يمتلك الكتاب العامون للقطاعات الوزارية السلطة الفعلية، ذلك أنهم يعتبرون الرؤساء الحقيقيين للإدارات التابعة لهم. لكنهم يستحيلون أكباش فداء كلما طفا على السطح خلل في التدبير.
لم يشعر الوزراء المعفون بمفردهم بشدة الزلزال المتولد عن فشل مشاريع برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، بل إن اهتزاز 13 نونبر الماضي طال أيضا الكتاب العامين لسبع وزارات: عبد الواحد فكرات (رئاسة الحكومة)، وفاطنة شهاب (السكنى والتعمير)، وعبد العالي علوي بلغيتي (الصحة)، وندى روديس (السياحة)، ومحمد لطفي المريني (الثقافة) وعبد العالي آيت العميري (الشباب والرياضة). وهو ما يعكس وزن هذه الفئة من خدام الدولة. فما هي اختصاصاتهم إذن، وما مواصفاتهم وكيف يسند لهم هذا المنصب؟
تميز.. وعمل في الظل
عثر محمد بوسعيد على لؤلؤة نادرة حين بادر إلى اقتراح زهير الشرفي (المدير العام حينها لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة) كاتبا عاما لوزارة الاقتصاد والمالية، ونال مصادقة المجلس الحكومي على اقتراحه في 2 نونبر 2017. غير أن اكتشاف شخصية بمثل مواصفات الشرفي ليس أمرا هينا، علما أن المسطرة المتبعة لتعيين الكتاب العامين للقطاعات الوزارية لا تيسر الأمور هي الأخرى.
للتعيين كاتبا عاما لإحدى الوزارات، من المفروض في المرشح أن يكون قد راكم على الأقل تجرب مدتها 10 سنوات من العمل في الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص، من بينها على الأقل أيضا أربع سنوات في منصب مدير مركزي، مثلما يجب أن يكون ذا خبرة في القطاع الذي يسعى إلى كتابته العامة وذا إلمام به.
وعقب اتخاذ قرار فتح باب الترشيح للمنصب من طرف السلطة الحكومية المعنية، بعد اطلاع رئيس الحكومة على ذلك، ونشره، يكون المرشح ملزما بتكوين ملف معزز بمساره التكويني والمهني وخبراته وكفاءاته في المجال، وخاصة بتقديم وعرض تصوره الشخصي للمهام التي سيعهد بها إليه وكيفية الرفع من أدائها أمام لجنة مختصة. ليحال انتقاء لجنة دراسة الترشيحات، بعد اتخاذه، على الوزير المعني الذي يحيله من جهته على رئيس السلطة التنفيذية.
وباستثناء منصب الكاتب العام لوزارة الداخلية الذي يؤول اختصاص تعيينه لمجلس الوزراء باعتباره من أطر الإدارة الترابية بدرجة والي، فالتعيينات في هذه الفئة من المناصب يتم تداولها والمصادقة عليها في مجلس الحكومة. لكن هذا التعيين ليس محسوما مسبقا دائما، مثلما يشرح الأمر كاتب عام سابق لإحدى الوزارات: "قبل التعيينات من هذا القبيل، تنجز مصالح وزارة الداخلية تقريرا، على شكل بطاقة معلومات، وتحيله على السلطات التي باستطاعتها الاعتراض على التعيين".
ما جدوى الكتاب العامين؟
هرميا، الكاتب العام هو الرجل الثاني على رأس كل القطاعات الحكومية بعد الوزير أو كاتب الدولة. وحسب مرسوم يتعلق بوضعية الكتاب العامين للوزارات صادر سنة 1993، فهذا الموظف السامي يتولى مراقبة أعمال المديريات والأقسام والمصالح التابعة للوزارة وتنسيق تنشيط أعمالها، ما يجعله المسؤول على الإدارة التابعة للقطاع برمتها، مركزيا ومحليا. علاوة على أن نفس النص يخول للكتاب العامين مهام إدارة شؤون الموظفين، وتحضير ميزانية الوزارة وتنفيذها، وإعداد مشاريع النصوص المرتبطة بمجالات نشاط القطاع، إضافة إلى بحث القضايا القانونية والمنازعات المتعلقة بالمصالح التابعة للوزارة. "هذا ما يجعل منه (الكاتب العام) باستمرار الرجل الأكثر إثارة للخوف في الوزارة، وأيضا للكراهية"، يعلق كاتب عام سابق.
لكن حسن سير أي قطاع حكومي كيفما كان يستلزم حدا أدنى من التفاهم بين الوزير وكاتبه العام، وهو ما لا يحصل دائما. "عانى بعض وزراء حكومة اليوسفي كثيرا من كتاب عامين ورثوهم عن سابقيهم في المنصب. وقد اضطروا للصراع لإعادتهم إلى مكانهم الطبيعي"، يتذكر مصدر عايش عن قرب تجربة التناوب، تلك الحقبة التي كان الكتاب العامون ما يزالون يعينون بظهير خلالها. أما حاليا، فالأغلبية الساحقة من الوزراء يحيطون أنفسهم بكتاب عامين مقربين من عائلاتهم السياسية. وحين لا تكون العلاقة جيدة بين الوزير وكاتبه العام، فللأول الحق في تغيير الثاني بعد اطلاع رئيس الحكومة على الموضوع.
والجدير بالتذكير أيضا أنه ليس ثمة نص قانوني يحدد مدة تحمل الكتاب العامين لمنصبهم هذا، علما أن القاعدة تقضي عموما بأن تتم التعيينات في المناصب العليا لمدة أربع سنوات.
كتاب عامون و"وزراء متدربون"
إذا كان عدد من الكتاب العامين قد اضطلعوا بمسؤولياتهم بدون المس بسلطة الوزير أو التطاول عليها، فإن بعضهم تحكم بزمام الأمور جلها في القطاعات التي كان من المفروض أن يسيرها بمعية وزيره. وتظل حالة محمد حجاجي، الكاتب العام السابق للداخلية في عهد إدريس البصري الذي استغني عن خدماته في بداية سنة 2000، نموذجية في هذا السياق. "كان إدريس البصري في أوج قوته، لكن لا قرار كان يتخذ بدون حجاجي الذي كان يتحكم في دواليب الإدارة المركزية"، يشهد رجل سلطة سابق محال على التقاعد حاليا.
وخلافا لهذا الكاتب العام المذكور، فإن آخرين جعلوا من المنصب هذا منطلقا حقيقيا لمسارهم. فناصر بوريطة، الوزير الحالي للشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وعمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، ومعهما يوسف العمراني، المكلف بمهمة في الديوان الملكي، تقلدوا جميعهم منصب كاتب عام لوزارة الخارجية. كما أن نور الدين بوطيب، الرجل الثاني في وزارة الداخلية، سبق له تحمل مسؤولية كاتب عام للقطاع نفسه، مثله مثل شكيب بنموسى، سفير المغرب حاليا في فرنسا. وبالنسبة للنساء، فلطيفة العبيدة اضطلعت بالمنصب ذاته في وزارة التربية الوطنية قبل أن تصبح كاتبة دولة في 2007. وإذا ما نظرنا إلى حكومة العثماني الراهنة، فسنكتشف أنه كثيرا ما يتم تناسي أن عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، كان كاتبا عاما لوزارة الاقتصاد والمالية.
لكن، ما المآل الذي ينتظر الكتاب العامين بعد فقدانهم لهذا المنصب (وللامتيازات التي يمنحها، ومن ضمنها تعويضات تتجاوز 60 ألف درهم)؟ "إذا كان المعني وافدا من الوظيفة العمومية، فإنه يعود لمنصبه بدرجة خارج السلم"، يشرح كاتب عام سابق. وبالمقابل، وفي حالة وفوده من القطاع الخاص، فإنه يكون ملزما بتدبير أموره ليطفو على السطح مجددا.