في جزء الثاني من حوار "تيل كيل عربي" مع كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة نزهة الوافي، نواصل تسليط الضوء على حصيلة المغرب في مجالات تهم البيئة والمناخ، خاصة تدبير النفايات المنزلية وما تشكله من تحد للمغرب، في ظل استمرار غياب وسائل لفرزها من المصدر، وكيف يمكن خلق الثروة من القاذورات التي يخلفها المغاربة.
وبعد تخصيص الجزء الأول من الحوار مع نزهة الوافي لتقييم المشاريع الوطنية في مجال البيئة والمناخ، طرح "تيل كيل عربي" على كاتبة الدولة ما هو مرتبط بالمعايير الدولية المعتمدة من الطرف المغرب لتقييم أدائه في مجال تنزيل الاتفاقات بشأن البيئة والتغيرات المناخية، وماذا استفاد من هذه الاتفاقيات، فضلاً عن إمكانية تأثره بتعثر المصادقة على معايير التمويل الجديدة خلال قمة المناخ الأخيرة (كوب 24) في بولونيا.
* المطارح المتطورة من بين التحديات الكبرى التي تنكب كتابة الدولة عليها، هل ستبصر النور في العام 2019؟
ل المغرب التزامه بالتنمية المستدامة من خلال نهج سياسات واستراتيجيات تدمج مبادئ تمكن من التوفيق بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. وقد تحقق هذا الالتزام من خلال تنفيذ البرنامج الوطني للنفايات المنزلية (PNDM)على وجه الخصوص.
من أجل تنفيذ هذا البرنامج، تقوم كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة ووزارة الداخلية بتخصيص دعم مادي سنوي، وكذلك تقني عبر مكاتب دراسات على المستوى الوطني والجهوي، على اعتبار أن جمع النفايات ومعالجتها بمطارح مراقبة وإعادة تأهيل المطارح القديمة هو اختصاص حصري للجماعات المحلية بموجب القانون التنظيمي للجماعات الترابية.
إن هناك جهود كبيرة من أجل تحويل النفايات إلى ثروة وجب استثمارها بدل قاذورات وجب التخلص منها مما سيساهم في التنمية وتوفير فرص شغل لأنه تم إنجاز 26 مطرحا مراقبا (والتي سيتم تحويل 22 منها إلى مراكز للطمر والتثمين).
وقد تم إلى غاية 2019 الشروع في إحداث 19 مركزا للتثمين، وقبل 2017 كنا نتوفر على ثلاثة فقط وهي فاس ووجدة والرباط.
والمشاريع التي هي في طور الانجاز والتي زرت غالبيتها هي الجديدة والصويرة وبركان وفكيك والرباط والحسيمة وكلميم وأكادير والناظور والداخلة والمحمدية - بنسليمان والعيون وخريبكة وإيفران والسمارة والمضيق الفنيدق وآسفي ومكناس وورززات ومراكش وخنيفرة وطنجة وبني ملال وبوجدور.
ومن بين ما تم إنجازه في هذا الإطار الى غاية 2019، تحويل الاعتمادات المالية من قبل كتابة الدولة التي بلغت 164,6 مليون درهم لفائدة 9 مطارح مراقبة وذلك في أفق تحويلها إلى مراكز للطمر والتثمين ويتعلق الأمر بكل من مدينة العيون، والداخلة، وبوجدور، وبني ملال، وافران، وتزنيت، وطنجة، ومكناس وخنيفرة، إلى جانب إنجاز مركز مراكش لطمر وتثمين النفايات بغلاف مالي إجمالي يقدر ب 131 مليون درهم خصصت منها 60 مليون درهم لإنجاز الشطر الأول لمركز طمر وتثمين النفايات المنزلية.
وبالتالي تم برسم سنتي 2018 و 2019 برمجةإنجاز 21 مراكز الطمر والتثمين، وهذا ما سيمكن إجمالا في أفق 2021 من إنجاز 50 مركزا لطمر وتثمين النفايات وبالتالي خلق الثروة ومناصب شغل مستدامة والمساهمة في الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر عبر تثمين هذه النفايات.
إنني أضع تدبير النفايات ضمن أولى أولوياتي بكتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة من أجل إحداث تحول يواكب ما يحدث دوليا ونخصص له تتبعا نوعيا حيث قمنا ب 40 زيارة لمجموعة من الأقاليم والجهات من أجل تعبئة الجميع و نقل النفايات إلى ورش تنموي وأقر أننا وجدنا تحولا نوعيا.
اقرأ أيضاً: الوزيرة الوافي تقدم لـ" تيل كيل عربي" حصيلة البرامج الحكومية لحماية البيئة (1/2)
*ألا ترون أن العاملين في هذه الإطار سيواجهون غياب الفرز من المصدر؟
بالنسبة للفرز في المصدر للنفايات، والذي يشكل أهمية كبيرة للقطاع الصناعي وللآلاف من جامعي النفايات الذين يعملون في ظروف محفوفة بالمخاطر، فإن كتابة الدولة، في إطار تنفيذ مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، لا سيما المحور المتعلق ب "تعزيز التدبير المندمج للنفايات من أجل المرور إلى اقتصاد دائري"، تعمل حاليا على عدة أوراش، بتنسيق مع وزارة الداخلية والجماعات الترابية، من أجل تقنين وتبني مبدأ الفرز في المصدر ومرافقة مختلف الفاعلين من أجل إنجاح عملية إرساء ممارسات الاقتصاد الدائري في مجال تدبير النفايات.
ومن بين هذه الأوراش تحديث القانون 28-00 بشأن إدارة النفايات والتخلص منها، تطبيقا لمقتضيات القانون الإطار 12-99 المتعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، الذي أدخل أدوات ومبادئ جديدة، بما في ذلك المسؤولية الموسعة للمنتج، وإحداث منظومات تثمين النفايات (البطاريات المستعملة الزيوت المستعملة، العجلات المستعملة، الورق والكارتون...)، والإعداد للإعلان عن ترشيح المشاريع لصالح المقاولات الصغيرة والمتوسطة والتعاونيات من أجل دعم مشاريع الفرز في المصدر وتعبئة النفايات القابلة للتدوير وتثمين النفايات البلاستيكية.
*دائما ما يتم تقديم المغرب على أنه رائد في مجال تنزيل الاتفاقات بشأن البيئة والتغيرات المناخية، هل هناك مؤشرات دولية وعلمية تؤكد ذلك؟
هذه شهادة نعتز بها ونلمس ذلك خلال الملتقيات والمنتديات العالمية حيث تتم الإشادة بجهود المغرب الذي التزم طواعية بمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وتنفيذ إجراءات التكيف والتخفيف كجزء من نهج متكامل وتشاركي ومسؤول. فلقد وقع المغرب سنة 1992 على اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن التغير المناخي وصادق عليها عام 1995، كما صادق على بروتوكول كيوتو سنة 2002 واتفاق باريس سنة 2016، كما أن بلدنا يقوم بدعم التعاون جنوب-جنوب مع الدول الأفريقية عبر مركز الكفاءات للتغير المناخية وكذا وضع ثلاث لجان إفريقية جهوية (لجنة حوض الكونغو ولجنة الساحل وكذا لجنة جزر السيشل) تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على هامش الدورة 22 لقمة المناخ يوم 16 نونبر 2016 بمراكش؛ وإبرام شراكة مع اتحاد المدن والحكومات المحلية بإفريقيا لدعم الجماعات المحلية في مجال محاربة التغير المناخي.
ومن بين المؤشرات الدالة أيضا انخراط المغرب في المبادرة العالمية للشراكة من أجل المساهمات المحددة وطنيا التي ترأسها لمدة سنتين مع ألمانيا وعضوية المغرب في المكتب التنفيذي لآلية التنمية النظيفة ولجنة باريس لتقوية القدرات، وتمثيل المغرب في مجموعة الخبراء الدوليين حول المناخ وكذلك شغله لمنصب الكاتب العام؛ وتمثيل المغرب في اللجان المخصصة لتقييم وتتبع البلاغات الوطنية وكذلك التقارير الدولية (كل سنتين) حول تغير المناخ بالنسبة للدول المتقدمة (الملحق 1).
كما قدم المغرب مساهمته المحددة وطنيا إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في شتنبر 2016، والتي تعتبر من بين المساهمات الأكثر طموحا، حيث احتل المغرب المرتبة الثانية بعد السويد حسب مؤشر النجاعة المناخية.
وسنمضي في تعزيز هذه الريادة بمشروع عملي مندمج على المستوى الوطني وهو المخطط الوطني للمناخ في إطار تعزيز المسلسل التنموي المنخفض الكربون والمقاوم لتغير المناخ، أنجز المغرب سنة 2019 مخططه الوطني للمناخ (PCN).
ففي الأيام المقبلة سنعلن عن هذا الورش تفعيل مخطط المناخ والتكيف بمقاربة وحكامة جديدة وهو ما سيمثل اطروحة عملية لترجمة التحديات المناخية الى فرصة للاستثمار للبحث العلمي الأخضر ولتقوية مقاومة المجالات الهشة بالمغرب.
*لنعد إلى مشاركة المغرب في قمة المناخ "كوب 24" ببلونيا والتي شهدت جدلا تسبب في تمديدها بسبب رفض عدد من الدول التوقيع على الإعلان النهائي. ماذا استفاد المغرب من القمة؟
من خلال دورة بولونيا، استطاع المغرب أن يعزز ريادته ودوره المتميز في إطار التعاون جنوب – جنوب، وأن يواصل تعبئته للدعم التقني والمالي لمختلف البرامج الوطنية ذات الصلة بالتغير المناخي، وكذا الاستمرار في تعزيز وتثمين المبادرات التي تم إطلاقها منذ كوب 22 بمراكش، وذلك أساسا عبر التذكير ب «نداء مراكش" و ب" شراكة مراكش من أجل العمل المناخي"، وكذلك بمجهودات المملكة المغربية على المستوى الوطني والقاري والعالمي في مجال مكافحة التغير المناخي، ومواصلة المغرب لدعم عملية تنفيذ اللجان المناخية الثلاث السالفة الذكر (حوض الكونغو ومنطقة الساحل والدول الجزرية)، التي تم إحداثها خلال قمة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، التي عقدت على هامش مؤتمر الأطراف 22 بمراكش، من خلال إبرام شراكة مع اتحاد المدن والحكومات المحلية بإفريقيا لدعم الجماعات المحلية في مجال محاربة التغير المناخي.
انخراط المغرب في المبادرة العالمية للشراكة من أجل المساهمات المحددة وطنيا التي ترأسها لمدة سنتين مع ألمانيا.وعضوية المغرب في المكتب التنفيذي لآلية التنمية النظيفة ولجنة باريس لتقوية القدرات؛ تمثيل المغرب في مجموعة الخبراء الدوليين حول المناخ وكذلك شغله لمنصب الكاتب العام؛ وتمثيل المغرب في اللجان المخصصة لتقييم وتتبع البلاغات الوطنية وكذلك التقارير الدولية (كل سنتين) حول تغير المناخ بالنسبة للدول المتقدمة
ومن بين المكاسب المحققة أيضا مطالبة دعم الدول الإفريقية من طرف الشركاء المانحين، وضرورة تعزيز قواعد التضامن بين البلدان من أجل الانتقال إلى نموذج اقتصادي مقاوم يستجيب لحجم التحديات التي تفرضها الآثار الوخيمة للتغير المناخي.
*هل يمكن أن يؤثر الجدل حول تمويل المشاريع البيئية خاصة منها المتعلقة بالتأقلم على خطط ومشاريع المغرب في هذا المجال؟
أولا يجب التذكير بأهم التوصيات التي انبثقت عن هذا المؤتمر والتي ستساهم في إنجاز وتمويل المشاريع ذات الصلة بتعزيز المرونة والتكيف والمتمثلة أساسا في ضرورة التوازن بين التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة؛ وكذا تعزيز الدعم المقدم إلى الدول النامية في مجال التكيف، إلى جانب أهمية إجراءات التكيف نظرا لمساهمتها في تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا وتقارير الشفافية؛ فصلا عن تمويل صندوق التكيف من حصة العائدات المتأتية من آلية التنمية المستدامة ومن مجموعة متنوعة من المصادر العامة والخاصة والتبرعات، إضافة إلى حث الصندوق الأخضر للمناخ والصندوق العالمي للبيئة وصندوق التكيف على مواصلة توجيه الدعم إلى البلدان النامية لترجمة برامجها ومخططاتها المتعلقة بالتكيف مع تعزيز موارد صندوق التكيف ب 129 مليون دولار.
وعلى ضوء ما ورد، لا أعتقد أن هذا الجدل المثار حول تمويل المشاريع البيئية المتعلقة بالتأقلم سيؤثر على خطط ومشاريع المغرب، كما أذكركم أننا قدمنا عشرة مشاريع لصندوق الأخضر من أجل الاستفادة من دعم مالي يقدر بحوالي ثلاث ملايين دولار من الصندوق الأخضر للمناخ لدعم قدرات المغرب في إنجاز مخططه الوطني المتعلق بالتكيف