في حي راق في بيروت، يبتهج جيران الرئيس السابق لتحالف "رونو-نيسان" كارلوس غصن بوصوله المفاجئ من اليابان، حيث كان يحاكم في قضايا مخالفات مالية. على مواقع التواصل الاجتماعي، يسخر لبنانيون آخرون من انضمامه إلى "اللصوص"، في إشارة إلى طبقة سياسية تطالب حركة احتجاج واسعة منذ أكثر من شهرين برحيلها.
أمام منزل أنيق في محلة الأشرفية، في شرق بيروت، أقام فيه غصن خلال زياراته السابقة إلى لبنان ولم يتسن لوكالة فرانس برس التأكد ما إذا كان موجودا داخله حاليا، تبدو الحركة طبيعية. السواتر الخارجية للمنزل ذي الجدران الزهرية اللون مفتوحة، لكن أبواب مداخله الحديدية مغلقة. يخرق رجل يرتدي ملابس حارس أمني ويخرج من باحة المنزل على دراجة نارية مسرعا، الهدوء في صباح بارد في بيروت، قبل أن يحرك سائق سيارة مركونة أمام مدخل موقف مكان السيارة، فتخرج من الموقف سيارة أخرى، وتذهب كل منهما في اتجاه.
الجيران فرحون
يشاهد مصور في وكالة فرانس برس دورية تابعة لقوى الأمن الداخلي تصل في سيارتين الى محيط المنزل. يترجل من إحداهما ضابط برتبة نقيب ويدخل الى المنزل لدقائق ثم يخرج. وتبقى القوة متمركزة قرب المنزل؛ حيث تجمع مراسلو العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
داخل متجر للمواد الغذائية على زاوية الشارع، لا يخفي "رينيه"، وهو رجل في الخمسينات، سروره بعودة رجل الأعمال اللبناني، الذي حل قبل سنوات ضيفا على حفل تخرج أقامته مدرسة عريقة قرب بيروت، وسلم خلاله غصن ولديه شهادتيهما.
ويقول "رينيه" بحزم لوكالة فرانس برس، بينما تجلس زوجته قربه، "الظلم غير مقبول حتى ولو على عدوك"، مضيفا "هم ظلموه، فالإنسان بريء حتى إثبات جريمته، وليس مجرما حتى إثبات براءته".
ويتابع "لا يحق لليابان أن تعامل شخصا تولى رئاسة شركة سيارات مديونة لإنقاذها ثم حقق أرباحا فباتت من أهم شركات العالم، بهذه الطريقة"، معربا عن اعتقاده بأنهم "أرادوا إزاحته من منصبه على خلفية سياسية واقتصادية".
وأكد غصن (65 عاما)، رجل الأعمال اللبناني الفرنسي البرازيلي، الثلاثاء أنه موجود في لبنان. وقال في بيان نقله متحدثون باسمه في طوكيو "أنا الآن في لبنان. لم أعد رهينة نظام قضائي ياباني متحيز، حيث يتم افتراض الذنب".
ويشكل ذلك تطورا غير متوقع في قضية نجم صناعة السيارات الذي كان قيد الإقامة الجبرية منذ أبريل 2019. ويتهمه القضاء الياباني بعدم الإفصاح عن كامل دخله واستخدام أموال شركة "نيسان" التي أنقذها من الإفلاس للقيام بمدفوعات لمعارف شخصية واختلاس أموال الشركة للاستخدام الشخصي.
واعتقل غصن في طوكيو في نونبر 2018 لمدة 130 يوما، قبل أن يفرج عنه بكفالة بشروط قاسية، منها أن يحتفظ محاموه بجوازات سفره باعتبارهم ضامنين للتدابير القانونية المفروضة عليه. وكان يسمح له بالتنقل داخل اليابان، لكن فترة تغيبه عن مقر إقامته كانت تخضع لقيود صارمة.
وتقول سيدة خمسينية ذات شعر أشقر تقيم في مبنى ملاصق للمنزل الذي يفترض أن غصن داخله، من دون أن تكشف عن اسمها، "لا يمكن أن يتعاملوا معه بهذه الطريقة، إنه ابتزاز لكرامته وشخصه ولعزته".
وتضيف بتصميم "أعرف أنه إنسان ناجح، نحن جيرانه نحترمه بشكل هائل، هو بالنسبة إلى اللبنانيين مثال الإنسان الناجح".
على موقع "تويتر"، كتب الإعلامي ريكاردو كرم، الذي يعرف عنه صداقته لغصن وسبق أن استضافه أكثر من مرة في برامجه الحوارية التلفزيونية، "مهما كانت وسيلة الخروج من اليابان وحتى تتضح كل الأمور ويسمح لعملاق صناعة السيارات أن يتحدث للعلن، كارلوس غصن في بيروت. أهلا بالحرية وبحقوق الإنسان".
وندد محامو غصن وعائلته مرارا، خلال فترة اعتقاله بظروف احتجازه وبالطريقة التي تعاطى بها القضاء الياباني مع ملفه. وسمح القضاء له الشهر الماضي بالتحدث إلى زوجته للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر. وينفي غصن كل التهم الموجهة إليه، ويشير إلى أن عمليات الدفع التي قام بها من أموال شركة نيسان كانت لشركاء في المجموعة وتمت الموافقة عليها، وأنه لم يستخدم يوما بشكل شخصي أموال الشركة.
سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي
النفي لم يقنع ناشطين وروادا على مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من مجيء غصن إلى لبنان في وقت تشهد البلاد احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويطالبون برحيلها على وقع أزمة اقتصادية خانقة وقيود على سحب الودائع من المصارف.
على حسابه على "تويتر"، كتب المخرج والناشط في التظاهرات المستمرة منذ 17 أكتوبر لوسيان أبو رجيلي "السؤال الذي يدور في رأس كل لبناني: هل سيسمحون لكارلوس غصن بـ'خارجية'(مصروف) من البنك بقيمة مئتي دولار أسبوعيا على غرارنا".
واعتبر الموسيقي زياد سحاب في تعليق على "فيسبوك" أن غصن "انضم إلى البيئة الحاضنة للصوص"، بينما أبدت غيتا غصن الداعمة للتظاهرات استغرابها كيف أن لبنان "لا يجذب إلا السارقين".
وأحدث نبأ توقيف غصن صدمة لدى اللبنانيين الذي كان كثيرون منهم يعتبرونه نموذجا عن النجاح اللبناني في الاغتراب. وندد سياسيون مرارا باحتجازه، فيما ارتفعت في شوارع بيروت بعد توقيفه لوحات إعلانية حملت صورته مرفقة بتعليق "كلنا كارلوس غصن".
وتكررت، خلال السنوات الماضية، زيارات غصن إلى لبنان حيث أمضى جزءا من طفولته من السادسة حتى الـ17 من عمره.
وكتب الباحث والأستاذ الجامعي علي مراد الناشط في صفوف المتظاهرين على صفحته على "فيسبوك"، "على أساس أنه ينقص البلد سارقون حتى يطل كارلوس غصن فجأة علينا! يا عزيزي كلهم لصوص".