يدق إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، والوزير السابق، ورئيس مؤسسة علي يعته، ناقوس الخطر، محذرا من وضع اجتماعي وسياسي مأزوم، يهدد بأن ينفجر في أي لحظة. ويقف مليا عند وضعية الأحزاب السياسية التي لا يخفي أن بعضها تعيش موتا سريريا، قبل التطرق للأخطاء التي ارتكبت في الريف.
يصف عدد من المتتبعين ما يعيشه المغرب اليوم سياسيا بـ"الردة" أو التراجع عن الإصلاحات؟ في نظرك هل حصلت تراجعات بعد انتخابات 7 أكتوبر؟
بداية أهنئ مؤسسة "تيل كيل" على إنشاء الموقع الإلكتروني العربي. بالنسبة للسؤال، نلاحظ فعلا أن الرأي العام في حيرة من أمره، هل ستستمر التجربة التي خضناها منذ سنة 2011 والتي تكللت في البداية بهذا الدستور الواعد الذي بين أيدينا، أم سنعيش نوعا من التقهقر والتراجع، بل نوع من الردة عما اكتسبناه.
الواقع السياسي بالمغرب اليوم حابل بالمؤشرات التي لا تنبئ بخير، لكن رغم ذلك أبقى بطبيعتي متفائلا، ليس التفاؤل الساذج، ولكن التفاؤل الذي يبنى على معطيات موضوعية، أولها هو أن الشعب الذي حقق دستور 2011، لا يمكن له أن يرى هذا المكسب يتلاشى وينمحي، وبالتالي لدي يقين بأن الرأي العام، سواء لدى الشباب أو لدى المسؤولين، سيمكن من الحفاظ على هذه المكتسبات.
يمكن أن يقع تراجع، لكن لي اليقين إن حصل تراجع فسيتمكن الجميع بعد الوعي به من مجابهته، وتعميق الإصلاح الذي بدأنا في خطه وحفره حتى قبل لحظة 2011.
لاحظت من خلال حديثك أنك تتكلم كثيرا عن الشعب وعن إرادة المواطن في استمرار مسلسل الإصلاح الذي دشن منذ سنة 2011، لكن بالنسبة لك، ما هو موقع السياسيين في معركة الحفاظ على المكتسبات؟
نلاحظ، للأسف، أن الأحزاب السياسية التي كانت تلعب دوراً في ترسيخ الإصلاحات لم تعد تقوم بهذا الدور، فمثلا حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان هرما والذي نتمنى أن يعود إلى ما كان عليه في الماضي، أصبح الآن عبارة عن عدم، فعدد كبير من أطره ومناضليه ابتعدوا عن العمل السياسي، القيادي والمؤطر لشعبنا، وهذا ضياع كبير.
وما ينطبق على الاتحاد الاشتراكي يسري على بقية الأحزاب. لا أتكلم عن الأحزاب التي ظهرت، بقدرة قادر، من العدم، بل أتكلم عن الأحزاب المتجذرة في المجتمع المغربي. وبالتالي يتساءل المرء، ألم يحن الوقت، للاعتراف صراحة بشيخوخة عدد كبير من الهيئات السياسية الموجودة في الساحة، والعمل من أجل إعطاء الانطلاقة لحركة جديدة تمكن من بزوغ إطارات ملتصقة بالجماهير وتستطيع تأطيرها
هل يمكن القول إن الأحزاب الوطنية تعيش موتا سريريا؟
لا شك أن هذا صحيح بالنسبة للبعض منها. وفي هذا الباب، لا بد أن أذكر شخصيا بما قلته في الحفل الافتتاحي لتأسيس مؤسسة علي يعتة، وهو أنني أدعو إلى إعادة تأسيس اليسار المغربي، وهذا يقتضي من جميع القوى التي تدعي أنها من اليسار أن تلتقي، خارج حتى الإطارات التنظيمية الحالية، وأن تناقش الموضوع وتضع أرضية يمكن أن يلتف حولها عدد كبير من المناضلين الذين مازالوا يبحثون عن الطريق.
ما حدث في الريف قدم الدليل على اشمئزاز الشباب من كل الإطارات القائمة،سواء كانت حزبية أوغير حزبية. وتابعنا كيف أن بعض المناضلين المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين ذهبوا إلى المنطقة وحاولوا الاتصال بسكانها ووجهوا بالرفض. وهذا يعني أن هناك أزمة ثقة ليس بين الشباب والمواطنين من جهة والإدارة الترابية والدولة من جهة أخرى، بل حتى مع الهيئات السياسية التي أصبحت مرفوضة من قبل عدد كبير من المواطنين، وهذا أمر مؤلم وخطير، لكنه يدعونا إلى تجديد العمل السياسي، والتخلي عن كل ما هو "سياسوي".
ما وصلت إليها الأحزاب التي توصف بالوطنية في المغرب ألا تتحمل فيه الدولة نصيبا من المسؤولية؟ خاصة مع وجود تصريحات لقيادات سياسية تتحدث عن التدخل في الشأن الحزبي، كما حدث مع الراحل أحمد الزايدي، وحميد شباط؟
المرحوم الزايدي والأستاذ شباط تحدثا بصفتهما مسؤولين في هيئتيهما السياسيتين، ويفترض أنهما والحالة هذه لا يطلقان الكلام على عواهنه، فلاشك أنهم لاحظوا هذه الأشياء وعاشوها من داخل تنظيماتهم الحزبية، وبالتالي لا يمكنني أبدا أن أكذبهما، وإن صرحا بذلك، فلاشك أن فيه نصيبا من الصحة، وأعرب عن أسفي لهذا الأمر.
ويجب التأكيد أننا بدأنا نلاحظ ما أشرت إليه منذ نشأة بعض الأحزاب التي ظهرت من العدم، دون أن تكون هناك حاجة مجتمعية لها.
تتكلم هنا عن الأصالة والمعاصرة؟
مثلا. بل أكثر من ذلك، بعض الأحزاب التي كنا نسميها بالأحزاب الإدارية قبل البعض منها أن يعين رئيسا عليها أو أمينا عام لها، شخص قبل أن تجتمع هيئاتها المقررة.
أظن أن هذا النوع من التبخيس للعمل السياسي لن يأتي بخير، ويمكن أن يؤدي إلى نفور المواطنين من هذه الهيئات كلها بدون استثناء، بل إلى نشوء واقع ملغوم قابل في كل لحظة للانفجار.
هل حكومة العثماني قادرة على الصمود باستحضار طبيعة تركيبتها الحالية؟
لست من أصحاب "النفاثات في العقد"، وكل التكهنات يمكن أن تكون فاشلة وغير متطابقة مع الواقع. أتمنى أن تكون الحكومة قادرة - على الأقل – على ما التزمت به أمام مجلس النواب وأمام مجلس المستشارين، لأنه لسنا في حاجة لأن ننتقل من "البلوكاج" المصطنع الذي عشناه لمدة شهور إلى "بلوكاج" آت من الحكومة الحالية.
تعتبر أن "البلوكاج " الذي سبق تعيين سعد الدين العثماني كان مصطنعا؟
في تصوري، "البلوكاج" كان مصطنعا، لأنه كان من الواجب احترام المنهجية الديمقراطية. نودي على المسؤول الأول للحزب الذي ربح الرهان واستطاع أن يحصل على القدر الأكبر من الأصوات في الانتخابات، والقدر الأكبر من المقاعد، ثم تعثرت الأمور، وهذا التعثر يبدو لي أنه كان مقصودا، هذا لا يبرئ ذمة حتى بنكيران، لأنه عندما أتاه أحد زعماء الهيئات التي ساهمت في نهاية المطاف في الحكومة، وعبر له عن استعداده لدخولها، كان عليه أن يعلن آنذاك عن تكوينها.
من تقصد؟
أتكلم أساسا عن السيد ادريس لشگر، عندما التقى به عبد الإله بنكيران رأسا برأس، وقال إنه على أتم الاستعداد ليدخل إلى هذه الحكومة، كان على بنكيران أن يعلن أن الحكومة الآن حصلت على أغلبيتها، ويشرع في تقديم الأسماء إلى صاحب الجلالة من أجل تكوين الحكومة.
بنكيران لم يكشف لحدود الساعة كل أوراق البلوكاج، وتوعد أن يفعل في القادم من الأيام. هناك روايات كثيرة منها أن لشكر أغلق هاتفه وسافر، وأخرى تفيد أن لشكر اشترط استبعاد حزب "الأحرار" وطالب بنكيران بالتصريح بذلك.
الله أعلم، ليس لدي هذا المعطى وبالتالي لا أدري، لأنه إذا كان قد وضع هذا النوع من الشروط، لماذا لم يضعها بالنسبة للسيد العثماني؟
لأنه "بلوكاج مصطنع"كما تقول
أظن أنه وصلنا إلى مستوى رديء رغم أنني لا أريد استعمال هذا الوصف ولكنه يكاد أن يكون رديئا بالنسبة للتعامل السياسي العام، هذا ليس أسلوبا.
هل ترى أن بنكيران يستحق أن تتمدد حياته السياسية على رأس حزب العدالة والتنمية؟
حياته السياسية غير مقيدة بالقانون الأساسي للحزب. هذا الأخير يقول إنه ليس للمسؤول الأول في داخله، الحق أن يتعدى ولايتين، ولكن الحياة السياسية ليست رهينة بهذا القانون، حتى وإن لم يكن أمينا عاماً للحزب، يمكن أن يكون له تأثير وآثار كبيرة على سير حياة تنظيمه بل وسير السياسة العامة في البلاد.
كنت قد تكلمت في برنامج "ضيف الأولى" عن الوزير حصاد وقلت جاؤوا به ليكون وزيراً ثم صبغوه بلون الحركة. ما رأيك في تعيين تكنوقراط على رأس أحزاب سياسية؟
هذا أسلوب عمل غير صائب بتاتاً وغير مجد، بل تدخل هذه العملية في إطار تبخيس العمل السياسي. وهذا شيء خطير ومساس حتى بكينونة الشخص المعني بالأمر، لأنه يصبح وكأنه بيدق يوضع في أماكن مختلفة دون أن يكون مقتنعا بما يقوم به، حقيقة هذا شيء مؤلم.
من يروجون لهذا الخيار يدفعون بكون تكنوقراط أفضل من رجل السياسية في تدبير عدد من القطاعات
أنا متفق معك في قول إن هذا الأمر ترويج، وهذا الأخير يدخل أيضا في تبخيس العمل السياسي، لكن الخيار خطأ، لأن هذا التبخيس لن يعود بالخير على الأمة برمتها، لابد أن يحترم العمل السياسي.
طبعا ليس هناك أي عمل غير مشوب بنوع من الأخطاء، لا ريب في هذا الأمر، لكن كفانا من هذا النوع من الأساليب لأنها ستعود بالسوء كما قلت على الجميع.
هل من الممكن أن نقول إن المغرب في حاجة إلى تعديل دستوري آخر؟
المشكل في موازين القوة ولمن الغلبة فيها اليوم.
كثير من المتتبعين يقولون إن نبيل بن عبد الله ساهم بشكل كبير في عيش حزب التقدم والاشتراكية تحت ظل بنكيران وليس ظل العدالة والتنمية، يعني أصبح حضور حزب التقدم والإشتراكية في شخص نبيل بن عبد الله مقرونا بحضور العدالة والتنمية ممثلا في عبد الإله بنكيران.
هناك من يقول عكس ذلك، أي إن عبد الإله بنكيران يستقي تصوراته وأفكاره من نبيل بن عبد الله، وأظن أن كلتي النظريتين خاطئتين، أظن أن كل واحد حر في تصوراته، نحن قبلنا التحالف مع حزب العدالة والتنمية بعد تحليل موضوعي، أو على الأقل نعتبر أنه كان موضوعيا ومازال موضوعيا وواردا
أرى أن تحليلنا للأوضاع، على ضوء التحالف مع العدالة والتنمية بقي صالحاً، ولا أظن أننا أغفلنا شيئاً في ما يخص المعطيات والمكونات التي أدت إلى الخلاصة التي وصلنا إليها، ثم نعتبر أن تكوين هذا التحالف كان في صالح شعبنا، إذ أن الحزب له مرجعية دينية، استطاع أن يتعايش مع تصور مدني له خلفيات يسارية، لا أتكلم فقط عن الحزب، بل أتكلم عن الإطار العام الذي اشتغل فيه. وهنا أشير إلى قبول الدستور بما يتضمنه من احترام للحريات الفردية والجماعية، كل هذه الأشياء مهمة جدا، لم نكن نتصورها فيما قبل، كان هناك نوع من الانفصام لدى عدد كبير من المناضلين في العدالة والتنمية وحتى بعض قاداته، إذ أنهم كانوا يتكلمون عن مفاهيم وعن تصورات لا تمت بصلة إلى ما تم الاتفاق حوله اليوم من خلال التصويت على الدستور، وتفعيله.
إذا ما عدنا للحظة البلاغ الذي صدر عن الديوان الملكي وانتقد تصريحات نبيل بن عبد الله ثم ما صدر عن الحزب بعد ذلك. ما كان موقفكم وما هو تقييمكم اليوم لتلك الواقعة؟
موقف اسماعيل هو موقف المناضل في حزب التقدم والاشتراكية، المتضامن مع حزبه بشكل مطلق والذي يعتبر أن أمين عام حزبه ظلم في هذه العملية، إذ لم يكن يقصد أبدا شخصا بعينه. من دون شك أن الصحافي الذي أجرى الحوار عوض أن يحترم ما جاء على لسان الأمين العام بصيغة الجمع، اكتفى بصيغة المفرد (وأظن أن العربية عندما ينطق بها تمكن من حصول هذا الخط). إن الهيأة التي أشار إليها الأمين العام لم يؤسسها شخص واحد، بل الجميع يعلم أن عدداً من الناس ساهموا في تأسيسها، البعض منهم مازال موجودا في هذه الهيأة، والبعض الآخر غادرها لأسباب تخصه، علينا أن نبحث لماذا هؤلاء غادروا هذه الهيأة.