في الوقت الذي كشف فيه ديوان إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، النص الكامل لخطابه أمام "المؤتمر الأول للحوار بين الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب العالمية"، كشف موقع "الصين بالفرنسية"، أن الوفد المغربي ضم أيضا نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وامحند العنصر، زعيم الحركة الشعبية.
وفي ما يتعلق بمضمون خطاب العماري، أمس (السبت) في بكين، فقد اعتبر فيه زعيم حزب "الجرار"، أن لديه "تقدير وإعجاب بالنموذج الصيني"، إذ "يجسد نجاح أمة عريقة استطاعت أن تستثمر مقوماتها الحضارية والروحية في بناء دولة قوية ما فتئت تشد إليها أنظار الشعوب عبر العالم".
وبالنسبة إلى العماري، "الانجازات الإقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والثقافية التي تتحقق اليوم في دولة الصين الشعبية لم تأت من فراغ". لأنها ثمار "دولة قوية، تعد نتاجا طبيعيا لقوة الحزب الشيوعي الصيني الذي ساهَمَتْ في بنائه زعامات فكرية وسياسية ستبقى أسماؤُها راسخة، ليس في تاريخ الصين وحده، وإنما في سجل البشرية جمعاء".
ولبس إلياس جبة الشيوعي، فاستحضر كارل ماركس في خطابه، قائلا "مما لاشك فيه أنه ليس هناك مفهوم واحد ووحيد للدولة، كما أنه ليس هناك نموذج موحد يمكن فرضه على الشعوب، بل هناك تجارب مختلفة للدول. وفي اعتقادي، إن النظرة الاستشرافية الثاقبة لكارل ماركس هي التي أوحت له بالكلام عن نمط الإنتاج الآسيوي، المختلف عن أنماط الإنتاج الأخرى".
وفيما أضاف المتحدث في السياق ذاته، أن ماركس، "قام بالتالي بالتأسيس لعصور بشرية جديدة تستطيع استثمار خصوصياتها الهوياتية التقليدانية لبناء تجارب ناجحة ومتفردة"، انتقل في بقية خطابه إلى استعراض تجربة المغرب، باعتبارها، في نظر العماري، مثالا حيا لما أورده عن فكر كارل ماركس في علاقتها بالخصوصية الثقافية وأنماط الإنتاج.
وقال العماري "اسمحوا لي أن أَسُوقَ مثالا ملموسا لتجربة سياسية في بلادي المغرب، يمكن اعتبارها تجربة في التحرر من النموذج النمطي المغلق الذي يمكن حشره في هذه الزاوية أو تلك. فحزب الأصالة والمعاصرة الذي أتشرف بتحمل مسؤولية أمانته العامة، يقوم في مرجعيته الفكرية على الزواج الوثيق بين المرجعية الحداثية التي تمثل نتاج التراكمات المعاصرة التي حققتها البشرية في مختلف المجالات، وبين المرجعية المحلية المتجذرة في تربة المجتمع المغربي والتي تتكون من الموروث الروحي والشعبي والحضاري المحلي الذي يعود إلى عدة قرون".
وفي نظر المتحدث ذاته "كما نجح الحزب الشيوعي الصيني على صيننة الفكر الماركسي، يعمل حزبنا على الاجتهاد في مَغْرَبَة المرجعيات الفكرية الكونية مستفيدا من تراكمات وانجازات باقي الأحزاب الوطنية المغربية"، من منطلق أن "تأصيل التجارب البشرية الناجحة في العمل السياسي داخل التربة المحلية التي تزخر بالتنوع الهوياتي والثقافي واللغوي، من خلال المحافظة على الأنماط الاقتصادية والروابط الاجتماعية والأعراف التنظيمية العريقة، يزيد من قوة الشعوب ويعزز وحدة الدول وتطورها".
وأكد رئيس جهة طنجة، أن "حرص الأحزاب على تأصيل التجارب السياسية المعاصرة وملاءمتها للخصوصيات المحلية، هو من باب الحرص على المحافظة على عناصر القوة التي وحدت المجتمعات لقرون"، مضيفا أن "وحدة المجتمع وانسجام مكوناته الهوياتية المختلفة والمتنوعة، هو صمام الأمان للاستقرار. والاستقرار هو دعامة أساسية لقوة الدولة، وشرط ضروري لتحقيق التنمية الإقتصادية وتطور المجتمع".
وتحدث العماري، عن قوة الدولة في علاقتها بالأحزاب، فقال "صحيح أن الوصول إلى بناء دولة قوية يحتاج إلى سلوك طريق طويلة ومليئة بالأشواك. وصحيح أيضا أن بناء حزب سياسي يساهم في بناء دولة قوية يحتاج إلى التقيد ببعض المبادئ الكونية التي لا محيد عنها، رغم الصعوبات والثغرات وأحيانا التناقضات التي تكتنفها، حتى في البلدان التي عرفت ميلاد هذه المبادئ، وأقصد بالخصوص مبدأ الديموقراطية والمساواة".
وفيما أضاف العماري قائلا إن "الظرفيات الاقتصادية المتقلبة وتأخر تحقيق التنمية المنشودة، وما خلفته من استمرار ظاهرة الفقر والهشاشة والبطالة والأمية والارهاب وإنعدام الأمن، تضع أحيانا بعض العوائق في طريق الديموقراطية سواء داخل الأحزاب أو داخل الدولة، وقد تقف في وجه بلوغ مبدأ المساواة سواء بين الجنسين أو بين الأجيال وبين المجالات الترابية"، اعتبر أن "الأحزاب القوية هي تلك التي تنجح في التخفيف من وطأة هذه العقبات".
ويتأتى ذلك حسب العماري، "من خلال إخضاع البنيات التنظيمية والعمليات المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية للديموقراطية التمثيلية والتشاركية، مع العمل الحثيث على تثبيت مكانة المرأة والشباب في جميع بنيات الحزب، والحرص الشديد على إرساء برامج تراعي العدالة المجالية والترابية داخل نفس الدولة".
وحضر المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي، في خطاب العماري، فقال في السياق ذاته، "إن الدولة كما يرى المفكر المغربي عبد الله العروي، ليست شيئا مجردا، بل هي كيان مُجَسد مُحايِث للفرد والمجتمع. وإن الأحزاب السياسية هي الإطار الملموس الذي يؤطر الأفراد والمجتمع، وهي التي تنتج النخب المؤهلة سياسيا وأخلاقيا لتسيير الشأن العام بطريقة أفضل، ومن ثمة المساهمة في بناء الدولة القوية، الدولة التي تقوم بالأدوار المنوطة بها مع شعبها، ومع شعوب العالم".