في أول خروج علني له منذ المناظرة التلفزيونية حول التدريس باللغة الدارجة، في مواجهة نور الدين عيوش، لم يتردد عبد الله العروي، المفكر والمؤرخ المغربي، في الإشارة، اليوم (الأربعاء)، خلال ندوة لمناسبة مرور 50 سنة على صدور كتابه "الإيديولوجيا العربية المعاصرة"، إلى أن المؤلف الذي أصدره قبل نصف قرن، فشل في إحداث الأثر المرجو لمضامينه في الواقع المعاش.
"أكبر جائزة يحلم بها مؤلف أي كتاب نقدي وإشكالي مثل كتاب 'الأيديولوجيا العربية المعاصرة'، هو أن يفرغه التطور (الواقع) من محتواه، وأن يفقده آنيته ليصبح مادة للبحث، بعد أن يكون قد تحقق ما تضمّنه من أمان وتطلعات (..) لم يعرف كتابي هذا المصير المرجو، ولم يقدر له أن يفرغ من محتواه"، هي الخلاصة التي رمى بها عبد الله العروي، المفكر والمؤرخ المغربي، بشكل مباشر، وبدون أدنى تردد، إلى منظمي ندوة، حول "أثر" كتابه الذي ألفه قبل نصف قرن.
كلام العروي، توصل به المنظمون رسالة صوتية، بسبب اعتذاره عن الحضور لظروف صحية قاهرة، وأذيعت في القاعة المسماة باسمه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، بالدار البيضاء، اليوم الأربعاء 15 نونبر، والتي امتلأت جنباتها بالحضور المتشوق إلى الاستماع لقامة فكرية مثل عبد الله العروي، من طلبة وباحثين ومتخصصين في الفلسفة، الذين حضروا لاكتشاف راهنية الكتاب، وأثره في الفكر العربي.
العروي الذي خبر دروب الفكر والتاريخ، تأسف على ما آل إليه كتابه، وشدد على موقف بأن كتابه "لم يعرف المصير المرجو، ولم يقدر له أن يفرغ من محتواه"، مستبقا بذلك منظمي الندوة، الذين أصروا على أهميتة كتابه، وراهنيته في الوطن العربي.
وفي هذا الصدد، أوضح العروي قائلا: "هناك المضمون المحكوم بظرفي الزمان والمكان، والذي ينتظر الإنجاز في أجل قريب، وهناك الهيكل والمنطق والمنهج. وهذا يظل صالحا منتجا لمدة أطول ما لم تطرأ ثورة عارمة تجعل من المعروف منكرا ومن القاعدة استثناء".
المؤرخ والمفكر المغربي برر عدم تذييل كتابه (إتباعه) بمؤلف آخر يعرض للحالة الراهنة، ويشرح فيه وجهة نظره، وأين أصاب وأين أخطأ، بالقول إنه "لو فعل ذلك لكان ارتكب خطأين: خطأ الغرور وخطأ الندم والتنكر للذات".
العروي ختم كلمته بالقول إن السؤال لا يجب أن يتمحور حول ما فعله الزمان بالكتاب، "بل بما فعله الزمن بمؤلفه"، مضيفا أنه لم يعد بالإمكان قراءة كتابه "الإيديولوجية العربية المعاصرة" بمعزل عن كتابيه "السنة والإصلاح" وكتابه الأخير الصادر بالفرنسية "الفلسفة والتاريخ" (Philosophie et Histoire).
يشار إلى أن اللقاء الذي حضره ثلة من الباحثين والمتخصصين في فكر العروي، كعبد الإله بلقزيز، ومحمد سبيلا، ونور الدين أفاية، أشاروا إلى أن الكتاب صدر في سنة 1967 باللغة الفرنسية، لكن منذ ترجمته إلى اللغة العربية في سنة 1970، "تعرض لسوء فهم وتعامل، (إلى جانب كتبه الأخرى)، تحكمت فيه عدة سياقات سياسية وفكرية".
وفيما حدد الباحثون تلك السياقات، مثلا، في "العروبية والقومية والماركسية، وصولا إلى صعود الصحوة الإسلامية" مع بداية التسعينات، كشفوا أن عبد العروي، المفكر والمؤرخ المغربي، اضطر بسبب ذلك على أن يترجم كتابه هذا بنفسه في سنة 1995.