النموذج التنموي.. التفاصيل الكاملة لرفض قادة الأغلبية تصور العثماني

مكونات الأغلبية الحكومية - رشيد التنيوني
الشرقي الحرش

في 13 من أكتوبر من سنة 2017، أعلن الملك محمد السادس في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح البرلمان أن النموذج التنموي المغربي أصبح "غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية ، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".

وفي نفس الخطاب، دعا الملك "الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية ، كل في مجال اختصاصه ، لإعادة النظر في النموذج التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد"، كما دعا لإشراك الكفاءات الوطنية، والفعاليات الجادة، وجميع القوى الحية للأمة في وضع المشروع الجديد.

ومباشرة بعد خطاب الملك، بدأت بعض المؤسسات الدستورية كالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في إعداد مساهماتها.

 صراعات الأغلبية

 في ماي من العام الماضي، عقدت الهيأة العليا للأغلبية التي تضم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وعزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، ونبيل بن عبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وامحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، فضلا عن محمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، إجتماعا قرروا أثنائه إعداد تصور حول النموذج التنموي.

ولترجمة هذا الهدف على أرض الواقع قررت هيأة الأغلبية تنظيم يوم دراسي مشترك حول "النموذج التنموي"، على أن يتم إعداد تصور شامل استنادا إلى التوصيات التي ستنبثق عنه.

 وتشير المعطيات، التي حصل عليها "تيل كيل عربي" من مصادر متطابقة، إلى أن الهيأة العليا للأغلبية شكلت لجنة تحضيرية من أجل إعداد ورقة تصورية لليوم الدراسي، الذي تقرر تنظيمه حول النموذج التنموي.

 هذه اللجنة ضمت كل من سليمان العمراني عن حزب العدالة والتنمية رئيسا، ورشيد الطالبي العلمي عن حزب التجمع الوطني للأحرار، ويونس مجاهد عن الاتحاد الاشتراكي، ورشيد روكبان عن التقدم والاشتراكية، إلا أنها ستعقد اجتماعا يتيما كان هو الأول والأخير بسبب الخلافات .

 في هذا الصدد، كشف مصدران من الأغلبية، تحدثا لـ"تيل كيل عربي" أن هذا الاجتماع الذي عقدته اللجنة التحضيرية لتنظيم اليوم الدراسي كان مصيره الفشل، بعدما أصر رشيد الطالبي العلمي، ممثل حزب التجمع الوطني للأحرار ، في اللقاء، أن هناك مستجدا سياسيا خطيرا يجب التوقف عنده طويلا قبل مناقشة موضوع "النموذج التنموي".

 هذا المستجد لم يكن سوى استقالة لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة من منصبه، بعد مشاركته في وقفة احتجاجية لعمال شركة سنترال المتضررين من حملة المقاطعة الشعبية.

 رشيد الطالبي العلمي، الذي حاول "تيل كيل عربي" الحصول على رأيه دون جدوى، اعتبر أن استقالة الداودي دون استشارة أحزاب الأغلبية تهدد تماسك الحكومة، بحسب مصادرنا. وأمام هذا الوضع، انفض جمع اللجنة، ولم تجتمع منذ ذلك الحين، رغم رفض استقالة الداودي.

 مصدر من الأغلبية حمل حزب التجمع الوطني للأحرار مسؤولية افشال اللجنة التحضيرية، وقال "هاد الناس كانو تيقلبو على سبايبو، وكان هدفهم الإفشال من الأول".

 مهلة الملك

 بعد سنة كاملة من دعوته لإعادة النظر في النموذج التنموي، عاد الملك محمد السادس في خطابه أمام البرلمان في 13 من أكتوبر من العام الماضي ليعلن أن بعض الهيئات والمؤسسات والكفاءات الوطنية استجابت لندائه، وقامت بإعداد بعض المساهمات والدراسات.

 من جهة أخرى، أعلن الملك عن قراره  تكليف لجنة خاصة، مهمتها تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكلتها، وبلورة خلاصاتها، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج؛ على أن ترفع إليه، مشروع النموذج التنموي الجديد، مع تحديد الأهداف المرسومة له، وروافد التغيير المقترحة، وكذا سبل تنزيله"، كما منح الحكومة وباقي الهيئات مهلة مدتها 3 أشهر لتقديم مساهماتها.

صراعات الحكومة

 بعد فشل الأغلبية في التوافق حول تصور مشترك للنموذج التنموي، كلف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عددا من خبراء رئاسة الحكومة بإعداد مساهمة حول النموذج التنموي، وهي المساهمة التي سيطلع وزراء الحكومة عليها في اجتماع خاص، وطلب منهم إبداء ملاحظاتهم حولها قبل ارسالها للجنة الملكية.

 مصدر وزاري، تحدث لموقع "تيل كيل عربي"، كشف أن رئيس الحكومة وجه في البداية مساهمة من ثلاث صفحات إلى الوزراء من أجل ابداء ملاحظاتهم حولها، وهو ما كان موضع رفض من طرف بعضهم، الذين اعتبروا أن رئيس الحكومة وضعهم أمام الأمر الواقع، وأن عليهم الموافقة فقط.

 ويشير مصدر "تيل كيل عربي" أن رئيس الحكومة عقد اجتماعا آخر منذ أسابيع مع الوزراء، وعرض عليهم مساهمة تضم أزيد من 20 صفحة من أجل إيداء ملاحظاتهم حولها، إلا أن بعضهم تحفظ على منهجية الإعداد، واعتبر أن الأصل أن يتقدم الوزراء بمساهماتهم، ثم يشكل رئيس الحكومة لجنة تقوم بالصياغة النهائية، قبل بعث المساهمة للملك.

رفض الأغلبية

 أثار  إدام رئيس الحكومة على إعداد تصور حول النموذج التنموي احتجاج الأمناء العامين لأحزاب التجمع والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، الذين اعتبروا الأمر تجاوزا لهم.

 وذهب زعماء الأحزاب المذكورة إلى  أن رئيس الحكومة عمل على فرض تصور جاهز على أعضاء الحكومة، متهمن إياه بفرض تصور حزبه على الحكومة.

 وتشير المعطيات، التي حصل عليها "تيل كيل عربي"ـ أن الأمناء العامين لحزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية وجهوا مراسلة إلى رئيس الحكومة يعلنون فيها رفضهم المساهمة التي تقدم بها رئيس الحكومة حول النموذج التنموي شكلا ومضمونا، نظرا لكونها لم تخضع للنقاش داخل الأغلبية.

 مصدر من رئاسة الحكومة، تحدث لـ"تيل كيل عربي"، نفى صحة الأخبار التي تداولتها عدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية التي ذهبت إلى كون رئيس الحكومة فرض تصور حزبه على باقي أعضاء الحكومة، مشيرا إلى أن التصور أعده خبراء رئاسة الحكومة، وأن عددا من الوزراء، بما في ذلك بعض وزراء التجمع الوطني للأحرار قدموا ملاحظاتهم حوله إلى رئيس الحكومة، مضيفا أن العثماني سيأخذ تلك الملاحظات بعين الاعتبار قبل إرسال الصيغة النهائية للملك.

 من جهة أخرى، اعتبر مصدر وزاري من الأحزاب التي عارضت تصور رئيس الحكومة أن رسالة الأمناء العامين قامت بتصحيح الوضع، إذ أن الحكومة تتكون من أحزاب وحساسيات ايديولوجية متباينة، الشيء الذي يجعل من الصعب التوافق حول نموذج معين، كما أن الحكومة تشتغل استنادا إلى قانونها التنظيمي، الذي يبين اختصاصاتها وأعمالها، مشيرا إلى أن ورقة رئيس الحكومة جاءت بشكل متأخر، ولم تخضع للنقاش داخل أي اجتماع للمجلس الحكومي.

 إلى ذلك، اعتبر مصدر وزاري قريب من رئيس الحكومة أن ما قام به زعماء أحزاب الأغلبية تدخل واضح في العمل الحكومي، ومحاولة جديدة لتكبيل رئيس الحكومة.

 وحذر المصدر من الخلط بين عمل الأغلبية وعمل الحكومة، مشيرا إلى أن حديث زعماء الأغلبية باسم الوزراء يقلل من أهمية منصب رئيس الحكومة، الذي يحق له مناقشة أي شيء مع وزرائه دون املاءات خارجية.