جدل جديد ينشب بين أقوى تنظيمي إسلاميين في المغرب، جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، على خلفية العفو الملكي عدالأخير الذي شمل ما تبقى من معتقلي حراك جرادة و60 من معتقلي حراك الريف، وعددا من المدانين في قضايا الإرهاب.
الحكمة المغربية
الجدل بدأ بتدوينة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، وأحد أبرز قيادات العدالة والتنمية، المصطفى الرميد، وصف فيها العفو الملكي على مجموعة من معتقلي حراك الريف وجرادة والمحكومين في قضايا الارهاب بـ"الحكمة المغربية التي تعبر عن نفسها بين الفينة والأخرى في الأوقات المناسبة".
وقال الرميد، في تدوينة له امس الخميس6 يونيو 2019، إنه "في جميع القضايا ذات الطبيعة السياسية أو تلك التي ترتبط بالتوترات الاجتماعية ، تقضي المحاكم بما تقضي به، وما أن تستجمع بعض الشروط حتى يستجيب جلالة الملك بالقرار الملائم".
وأضاف " لاحظنا ذلك مع المعتقلين في قضايا الإرهاب من خلال برنامج "مصالحة" ، والذي يقوم على آلية الحوار لإقناع المعنيين بتبني المنهج السلمي في التعامل مع المجتمع ، وكلما أعلنت فئة عن انسجامها مع الأهداف المقررة في البرنامج إلا وحظيت بالعفو".
وتابع "كذلك ملف الحسيمة بدأ كبيرا وها هو يعالج على مراحل ، حيث تم العفو في السنة الماضية على العشرات إضافة الى أمثالهم الذين استفادوا من العفو بمناسبة العيد".
وزاد الرميد "أملي أن يعي الجميع أهمية تهييئ الظروف المناسبة ليتحقق العفو الملكي في القريب العاجل على الجميع إن شاء الله ويشمل الزعماء".
وبخصوص ملف ج جرادة، اعتبر الرميد أنه " أسدل عنه الستار في وقت وجيز، فالأحداث لم تكن على درجة كبيرة من الخطورة ، لذلك لم يتطلب العفو عن المعنيين الكثير من الوقت"، بحسبه.
منطق أعوج
قراءة الرميد لم ترق لجماعة العدل والإحسان، أحد القياديين البارزين فيها ، حسن بناجح، خرج بتدوينة يرد فيها على الرميد عنونها ب منطق أعوج" ، وجاء فيها" منطق أعوج ، بل إنه انعدام المنطق وفقدان الرؤية وتيه البوصلة، أن تصم الآذان عن مطالب الشعب، وتغلب المقاربة الأمنية، ويسود التسلط، ويعتقل أبناء الشعب عشوائيا بالمئات أو بالآلاف، ويستعمل القضاء وتصدر التعليمات لإنزال أقصى وأقسى العقوبات على المعتقلين، ويغيبون سنوات في سجون القهر، ويسامون هم وعائلاتهم أخس أشكال الإهانة والتعذيب المادي والنفسي .... وعندما يفشل كل هذا في ترويض المعتقلين وفي إسكات الاحتجاج يبدأ المخزن بالبحث عن الخروج من المأزق وتنفيس الضغط بإطلاق سراح بعض المعتقلين بالأسلوب الابتزازي المعهود في تاريخ المخزن بعيدا عن آليات تحقيق العدالة ... بعد كل هذا لا يجد البعض أي حرج ولا خجل لوصف كل ذلك بالحكمة، بل يطلب من الشعب مزيدا من الانبطاح لاستدرار فيوض الحكمة ونوال العطف والمكرمات"
بناجح دون أن يسمي الرميد، ختم تدوينته بالقول "يا هؤلاء، الحكمة أقرب من كل تلك الالتواءات بأن يكف النظام عن المقاربة الأمنية التسلطية، وأن يتجاوب إيجابا مع المطالب البسيطة والمشروعة، وألا تجري تلك الاعتقالات من أصلها، وأن تقطع حبال التعليمات بين سلطة القضاء وباقي السلط فيعفى البلد من مهازل المحاكمات القرونية وما يتبعها من مهازل تدبير التركة الثقيلة للأحكام العبثية حالا واستقبالا".
ردا على بناجح
لكن قبل أن يجف المداد الذي خط به بناجح تدوينته، جاءه الرد من جواد غسال، مستشار الوزير الرميد ، الذي أختار هذه المرة أن يسمي بناجح باسمه.
وبدأ غسال رده بالإشارة إلى أن بناجح يخطئ قراءة أثر العفو على المعتقلين وأسرهم. يقول غسال " يقول المثل المغربي "اهل الميت صبرو والعزايا كفرو"، ويمكن قياس ذلك على وضعية حسن بناجح، الذي رفع رايات التسويد، في وقت استبشر أهالي المعتقلين بإطلاق سراح 107 من معتقلي الريف وجرادة، واغلاق ملف جرادة نهائيا...
لقد كان على المسكين أن يقرأ الأخبار التي نقلت "زغاريد الأهالي" بجرادة، وتصريحات والد الزفزافي الذي أشاد بالعفو الملكي متمنيا تعميمه" .
قبل أن ينتقل غياب إلى وصن تدوينات بناجح بكل الأوصاف البدنية الممكنة، تدوينته " متشنجة" ، وهي " زعيق وكلام ناب وأضغاث أحلام ومتاجرة بآلام المساجين وثورية كاذبة راديكالية متشنجة . يقول غياب " لكن ويا للأسف....
يظن المسكين أنه بهكذا تدوينات متشنجة سيحرر العالم، وينتصف للمظلومين!!! ويظن المسكين أنه بالزعيق والكلام النابي، سيكسر أبواب السجون ليعانق المعتقلون نسائم الحرية!!!
يتوهم المسكين أن سب المخزن، وتجريح النظام ، سيؤدي إلى أن ينهزم النظام ، ويرفع المخزن الراية البيضاء ، لتصبح كلمة ما هي العليا وكلمة المخزن هي السفلى!!!
إنها اضغاث أحلام، ومتاجرة بآلام المساجين، ومعاناة الاسرى، تلبس زي الثورية الكاذبة، والراديكالية المتشنجة".
وينتقل غياب إلى مطالبة بناجح بإلقاء نظرة على ما يجري في محيط المغرب بالقوى " لو نظر المسكين إلى المحيط لوجد المشانق والاعدامات، لو ساح بعقل متجرد لآمن بأن ثمة حكمة في هذا البلد، وإلا فإن هناك بلادا أخرى اختارت أن تجعل السجن وطنا آخر ليس لمن يعارض، بل لمن لايؤيد ولا يمجد!!!" .
ويعود غسال الى تأكيد ما قاله الرميد من حكمة العفو الملكي" نعم، هنا ثمة حكمة ، تماما كما أن هناك تجاوزا وتعسفا، الفر ق بين المسكين وبين من يتهمه بأنه صاحب منطق أعوج هو الفرق بين من يقول بأن في هذا العالم ظلام ونور، بين من يرى أنه ليس هناك الا الظلام ثم الظلام ولا شيء غير الظلام، فتصبح الشفقة واجبة على الأبصار العمياء بل البصائر العمياء!!!"
ويخلص غسال إلى أن العفو أحرج العدل والإحسان التي لا تريد عفوا لكي تجتمع شروط القومة، الثورة بلغة الجماعة، التي يقول غسال إنها " أخطأت موعدها مع زمن القرن الماضي(...) وستزيد حكمة العفو في وأخبرها (...) هذه فلسفة المساكين في قاعة الانتظار الكبيرة".