لم يستبعد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، تخفيف الضغط الجبائي، عن الموظفين والأجراء، عبر التوصيات التي ستخلص إليها المناظرة الوطنية للجباية التي ستعقد يومي الثالث والرابع من ماي المقبل بالصخيرات.
رئيس الحكومة، الذي كان يتحدث، أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، حين تمت استضافته من قبل اتحاد الصحافة الفرنكفونية، لم يوضح الطريقة التي سيجري بها تحقيق ذلك الهدف، إلا أن النقاش الدائر اليوم، والذي انخرطت فيه مؤسسات وهيئات مهنية ونقابات وخبراء، يميل إلى تحسين دخل الموظفين والأجراء عبر الضريبة على الدخل.
4,5 ملايين موظف وأجير
ويعمل بالمغرب 3,5 ملايين أجير في القطاع الخاص مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بينما يصل عدد موظفي الدولة الموزعين بين الجماعات المحلية ومؤسسات وشركات الدولة إلى حوالي مليون موظف، ما يعني أن الضريبة على الدخل تستهدف 4,5 ملايين أجير.
وساهم الأجراء في العام الماضي بحوالي 70 في المائة من إيرادات الضريبة على الدخل التي وصلت إلى 44 مليار درهم، بينما تمثل الإيرادات المتأتية من الدخول المهنية والفلاحية والعقارية والمالية إلى 30 في المائة.
ولا تحيط الضريبة على الدخل بجميع الأجراء الذي يفترض فيهم أن يكونوا من الملزمين بها، على اعتبار أن هناك مستقلين ونشيطين في القطاع غير المهيكل لا يفون بالضريبة.
وطلب منظمو المناظرة الوطنية من المركزيات النقابية والأحزاب والهيئات المهنية الممثلة لمصالح رجال الأعمال، تقديم تصوراتها لما يجب أن يكون عليه الإصلاح الجبائي.
وكانت النقابات ألحت خلال جولات الحوار الاجتماعي السابقة، على الالتزام من قبل الحكومة على تحسين دخل الأجراء والموظفين عبر الضريبة على الدخل، حيث ينتظر أن يكون ذلك محور مطالب النقابات التي ستعبر عنها خلال المناظرة الوطنية.
وتجلى من اتصال "تيل كيل عربي" بقيادات نقابية، أن مركزيات نقابية تميل لإعادة النظر في معدلات وأشطر الضريبة على الدخل ورفع الشطر المعفى وخصم مصاريف تمدرس الأبناء لدى المدارس الخاصة من الضريبة.
ويقترح الاتحاد العام لمقاولات المغرب ربط أشطر الضريبة على الدخل بالتضخم من أجل تفادي تآكل القدرة الشرائية، مع خصم مصارف الدراسة بالمؤسسات الخاصة من الوعاء الجبائي للأجير.
وتوصي هيئة الخبراء المحاسبين برفع الشريحة المعفاة من الضريبة من 30 ألف إلى 36 ألف في السنة، وتبني خصومات من الوعاء الضريبة بالنسبة للزوجة أو الزوج بدون عمل، وسن خصومات بالنسبة للأبناء الذين يدرسون بالمدراس الخاص، وإعادة النظر في شرائح الضريبة، خاصة بالنسبة للمستويات الوسيطة.
وبدا من لقاء مع الصحافة عقده بالرباط، محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية التي تشرف على تنظيم المناظرة الوطنية حول الجباية، وعمر فرج المدير العام للضرائب، أمس الثلاثاء، حصول نوع من الاتفاق حول خفض معدلات الضريبة على الدخل، شريطة توسيع الوعاء الجبائي، وهو ذات التصور الذي يراد تطبيقه بالنسبة للضريبة على الشركات.
ويبدو من تصريحات المسؤولين عن تركيب المقترحات الآتية من مختلف المشاركين في المناظرة أن الإصلاح الذي سيتمخض عنها، سيستغرق تفعيله خمسة أعوام، أي في الفترة الفاصلة بين 2020 و2024، حيث يفترض ترجمة تفاصيله عبر مشاريع قوانين المالية.
ضريبة مجحفة في حق الأجراء
ويرى الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي، أنه "عندما تنظر إلى الضريبة على الدخل تكتشف أنها لم تعد ضريبة عامة على الدخل، فهي ضريبة على الأجور وبعض الدخول المهنية. فمبدأ العدالة داخل الضريبة نفسها مفتقد، يمكن أن نقول الأمر نفسه عندما نتحدث عن العدالة عبر الضريبة. فإذا كنت أجيرا تحصل على 20 ألف درهم ستؤدي 38 في المائة، بينما ستنخفض الضريبة عندما يأتي دخلك من الريع أو المضاربة في البورصة. وإذا كان دخلك يأتي من الزراعة، تعفى من الضريبة".
وعندما يتناول أقصبي، معدل الضريبة على الدخل، يسجل، في لقاء مع " تيل كيل عربي"، أنها تقوم على "تصاعدية- تراجعية Progressivité- régressive، فمعدلات الضريبة ترتفع على مستوى دخول الطبقة المتوسطة وتنخفض عند نصل للدخول العليا، هذا ما يعني تشديد الضغط على الدخول المنخفضة والمتوسطة".
إقرأ أيضا - نجيب أقصبي: نظامنا الضريبي يخدم الرأسمال ويزيد الضغط على الأجراء والطبقة المتوسطة.
ويعتبر نجيب أقصبي أن النظام الجبائي يمكن أن يساهم في تحسين القدرة الشرائية بطريقتين. إما عبر الضرائب المباشرة أو عبر الضرائب غير المباشرة، حيث يقول إنه "إنه إذا كنا نلاحظ اليوم أن ثلاثة أرباع عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجور، وإذا استحضرنا أن الضغط على مستوى هذه الضريبة يقع على الطبقة المتوسطة، خاصة الدخول التي تتراوح بين 4000 و12000، فإنه يفترض إعادة النظر في السلم Barème عبر الأخذ بتصاعدية حقيقية".
ويضيف "إننا نشهد تصاعدية قوية على مستوى الدخول الوسطى، وهي التصاعدية التي تتباطأ عندما نصل إلى الدخول العليا" معتبرا أنه "يجب الذهاب نحو تصاعدية حقيقية، مع إدماج جميع أنواع الدخول الكرائية والعقارية والمالية والزراعية، وإخضاعها لنفس الضريبة على الدخل".
إقرأ أيضا - محمد برادة: يجب أن تساهم الضريبة في دعم التشغيل و القدرة الشرائية للمغاربة.
ويرى محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية المشرفة على المناظرة الوطنية حول الجبائية، أن "60 في المائة من الضريبة على الدخل تأتي عبر الحجز عند المنبع من أجور الأجراء والموظفين، والباقي يهم المهن الحرة؛ أي الأطباء والمحامون والمصحات الخاصة، ففي المهن الحرة هناك من يؤدي ضريبة أقل من أولئك الذين يعملون. هناك عدم إنصاف على هذا المستوى".
ويتصور في حوار مع " تيل كيل عربي"، أنه "يجب إعادة النظر في شرائح الدخول، حيث يمكن رفع الشريحة المعفاة التي تحدد اليوم في 30 ألف درهم، ورفع الشرائح العليا كي يؤدي أصحابها مكان الآخرين. هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا وسعنا قاعدة الملزمين، لأن هناك العديدين الذين لا يؤدون".