" الزيادة العامة في الأجور، صعبة لكنها غير مستحيلة ، فهي رهينة بتحسن ميزانية الدولة"، أما "إحداث درجة جديدة للترقي، بوصفها أهم نقطة عالقة التنفيذ في اتفاق 26 أبريل 2011 مع عباس الفاسي، الوزير الأول السابق، فيصعب تحقيقها"، هما أبرز الرسائل التي أبلغها سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، ومحمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، للنقابات، ليلة أمس (الاثنين)، في أول جلسة للحوار الاجتماعي، مع أمنائها العامين، بحضور وفد بارز عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، برئاسة مريم بنصالح.
وأوضح عبد الحق العربي، مستشار رئيس الحكومة المكلف بالملف الاجتماعي، في حديث مع "تيل كيل -عربي"، صباح اليوم (الثلاثاء)، أن ذلك، جاء بعدما أثارت النقابات المطلب خلال اجتماع جولة الحوار الذي دام أربع ساعات ابتداء من الرابعة عصرا، وتم الاتفاق، في نهايته على أن يظل مفتوحا، على أن يتم التوافق بين الأطراف الثلاثة، في الأيام المقبلة، على تاريخ استئناف الجولة، "بعدما رأى الجميع أن أربع ساعات ليست كافية للتطرف لجميع الأمور، ولابد من وضع أولويات وتحديد مواضيع، سيعمق حولها النقاش، واحدا واحدا، في المستقبل".
ولم يخف مستشار رئيس الحكومة، الذي كان يجلس خلفه يمينا خلال جولة الحوار، بخصوص سبب تشبث حكومة سعد الدين العثماني بالاعتراض نفسه الذي أبداه سلفه عبد الإله بنكيران، أمام التزام إحداث درجة جديدة للترقي، بناء على الاتفاق الذي أبرمته حكومة عباس الفاسي مع النقابات، يعود إلى "كلفتها المالية المرتفعة، إذ قال محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، خلال اجتماع أمس، أنها ستتطلب غلافا ماليا سنويا قيمته 7 ملايير درهم"، أي 700 مليار سنتيم.
وبالنسبة إلى حكومة سعد الدين العثماني، سينهك ذلك الرقم ميزانية الدولة وسيضخم كتلة الأجور، التي بلغت أصلا مستوى قياسي، إذ أوضح محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، "للنقابات خلال الجلسة الأولى من الحوار، أن كتلة الأجور تصل حاليا إلى 140 مليار درهم، وتستهلك ثلثي (2/3) مداخيل الميزانية العامة للدولة".
مراجعة مدونة الشغل والضرائب
أثار الأمناء العامون للنقابات، ووفد الاتحاد العام لمقاولات المغرب، خلال الجلسة الأولى من الدورة الأولى للحوار الاجتماعي، وفق عبد الحق العربي، الذي يشغل أيضا مهام المدير العام لحزب العدالة والتنمية، مطالبة الحكومة بمراجعة الضرائب باتجاه خفضها، كما شهدت خلافا بين أرباب العمل في القطاع الخاص، والنقابيين المدافعين عن العمال والمأجورين، حول إصلاح ومراجعة مدونة الشغل الحالية، التي يجري العمل بها منذ 2003.
وبخصوص الضرائب، فقد رافع النقابيون على خفض الضغط الضريبي على الأجور، والرفع من قيمة التعويضات العائلية ومواصلة دعم حصول المأجورين على السكن الاجتماعي، بوصف كل ذلك مدخلا للتحسين العام للدخل، في حين رأت "الباطرونا" وممثلي أرباب المقاولات، أنهم يرون أن كلفة الشغل مرتفعة بسبب ارتفاع الضرائب والتكاليف الاجتماعية، وطالبوا بتخفيضها.
أما مدونة الشغل، ففي الوقت الذي رأى وفد الاتحاد العام لمقاولات المغرب، برئاسة مريم بنصالح، الرئيسة المديرة العامو لمجموعة "هولدينغ أولماركوم"، أنها من اللازم فتح ورش مراجعة تشريعات الشغل بعد مرور 11 سنة على العمل بها بصيغتها الحالية، تصدى الأمناء العامون للنقابات للمطلب، وقالوا إن المطلوب هو التزام أرباب العمل عليهم تطبيق كافة مقتضيات التشريعات الحالية، قبل الحديث عن أي مراجعة.
العثماني لا يريد إقصاء أي مطلب
وانطلق الاجتماع الأول من الحوار الاجتماعي، بكلمة مؤطرة لسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، وعرض لمحمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، أدلى فيه بعدد من المعطيات التي كانت أساس وضع مشروع قانون المالية والتوجهات الأربع الكبرى المعروضة في المجلس الوزاري، ثم منحت الكلمة للأمناء العامين للنقابات، لتقديم عروضهم المتضمنة للمطالب التي يرون أن مشروع قانون مالية 2018، يجب أن يتضمنها، كما قدمت مريم بنصالح، رئيسة "الباطرونا" عرضا مماثلا حول مطالب أرباب المقاولات الخاصة.
وبالنسبة إلى عبد الحق العربي، مستشار رئيس الحكومة المكلف بالحوار الاجتماعي، "كانت الجلسة غنية جدا، وفي الأخير تم الاتفاق على أنها غير كافية للتطرق لجميع الأمور، ولابد من تحديد أولويات في النقاش ومواضيع لتنكب عليها اللجنة موضوعا موضوعا، إذ سيظل النقاش مفتوحا إلى حين التوصل إلى اتفاق".
أما سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، فأكد في خطابه الافتتاحي أن حكومته "عازمة على تفعيل الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية ومع ممثلي أرباب العمل، لأنها تعتبره آلية أساسية لا غنى عنها لتطوير التعاون بين مختلف الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، بوصفه السبيل لتحقيق السلم الاجتماعي، وآلية ضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعي".
وعلى خلاف عبد الإله بنكيران، الذي كان ينظر أحيانا أن النقابات تنحرف لتمارس العمل السياسي، قال العثماني إنه يعترف بـ"الدور الجوهري" الذي تضطلع به المركزيات النقابية، و"نعول على النقابات في التعبير والدفاع عن تطلعات الشغيلة، في احترام متبادل، لأننا حريصون على تفعيل كل آليات الحوار سواء مركزيا أو قطاعيا"، مشيرا في الوقت ذاته، أن "تفعيل الحوار الاجتماعي وانتظام عقد اجتماعاته ليس وحده كافيا"، إذ "هناك بعض الشروط التي لابد من التحاور بشأنها، وبعض التحديات التي تستدعي تفكيرا جماعيا لخلق نوع من الموازنة بينها".
أما في ما يخص المطالب التي عبر عنها خلال الجسلة من قبل ممثلي العمال وأرباب العمل، فرأى العثماني، حسب مستشاره عبد الحق العربي، أن "الحكومة عازمة على التعامل بجدية معها، وستقوم بمدارستها"، لافتا الانتباه إلى أنه "قرر عدم إقصاء أي مطلب من المطالب التي قدمت في الاجتماع، بالقول إن جميع القضايا قابلة للنقاش بدون استثناء".
من جلسة الحوار الاجتماعي أمس (الاثنين)