اختار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عشية يوم السبت 18 ماي 2024 اختتام برنامجه الثقافي في المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي انعقد من 9 إلى 19 ماي الجاري، الوقف على مناقب الراحل واللساني المغربي بناصر وسكوم الذي وافته المنية يوم 20 شتنبر 2020.
المسار المهني
مرّ الدكتور بناصر وسكوم، من جميع أسلاك التعليم حيث ولج مدرسة المعلمين في سن 17 سنة، وعين بجهة ببني ملال، رغم ذلك استمر في الدراسة بالموازاة مع العمل، ودرّس في سلكي الإعدادي والثانوي، وشغل مهمة التفتيش.
بعدها ولج إلى التعليم العالي سنة 1987 مع افتتاح كلية الآداب ببني ملال والتي كانت تابعة آنذاك لجامعة القاضي عياض، وخلال هذه الفترة انخرط في الجامعة وكل مكوناتها سواء فيما يخص التسيير أو التأطير العلمي.
وتوج هذا الانخراط بنيابة العميد بعدها العمادة، واستمر في العمل كعميد بالنيابة الكلية الآداب سنتين بعد التقاعد.
المسار العلمي
أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، ذكر أن الراحل بناصر وسكوم من الأساتذة والباحثين اللذين كرسوا حياتهم في سبيل البحث في مجال اللسانيات الأمازيغية".
وأضاف أن " وسكوم في جميع مهامه كان خدوما للطلبة وللتلاميذ ولمؤسسته التي يعمل بها، كما أنه أب مربي متميز، أبنائه وبناته جميعهم أساتذة جامعيون، واشتغلوا في نفس المجال، اللسانيات والآداب حول اللغة الأمازيغية، وهذا شيء يثلج الصدر، وهذا يجعلنا نحترمه أكثر فأكثر، لقد كان ناجحا من جميع النواحي".
وشدّد على أن "الفقيد تألق في مجالي الصرف ومعجم اللغة الأمازيغية، وأنجز إطارا نظريا متقدما تجاوز به الحصيلة التي كانت موجودة آنذاك في أبحاث الصرف، ثم انتقل في أطروحته دكتوراه الدولة لإعداد معجم شامل للمنطقة التي ينتمي إليها آيت ويرة".
زكى هذا الأمر، ابن الراحل، منير وسكوم ، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة السلطان مولاي سليمان في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، قائلا: "تعددت أعمال الوالد وارتبطت جلها بالجانب اللساني، فقد تناول بالدرس الأمازيغية سواء على مستوى التركيب أو النحو أو المورفولوجي أو المعجمي".
وأبرز المتحدث ذاته، أن "هذا الاهتمام منه بالدرس الأمازيغي توج بإصدار أول استغرق سنوات من العمل وهو المعجم الأمازيغي الفرنسي قبيلة ايت ويرة الأطلس المتوسط ، والدي كان قبل وفاته بأشهر، بصدد تنقيحه وإغنائه لإعادة نشره، ثم هناك إصدار خاص مورفولوجية الفعل في الأمازيغية وآخر عن الأمثال الأمازيغية وبعدها الثقافي والسوسولوجي دائما ضمن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية".
حاضر روحا وفكرة
الدكتور الحسين المجاهد، الأمين العام للمعهد الملكي للثقافة، أكد أنه "رغم مرور بضع سنوات على غياب الفقيد بناصر، فهو كالعديد من الراحلين الوازنين سيبقى ذلك المتواري دائم الحضور، غائب جسدا لكنه حاضر روحا وفكرة ومقاما".
وأضاف صاحب كتاب "النحو البنيوي للغة الأمازيغية"، أن بناصر وسكوم خلف أبناء الأربعة حاملون لرسالته المثقلة ليس فقط بقيم التربية الصالحة، التي أفلح في تربية أنجاله بتضحيات مثالية، وبمساعدة والدتهم ذات الدور الاستثنائي في هذا المسار بل فضلا عن ذلك الإرث الذهبي، أفردهم بنواميس العلم والبحث في مجال ثقافي، يستنكف الكثيرون عن المجازفة بأبنائهم في غماره، حقل الهوية واللغة الأم والإسهام في مسار نهضتها".
رجل أفعال ومواقف
وأشار ابن الراحل في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، إلى أن "الوالد كان رجل أفعال ومواقف وانعكس ذلك أيضا على بحثه وإخلاصه للأمازيغية كشرط من شروط تحقيق المواطنة العاملة حيث كان مؤمنا يذكره النضال المبني على أسس فكرية وأكاديمية بعيدا عن العصبية والقبلية مؤمنا أيضا بأن مستقبل الأمازيغية رهين بإرادة كل فعاليات المجتمع المغربي، خاصة وأن هناك رعاية سامية وإرادة سياسية، وطوبونيمية الأرض المغربية كما كان يقول تتكلم أمازيغية من شرق المملكة إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها".
وحول حياة الوالد، أفاد منير وسكوم ، أمام شهادة أخواته (نجاة، سعاد، أمال) أن "شخصيته كانت نفسها سواء خارج المنزل أو داخله. لم يكن يؤمن بالعنف كيفما كان، واضح و شفاف في مواقفه وآرائه مع الجميع، صارم في التربية، وخير ما تعلمنا منه أن الاحترام والنقاش والالتزام بالمبادئ وحب الأرض هم أساس الإنسان الناجح والمواطن النافع".