كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عن التوجهات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، من خلال تبني توجهات استراتيجية طموحة وجريئة لسياسة الدولة في هذا المجال، تتحلى بالمصداقية في الاستجابة للاحتياجات الفعلية والموضوعية للوقاية والمحاربة، وتتميز بالاندماج والتلقائية والتجانس بين جميع أبعادها ومحاور تنزيلها، والتعاضد بين المتدخلين في تفعيلها، في إطار حكامة تحدد المسؤوليات وتضمن التنسيق المفصلي فيما بينها، والقيادة الناجعة والفعالة لتحقيق الأهداف المسطرة.
وقد سجل التقرير الذي توصل "تيلكيل عربي" بنسخة منه، أن هذه التوجهات تنطلق من رؤية واضحة وطموحة تتوخى تحقيق أربعة أهداف عامة: إدراج الفساد في منحنى تنازلي قوي ومستدام؛ اسـتعادة ثقـة المواطنين في السياسـات العموميـة، وعلى الخصـوص تلـك المتعلقة بالوقايـة مـن الفسـاد ومكافحته؛ تعبئة وتعزيز جبهة وطنية لمكافحة آفة الفساد؛ تحسيــن بيئــة الأعمال بما يحقــق التوســيع مــن حيــث الكــم وتعــدد الأصناف، لقاعــدة الفاعلين الاقتصادين وبالموازاة تعزيــز تصنيــف المغرب دوليــا.
وذكر المصدر ذاته، أن التوجهات الاستراتيجية المقترحة، تنبني علاوة على الركائز الست سالفة الذكر، على دعامتين أفقيتين بمثابة أسس للهيكلة، تتعلقان بتعميق المعرفة الموضوعية بظاهرة الفساد وتطورها، والتحول الرقمي في المجتمع ككل وفي الإدارة العمومية على الخصوص، كرافعة أساسية للشفافية والوقاية من الفساد، وما يتطلبه ذلك من إرساء آليات حكامة فعالة بنهج شمولي وتشاركي كفيلة بضمان الانسجام والتكامل والفعالية.
وعن الركائز الداعمة للتغيير المنشود ورد في التقرير، التربية والتكوين لتعزيز قيم النزاهة والحوكمة المسؤولة، كركيزة أولى، ومن بين أهم المبادرات المؤسسة لهذا الورش المجتمعي يمكن ذكر؛ بلــورة استراتيجية وطنيــة للتنشــئة التربوية والاجتماعية عـلى قيــم النزاهــة، وكذا وضـع آليـات وبرامـج خاصـة للحكامـة المسؤولة والنزاهـة، وبلـورة استراتيجية وطنيـة للتواصـل وتعميـم المفاهيم والتوعيـة بالمخاطر وأثـر أفعـال الفسـاد بتنوعها، وإشـاعة قيـم النزاهـة ومحاربـة الفسـاد، إطلاق بوابـة وطنيـة للنزاهـة، كمنصـة وطنيـة موحـدة. بالإضافة إلى فتـح منصـات إلكترونية ودلائل لتوجيـه المواطنين والفاعلين.
وأفاد التقرير ذاته، أن الركيزة الثانية تتمثل في تعزيز شفافية المرفق العمومي وتحسين جودة الخدمات العمومية، وذلك من خلال تعزيــز ضمانات ميثــاق المرافق العموميــة باعتبــاره أداة فعالــة لبنــاء الثقــة بــن الإدارة والمرتفقين، وكذا تقويـة وتسريع وتبسـيط وتدويـن وإنفـاذ المساطر الإدارية كمدخـل أسـاسي لإصلاح وتحديـث الإدارة، ناهيك عن النهــوض بمدونة للتوعيــة والتأثيــر في قيــم وأخلاقيات الموظف بالإدارات العموميــة والجامعــات الترابية والمؤسسات العموميــة.
في السياق ذاته، استعرض التقرير الركيزة الثالثة والمتمثلة في الحكامة والنزاهة، ركيزة أساسية لتحسين بيئة الأعمال التي تهدف إلى إرساء بيئة من الأمان والثقة مواتية لتحرير الطاقات الوطنية وتعزيز جاذبية الاستثمار الوطني والأجنبي وتوسيع قاعدة وأصناف المستثمرين والفاعلين الاقتصادين، ومن بين التدابير الوقائية التي تكتسي أهمية خاصة في هذا الصدد، وضــع خارطــة مخاطــر الفســاد في مجــال الأعمال والاستثمار، وتتبـع خارطـة مخاطـر الفسـاد في مجـال الصفقـات العموميـة، وكذا تشــجيع ومواكبــة وضــع أنظمــة للوقايــة مــن الفســاد والامتثال لمعاير النزاهــة لفائــدة المقاولات.
وأشار التقرير إلى الركيزة الرابعة والمتمثلة في تخليق الحياة السياسية، في اتجاه تخليق الممارسة الحزبية، وحماية الممارسة الانتخابية مــن الممارسات الفاســدة، وتخليـق ممارسة الأجهزة المنتخبة مـن برلمان وجماعات ترابيـة. وكذا الركيزة الخامسة المتجسدة في تشريعات من أجل تجفيف بؤر الفساد. وركيزة سادسة، متمثلة في خلق بيئة ضامنة للردع ومكافحة الإفلات من العقاب.