خديجة قدوري-صحافية متدربة
أعلنت هيئة الصحة التابعة للاتحاد الإفريقي عن إقرار "حالة طوارئ صحية عامة" بسبب تفشي جدري القردة في دول أفريقيا الوسطى، محذرةً من خطورة الوضع الصحي المتدهور في القارة السمراء، حيث يشهد عدد من البلدان الإفريقية، وخاصة جمهورية الكونغو الديمقراطية، زيادة ملحوظة في عدد الإصابات بهذا المرض.
منذ ذلك الإعلان، تعيش وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حالة استنفار لمنع دخول المرض إلى الأراضي المغربية. هذا وقد أبلغت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية جميع المواطنات والمواطنين بأنها تراقب عن كثب الوضع الوبائي لمرض جدري القردة (إم-بوكس)، الذي ينتشر حالياً بشكل كبير وسريع في عدد من الدول الإفريقية، وذلك في إطار منظومة الرصد الوبائي الدولي.
التدابير الوقائية لمواجهة جدري القردة
وفي هذا السياق، أشار مصطفى الناجي، أخصائي في علوم الفيروسات ومدير مختبر علوم الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إلى ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات. "أولاً، تشديد الرقابة على الحدود، حيث أن الحالات غالباً ما تكون وافدة، ويتطلب ذلك وجود طاقم متخصص لتسهيل التعرف على الحالات المصابة. ثانياً، الوقاية من هذه العدوى تعتمد على التطعيم، وينبغي للأشخاص الذين لم يتلقوا لقاح الجدري أن يبادروا بأخذه لحماية أنفسهم والآخرين. ثالثاً، في حال وجود مريض، يجب عزله وتقديم العلاج له تحت إشراف طاقم طبي متخصص، مع تزويده بمضادات الفيروسات اللازمة".
وأضاف الأخصائي في علوم الفيروسات أنه "ينبغي توعية المواطنين بضرورة التعرف على المرض وأعراضه، بالإضافة إلى اتباع إجراءات الوقاية من خلال تجنب كل ما قد يؤدي إلى انتشار العدوى".
التمويل والتطعيم لمحاصرة المرض في إفريقيا
في هذا الصدد صرح طيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية ونائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة، أن "محاصرة المرض في إفريقيا تتطلب اتخاذ إجراءات صحية عامة مثل، التحاليل، والعزل، والتوعية، بالإضافة إلى الزيارات الطبية من قبل الأطباء والممرضين، وكل هذه الإجراءات تحتاج إلى تمويل".
كما أكد على أهمية تلقيح المصابين بالمرض للحد من انتشاره والسيطرة عليه، إلا أن المشكلة تكمن في أن العديد من الدول الإفريقية تعاني من انتشار الفيروس، لكنها تفتقر إلى الموارد المالية اللزمة لإجراء التحاليل وتوفير اللقاحات".
موقف الدول الغنية من دعم مكافحة الفيروس
وفي سياق متصل، أضاف الطبيب الباحث أنه" في الدول الغنية، لا يوجد تفشي للفيروس، ولديهم الموارد اللازمة مثل اللقاحات والمختبرات والأبحاث العلمية لمواجهة أي تهديد. والخبراء اليوم يرون أن السيطرة على المرض ممكنة إذا قدمت الدول الغنية الدعم المطلوب. ومع ذلك من غير المتوقع أن تقدم هذه الدول المساعدة، حيث لم تحرك هذه الدول ساكنا منذ ظهور الفيروس في السبعينيات لأنها ترى الخطر بعيدا عنها، وتنتظر ما إذا كان الفيروس سيشكل تهديدا مباشرا لها".
وتابع قائلا "هذه الدول تنتظر الإجابة على سؤالين: مدى انتشار الفيروس عن طريق الهواء، وإذا كان ينتشر فقط من خلال الاحتكاك أو التقارب، فإن ذلك لا يثير قلقا كبيرا لديهم، بفضل توفر وسائل النظافة الحديثة، والحفاظ على التباعد الاجتماعين، والاهتمام المستمر بالصحة".
وأعرب المتحدث عن أن "الفيروس قد يكون أقل خطورة في الدول الغربية بفضل مناعتهم المختلفة، لكن إذا بدأ الفيروس في الانتشار بشكل أسرع عبر الهواء، فقد يشكل تهديدا أكبر، في هذه الحالة، ستكون الدول الغربية أكثر استعدادا للتعاون مع الدول الفقيرة في إفريقيا، وتقديم الدعم والموارد اللازمة فقط عندما يتأكدون من أن الفيروس يشكل خطرا حقيقيا في صحتهم العامة".
تكثيف الجهود العالمية لمحاصرة المرض
وخلص الطيب حمضي إلى "ضرورة تكثيف الجهود العالمية لمحاصرة المرض في مكان انتشاره، لأن الفيروس لا يعرف الحدود. بالنسبة للمغرب، يجب البدء بتوعية المواطنين، تليها توعية المهنيين الصحيين، حيث أن الإجراءات الحالية تبقى محدودة".
وقال حمضي إن "المغرب يتمتع بمختبرات مجهزة قادرة على التعرف على الفيروس ونوعه وسلالته، وهو ما يعد ضرورياً في مجال الصحة العامة، ويشمل المراقبة، التوعية، والكشف المبكر. على الرغم من عدم توفر اللقاحات في المغرب، حيث أن 95% إلى 96% من دول العالم تفتقر إلى لقاحات جدري القردة، فإن الحاجة إليها ليست ملحة بعد، لكن من المهم توفيرها للدول الإفريقية مثل الكونغو والدول المجاورة، وللأشخاص المقربين من المرضى".