كيف ترون تدبير الدولة لملف الريف؟
وقع خطأ، لأننا في اعتقادي تركنا الأمور تتعفن. كان بالإمكان أن يحسم الملف بشكل سريع، فالمطالب التي رفعتها جماهير الحسيمة والريف عموما هي مطالب مشروعة في مجملها، وكان على الدولة أن تستجيب لها، لكنها لم تفعل، لماذا.. هذا سؤال كبير.
لكن ونحن نعالج ملف الريف ينبغي أن نستحضر قائمة كاملة من المعطيات الهامة بخصوص الريف والمغرب. نحن نعيش في دولة فقيرة، وغير قادرة على خلق ما يكفي من الثروة، والاستجابة لكل تطلعات الجماهير وما أكثرها.
ثم هناك معطيات خاصة بتلك المنطقة، فهي لم يساعدها الحظ حتى على المستوى الطبيعي، لتكون مندمجة كليا مع باقي المجال الترابي الوطني، وعلينا أن لا ننسى معنى الريف بالأمازيغية، الذي يعني الأرض الوعرة، أو المكان الوعر. فعلا هو مكان وعر بجيولوجياته، وأتكلم كجغرافي. فهي منطقة محصورة بين الجبال، مع فصول باردة في الشتاء وحارة جدا في الصيف. المؤهلات قليلة جداً، حتى النهر الذي بني عليه سد محمد بن عبد الكريم الخطابي، عندما ننظر في اسمه، ماذا نجد؟ واد الغيص، معنى أنه لا يجري طول السنة، فهو عبارة عن سيل يأتي بكثير من الرواسب في فصل الأمطار، ثم بعد ذلك يجف، وتصبح منطقة غير ملائمة لإنتاج كميات كثيرة من المحاصيل الفلاحية.
معالجة مشاكل الريف يقتضي النظر في هذه المعطيات كلها، ولكن هذا لا يبرر العزلة التي بقيت فيها المنطقة ، إذ لولا ما يأتي من المهاجرين المنحدرين من هذه المنطقة، لكان وضعها أقبح.
كيف يمكن، اليوم، تجاوز هذه الأزمة التي أتمت تقريباً سنة؟
يجب فقط تفعيل ما تم اتخاذه من قرارات لتحسين ظروف عيش المواطنين، حتى يستطيعوا التحرر مما يأتيهم من الخارج ، إما من أهلهم أو من جمعيات قد يكون هدفها الاصطياد في الماء العكر.
المستشار الملكي عباس الجراري تحدث في حوار سابق عن عدم وجود رغبة لدى الملك للتدخل . هل نحن أمام خيار جديد في ممارسة السلطة؟
لا، لا أظن، فصاحب الجلالة كان على صواب عندما أثار الانتباه إلى عدم تنفيذ مشاريع الاتفاقيات بالنسبة لهذه المنطقة، وكان على صواب عندما طالب بإجراء بحث بالنسبة لكل ما هو متصل باستعمال العنف ضد المعتقلين، لكن لم يتدخل في سير العدالة، وهذا شيء طبيعي لأن الدستور واضح، وصاحب الجلالة حريص دائماً على احترام الدستور، إذ لا يمكن لأي مؤسسة أو هيأة أن تتدخل قبل النطق بالحكم، دون المس باستقلالية السلطة القضائية.
ما هو منتظر، هو أن تسرع هذه الهيأة القضائية بالنطق بحكمها وتفتح لذاك المجال للملك بأن يقوم بدوره، إن رأى في ذلك مصلحة بالنسبة للوطن برمته، أظن أن هذا أمر وارد.
ألا ترى أن حزب الأصالة والمعاصرة، يتحمل مسؤولية كبيرة فيما يقع في الريف اليوم؟
ليس لي معطيات جازمة للجواب على هذا السؤال...
هو الحزب الذي يدبر ويسير أغلب جماعات المنطقة ويترأس الجهة التي تنتمي إليها
هذا صحيح، هذا يزيد في مسؤولياته، من دون شك، أو يضع مسؤولية متميزة على كتفيه...
بل حتى أغلب قادة الحزب ينحدرون من الريف
ما قلتموه صحيح، ولكن هل هذا يجعلنا نرمي بالمسؤولية على هذه الهيأة لوحدها، أنا لا أتجرأ على ذلك، لكون لا تتوفر لدي معطيات كافية للإقدام على هذا الحكم.
هل انتهى حزب الأصالة والمعاصرة مع تقديم إلياس العماري لاستقالته؟
(مازحا) هل تريدني أن أعيد مسألة "النفاثات في العقد"..
ولكن هل ستتضرر قوة الحزب سياسيا أمام ما عايناه ونعاينه من استقالات جماعية والتراشق بالتصريحات بين قياداته
ما يكمن أن أذكر به، هو أن إنشاء الأحزاب لا يمكن أن يقع بجرة قلم في جميع الدول، وتجربة ماكرون و"حزبه" في فرنسا ستوضح ذلك. حسب تصوري، ظهور حزب يجب أن يكون مبنيا على تجذره في المجتمع أو في جزء منه، له قيم وقوة ووجود، أما إنشاء حزب فقط نزولا عند رغبة شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، هذا غير كاف، إذ يمكن أن نجد أنفسنا أمام أحزاب وهمية، كما يمكن أن نتواجد أمام أحزاب ظرفية.
هل أفقد العثماني رئاسة الحكومة القوة التوصلية التي منحها إياها عبد الإله بنكيران؟
هناك تباين على مستوى الشخصيتين وهذا بديهي ومنطقي، كل امرئ له شخصيته المتميزة، لا يمكن أن نحكم على عمل الأستاذ العثماني قبل نهاية المدة التي سيترأس فيها الحكومة، طالت هذه المدة أم قصرت، إنما الأعمال بخواتمها ونتائجها.
في إطار احتكاكك مع الشخصيتين أين ترى نقط قوة وضعف كل واحد منهما؟
ليست لدي معرفة كبيرة بهما تسمح لي بتقديم حكم جازم عنهما بنكيران أكثر كاريزما، على ما يبدو، وأكثر اندفاعا، والأستاذ العثماني أكثر هدوءا وأكثر برودة دم، وكلا الأمرين يتساويان.
كنت ضمن الشخصيات التي حضرت إعلان انسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي.. ألم يكن هذا القرار خاطئا؟
لا، لا أظن ذلك.كنت حاضرا كممثل لحزبي وكبرلماني في هذه الفترة. المغرب غادرهذه الهيأة لأنه يعتبر بأن البوليساريو هم مغاربة ولا يمكن لدولة أن تكون ممثلة بطرفين من نفس الدولة. اعتبرت هذا المنطق صائبا.
ولكن خسرنا الكثير بغيابنا عن منطمة الوحدة الافريقية؟
فعلا، لكن رغم ذلك لم يكن لها تأثير كبير على موقف المغرب، فمعركة المغرب اليوم هي مجلس السلام والأمن الإفريقي الذي يتخذ قرارته بالإجماع، ومهمته تدبير الصراعات في القارة، يجب أن تتغير المعطيات داخله لصالح المغرب.
كيف ترى اليوم السياسات الخارجية المغربية؟
أظن أنها أكثر نشاطا مما كانت عليه بالماضي، طبعا السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، يقوم بعمله ويتخذ عدد من المبادرات داخل مبنى الوزارة. وننتظر نشاطا أكبر ونضالية أكثر فعالية لممثلي المملكة في الخارج.
مسألة السفراء المناضلين هي العنصر الأساس، والإجراءات التي يُلوح بها بوريطة، والتي تنص على ضرورة اعتماد الكفاءات، فضلا عن وجود حركية وسط الدبلوماسيين، كلها إجراءات ايجابية، ما ننتظره هو أن تنظم بشكل دوري اجتماعات للسفراء. فلا يمكن لديبلوماسية أي بلد أن تنجح، إذا لم يقع اتصال بممثلي البلاد بشكل مباشر في جموع عامة مخصصة لتبادل التصورات ورؤا الخاصة أوصاع كل قارة أو تكثلات قائمة بين مجموعة من الدول. كذا مناقشة كل القضايا والمشاكل التي تعترض سبيل السيدات والسادة السفراء كهيئة ممثل للملك وللمغرب في الخارج.
هل سينجح بوريطة في زحزحة الجارة الجزائر؟
العلاقات مع الجزائر مرتبطة بقرار سياسي أكبر، ليس فقط على مستوى المغرب بل حتى على مستوى الجزائر. لحد الآن، ما نلاحظه هو تعنت القادة الجزائريين في مواقفهم، ومن دون شك أن الظروف غير ملائمة لأن الرئيس بوتفليقة يوجد في حالة صحية لا يحسد عليها، ثم من دون شك هناك بوادر لصراع على السلطة.
بالرجوع إلى الشأن الوطني، كآخر محور. هل ترى أن المغرب على السكة الصحيحة فيما يتعلق بالتعليم؟
لحد الآن، لم أر ذلك. هناك اجتماعات عقدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي خرج بخلاصات مهمة، مثل فكرة إصدار قانون إطار بالنسبة لإصلاح التعليم، ولكن هذا القانون الذي يعتبر لبنة هذه الأعمال كلها، لم نره يصل حتى إلى مستوى الحكومة. بالتالي، لست أدري لماذا هذا التأخير، هل هناك من ضرورة لتنظيم بيت وزارة التربية الوطنية قبل الدخول في هذه المرحلة؟ التساؤل يبقى مطروحا.
كيف ترى اقتراحات نور الدين عيوش فيما يتعلق بالتعليم ؟
سبق لي أن ناقشت مع السيد عيوش قضية تدريس "الدارجة"، ويتبرأ من ذلك، إذ لا يقول بتدريس "الدارجة" بل يقول التدريس باستعمالها، وهذا أمر وارد.
في حوار سابق أجريته مع عيوش قال "أبحث على أن يكون جسر ما بين اللغة العربية الفصحى والدارجة المغربية للوصول إلى لغة وسط ننص عليها في إجراءات التدريس بالدرجة".
لا، أبدا ليس بـ"الدارجة"، وإنما لغة وسطى. وهذا شيء صحيح بالنسبة لجميع الدول العربية، أن ندرس بلغة وسطى، لا نحترم كل قواعد سيبويه، ولا نسقط في استعمال الدارجة بالمطلق، إلا في حالة تفسير بعض الظواهر وبعض الأشياء، أو لضبط بعض الأمور.
نستعمل "الدرجة" لأنها تسهل إدراك التلميذ وحتى الطلبة. يمكنك أن تحضر بعض الدروس في الجامعة، التي يجب أن تلقى باللغة العربية الفصحى وتجد الأستاذ يستعمل أحياناً كلمات بـ "الدارجة"، وهذا ليس خطأ، لاسيما إذا كانت هذه الكلمة من أصل عربي قح.
أظن أن هذا جدال عقيم لا داعي للدخول فيه، الشيء الصعب هو أن تدخل "الدارجة" المدرسة كلغة في حد ذاتها. فعلينا إذا أردنا ذلك أن نقوم بما قامت به عدد من الشعوب في الماضي، كالشعب الفرنسي والإيطالي والإسبانيي، والتي قامت بتقنين لغتهم الدارجة وجعلها لغة رسمية للبلاد. وهذا أمر صعب جدا. لكن يبقى عند تبليغ الأشياء البسيطة التي تهم الصغار، لا داعي لاستعمال جمل معقدة ولا كلمات يتوجب فهمها العودة إلى (لسان العرب) لابن منظور.