملاريا والمفاصل ويساعد أدوية أخرى على التقليل من التهاب "كورونا" المستجد، بحسب البروفيسور ديديي راوولت من فرنسا، إلا أن هذا الدواء جرب على مجموعة قليلة من المرضى دون أن يعتمد البروفيسور راوولت على "مجموعة مراقبة" لكي يقارن بينها.

 ثانيا، يجب أن يجرب هذا الدواء على مجموعات في دول مختلفة، تقسم إلى مجموعتين؛ واحدة تتلقى هذا الدواء والأخرى لا تتلقى أي علاج أوعلاجا وهميا، ويتم مقارنة واستخلاص النتائج.

هناك إشكالية أخرى تتعلق باستعمال هذا الدواء، وهي أننا لا نعرف، لحد الآن، الآثار الجانبية له عند المصابين بفيروس "كورونا" المستجد، لأن دواء "الكلوروكين" استعمل ضد أمراض معينة هي الملاريا والمفاصل، إلا أننا لا نعرف الأعراض التي يمكن أن تظهر على المصابين بفيروس "كورونا" بعد استعمال هذا الدواء مستقبلا.

ولهذا يحجم عدد من العلماء على الموافقة على استعمال دواء "الكلوروكين" لمعالجة المصابين بفيروس "كورونا".

ما هي ملاحظاتك على الدراسة التي قدمها البروفيسور ديديي راوولت؟

 البروفيسور ديديي راوولت يعتبر أنه مادام لا يوجد دواء لعلاج مرضى فيروس "كورونا"، فيجب استعمال "الكلوروكين" للإطاحة بالفيروس، لكن المشكلة الكبيرة أن هذا الدواء لا يمكن أن نعطيه لمرضى القلب والسكري المصابين بفيروس "كورونا" المستجد، لأن ذلك قد يقضي عليهم.

إن البروفيسور ديديي راوولت يدافع عن وجهة نظره، إلا أن العلم لا يقبل رأيا واحدا، بل يقبل الرأي والرأي الآخر، وهناك لجنة مختصة هي التي ترخص باستعمال دواء مخصص لعلاج مرض ما لعلاج مرض آخر، وهذه اللجنة العالمية لم تقرر الترخيص باستعمال هذا الدواء، ولو كان الأمر كذلك لرخص في جميع الدول.

ما هي التدابير الاحترازية التي يجب اتخاذها لتفادي الأعراض الجانبية لهذا الدواء؟

 من المفروض أن تجرى دراسات قبل أخذ هذا الدواء، وهذا هو عين العقل، أما إذا أرادت بعض الدول استعماله، فيجب اعتماده خاصة عند بداية الأعراض، ولكن بكمية قليلة، وهذا سيساعد على تقليل الالتهاب، لكن أؤكد مرة أخرى أننا لا نعرف آثاره الجانبية بالنسبة لمرضى "كورونا" المستجد، مما يستدعي إجراء دراسات علمية في هذا الشأن.

أين وصلت الأبحاث لإيجاد لقاح فعال ضد فيروس "كورونا"؟

كما هو معلوم، إذا أردنا أن ننتج دواء خاصا لعلاج المصابين بفيروس كورونا، فهذا من المستحيل لأن دواء العقاقير يتطلب من 10 إلى 15 سنة، أما إيجاد لقاح، فالأمر ممكن في ظرف سنة أو سنة ونصف، علما أن هذه هي الفترة الممكنة لإجراء التجارب الأولية والتجارب السريرية للقاح ودراسة أعراضه الجانبية، والآن هناك 30 شركة في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إيجاد لقاح، والأبحاث متقدمة في هذا الشأن.

ألا يخشى العلماء من حدوث طفرة جينية على الفيروس في الشتاء المقبل قد تهدم كل ما تم بناؤه؟

أنا أقول لك إن الحل الوحيد هو إنتاج لقاح، وكما ذكرت فالكل منكب على إيجاد لقاح فعال بدون أعراض جانبية، إلا أنه من الممكن أن تحدث طفرة جينية للفيروس، وهذه تطرح كفرضية لأن العالم هو الذي يقبل الفرضية، فحينما نشتغل على إيجاد أي لقاح نطرح مثل هذه الفرضيات.

وجوابا على سؤالكم، فمن من الممكن أن تحصل للفيروس طفرة جينية، ومن الممكن أن لا تحصل، فإذا حصلت يتوجب استدراك الأمر بتغيير هذا اللقاح إلى لقاح آخر، لكنه لن يأخذ نفس المدة التي أخذها اللقاح الأول، ومن الممكن أن يساعد اللقاح الأول على التخلص من الفيروس رغم حدوث الطفرة.

هل إيجاد لقاح ضد الفيروس يعني نهاية الأزمة؛ بمعنى: هل من الممكن أن يكون في متناول جميع الدول؟

إذا وجد اللقاح في ظرف سنة أو سنة ونصف، فإن الكمية التي سيتم إنتاجها لن تغطي جميع دول العالم، والأنكى من ذلك أن إنتاج كمية كبيرة يعني انتظار سنتين ونصف أو ثلاث سنوات أخرى، وهو ما يوجب على باقي الدول أن تجتهد أيضا في إيجاد لقاح خاص بها، لأننا لا يمكن أن ننتظر كل هذا الوقت أمام فيروس يفتك بالبشرية.

كيف تنظر للإجراءات التي أقدم عليها المغرب لمحاصرة فيروس "كورونا" المستجد؟

 أولا، يجب أن نفتخر بملكنا على المجهودات التي فاقت كل المستويات، وتفوقت على كثير من الدول المتقدمة، وهذا راجع إلى إصدار الأوامر السامية بإغلاق المطارات والحدود البرية والبحرية، فضلا عن فرض الحجر الصحي، وتوفير الاستشفاء المجاني للمصابين، وتدريب الطاقم الطبي، ومساعدة الفئات الهشة.

 كما يجب أن نفتخر بالطاقم العسكري، الذي أنشأ مستشفيات ميدانية، وأن نفتخر بطاقمنا الصحي المغربي بجميع مكوناته، الذين ساهموا في تحسين أوضاع المرضى، وتضحيتهم بكل ما لديهم، بما في ذلك الابتعاد عن عائلاتهم.

هناك احتجاجات خرجت ضد الحجر الصحي في عدد من دول العالم، هل تعتبر الحجر الصحي ضروريا لوقف انتشار الجائحة؟

 نعم، لاحظنا أن مجموعة من الناس قاموا بتكسير الحجر الصحي في عدد من الدول، وهذا أكبر خطأ، لأن الفيروس يشكل خطورة كبيرة على صحة الإنسان، والدواء الوحيد الآن هو الالتزام بالبيوت، لأنك كلما التزمت بالبيت، كلما ساهمت في الحد من انتشار الفيروس، وإلا فستنشر العدوى بين أفراد أسرتك وأغلى ما لديك أولا.

إن دورنا أن نعمل يدا في يد ونساعد بعضنا البعض على الالتزام بالحجر الصحي.

 ما الذي يتوجب على المغرب فعله قبل رفع الحجر الصحي؟

 يجب أن تتوفر وزارة الصحة على رؤية بهذا الخصوص، وتتأكد من أن عدد المصابين بالفيروس أصبح قليلا جدا، كما يجب إجراء الكشف السريع لأكبر عدد من الناس، لأن ذلك سيساعد على معرفة من هو حامل للفيروس ومن هو غير حامل له، حتى لا تظهر بؤر جديدة، وينتشر الفيروس من جديد.

 إن رفع الحجر الصحي يجب أن يتم بشكل تدريجي، فعودة العمال إلى المقاولات لا يجب أن تتم بشكل كلي، بل يجب أن يتم ذلك بالتدرج، مع الحفاظ على مسافة الأمان، وأخذ الاحتياطات اللازمة، والاعتناء بالنظافة، كما يجب التفكير في الحلول الاقتصادية لمن فقدوا شغلهم قبل رفع الحجر، حتى لا نفاجأ بمظاهرات أو وقفات في الشارع قد تؤدي لاحتكاك الناس مما قد يتسبب في عودة انتشار الفيروس.