بعد صمت طويل، خرجت أسماء المرابط، الرئيسة السابقة لـ"مركز الدراسات والأبحاث في القضائية النسائية في الاسلام"، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، لتقدم معطيات أكثر تفصيلا حول استقالتها من الرابطة على خلفية دعوتها للمساواة في الإرث.
تيار تقليدي متشدد
وقالت أسماء المرابط، في حوار مع مجلة "ذوات" الالكترونية، "إن الرابطة المحمدية لعلماء المغرب مؤسسة محترمة، ولكن للأسف يوجد في داخلها تيار تقليدي ومتشدّد، لم يتقبل أبداً تعييني رئيسة للمركز الذي شغلته".
وأضافت "كان قصد الأمين العام آنذاك، فتح فضاء للدراسات الإسلامية فريد من نوعه في العالم العربي، ذلك أنها المرة الأولى التي يُحدث فيها مركز للدراسات النسائية داخل مؤسسة دينية. والذي لن أنساه أبدا، هو أنّني تعلمت الشيء الكثير من العلماء والعالمات والباحثين والباحثات في المركز وفي الرابطة، رغم أنني كنت أعلم أن هناك تياراً محافظا كان يرفضني منذ البداية".
واعتبرت المرابط أن "قضية الإرث ليست بالمحورية، لأن المهم هو مقاربة التدين التي ننهجها، والتي تستوجب التغيير"، بحسبها.
وبخصوص الضجة التي أثارتها دعوتها للمساواة في الارث، قالت المرابط "لم أفهم ما حصل، فما نشرته لا يحمل في الأساس أية مغالطات؛ فالغلط الوحيد الذي ارتكبه محرر المقال هو أنه لم يركز على ما قلته ثلاث مرات في ذلك المؤتمر من أنني لا أمثل الرابطة، وإنما أمثل رأيي الشخصي، وقد قلتها من قبل: إنني لا أتقاضى أجرا مقابل مهمتي في الرابطة حتى أبقى مستقلة".
وتابعت " كنت على دراية أيضا بالخطوط الحمراء المحددة، ثم إن مراجعاتي وأفكاري التحررية كان منطلقها الإسلام، وكانت دائماً من داخل المرجعية الإسلامية. كان من الممكن أن أبقى خارج المؤسسة، فيسهل علي الانتقاد والتعبير عن رأيي دون أي قيود، إلا أنني ارتأيتُ خوض هذه التجربة الفريدة من نوعها، ولأنني أردت الانطلاق من هذا السياق البيداغوجي في التحرر من الداخل، لأنني مقتنعة به وأريد إيصاله".
لا وجود للتعصيب في القرآن
وأوضحت المرابط أن "مناقشة الإرث بعيدة كل البعد عن المؤسسة، فقد كنا نتحدثُ عن القوامة، وهو المشروع الذي كنا نشتغل عليه، إلا أننا لم نكن نشتغل على الإرث بصفة رسمية. وقدمنا كتابا جماعيا في إطار بحث في الجامعة، يتعلق بموضوع الإرث من جميع المنظورات السياسية والاقتصادية وغيرها، وشاركت فيه بمقال حول الإسلام والعدل والإرث. وأثناء المناقشة طرح سؤال حول التعصيب، وتصادف ذلك مع اقتراح منسقة الكتاب صياغة عريضة وقع عليها عدد من الأكاديميين والاقتصاديين والعلماء وشخصيات معروفة، وقد شرحت موقفي المؤيد لإلغاء التعصيب، لأنه لا وجود له في القرآن، بل هو نتاج مجهود فقهي، لا يعترف به الشيعة، وقد ألغته تونس منذ ستين سنة".
وزادت "حين سئلتُ عن الإرث، أجبت عنه مثلما أُجيب دائماً منذ عشر سنوات. من يقرأ كتبي، يعلم موقفي من الإرث، فما قلته حينها، أقوله دائما من داخل الرابطة وخارجها، وفي المؤتمرات الدولية، لا ازدواجية في الخطاب".
وتساءلت المرابط حول توقيت انزعاج التيار المحافظ، الذي وصل الأمر بمتزعميه إلى اتهامها بأنها تمس بثوابت الدين، وضغطوا عليها كي تستقيل.
وبخصوص المساواة في الإرث، قالت المرابط أنه "إذا ما رجعنا إلى ما قاله المفسرون والعلماء عبر تاريخ الإسلام إلى يومنا هذا، ما دام أن المعاملات فيها دائماً علل، والعلة هنا - للذكر حظين- لأنه مسؤول مادّياً عن الأُخت، إذا كان له نصيبان ولها نصيبٌ واحدٌ، فذلك عادلٌ رغم عدم التساوي ما دام يتكفّل بها، لأنها حرةٌ في التصرف في قسمتها، وفي المقابل، فهو مطالبٌ، بل مفروض عليه أن يتكفل بها مادياً، وذلك بالنسبة إلي يحمل كثيرا من المساواة، وللأسف ذلك لا يُطبق".
تكريس النظرة الدونية للمرأة
وتابعت "مشكلتنا اليوم أن علماءنا لا يحتكمون إلى الواقع، بل يظلون لصيقين بالنص الحرفي، ولا يعترفون بحقيقة أن المجتمع تغير، وأن النساء أصبحنَ يشاركنَ بشكل كبير في التدبير الأسري؛ فمن يتكفلُ اليومَ بأخته؟ إنهم يعلّلونَ ذلك بأنها ستتزوجُ. وحتى وإن تزوجتْ، فهي مطالبة اليوم، بحكم مدونة الأسرة والإكراهات السوسيو- اجتماعية، المشاركة في مصاريف البيت مع زوجها، فهي إذن شأنها شأن أخيها الذي سيتزوج أيضا. كل ما في الأمر، أننا مع تطبيق الآية بمفهومها المقاصدي، ومن استطاع التكفل بأخته فذلك أمر جيد، وإن لم يستطع، فليُعطها حقّها. هذا ما قلته بالأساس، وهو ليس خارجاً عن السياق القرآني، ولا الفقهي ولا التعليلي".
وزادت المتحدثة "من المؤسف أن من اتهمني بالخروج عن النص، وبأنني حداثية غربية، وما إلى ذلك، لم يقرأ إصداراتي ولم يناقشني، لقد قرأوا فقط عنوان المقال. المقال في كليته جيد، وأنا مسؤولة عما جاء فيه، إذ إنني أومن بالمساواة مثلما أومن بالعدل".
واعتبرت المرابط "إن كارثتنا العظمى تكمن في التربية الدينية، حيثُ نلقن الأطفال في مدارسنا، ذكورا وإناثاً، آية الميراث، دون أن نشرح لهم مقاصدها، ودون أن نفهمهم العلة، فتُغرس في عقلية الطفل أنه أهم شأنا من الأنثى، لأنه يرث قسمتين وتتكرس النظرة الدونية لدى الأنثى".
وزادت "تناقش اليوم أساتذة جامعيين، فيقولون بدورهم إن ذلك لا يقبل أية علة وأن الله قضى ذلك. على العكس، لقد جاء القرآن لنتفكر فيه، ومن دليل ذلك الآيات العديدة التي وردت فيها عبارة: "أَفَلَا يَعْقِلُونَ"، توضح المرابط.