ما هي كلفة التغيرات المناخية بالنسبة للاقتصاد المغربي؟ كيف تؤثر؟ هل الحكومة واعية بمخاطرها؟ وهل وضعت مخططا أو مشاريع لمواجهتها؟ أسئلة تجيب عنها كاتبة الدولة في التنمية المستدامة نزهة الوافي في الجزء الأول من حوارها مع "تيل كيل عربي". وتكشف الوافي، لأول مرة، تفاصيل مشروع المراصد الجهوية للبيئة والتغيرات المناخية، عددها، دورها، وحجم مساهمتها لصالح مختلف القطاعات الاقتصادية. نسائل الوافي عن مشاريع تثمين النفايات، وهل وضع المغرب تصوراً واضحاً لتجاوز طمر النفايات عوض جعلها مصدراً للثروة والطاقة، بالإضافة إلى سبل تجاوز تعثر مشروع إعادة تدوير النفايات خاصة الخطيرة منها.
*أولاً نود أن نتطرق لموضوع التغيرات المناخية، وكيف تنعكس على حياة المغاربة والاقتصاد، خاصة وأنك سبق وأشرت إلى أن التدهور البيئي يكلف المغرب 33 مليار درهم، أي 3.5 في المائة من الناتج الإجمالي الخام.
هذا الجانب مهم جداً ويجب أن يفهم المغاربة كيف سوف تؤثر التغيرات المناخية على حياتهم اليومية في الحاضر والمستقبل. في هذا الصدد سأقدم معطى مهم، وهو أن 75 في المائة من البنيات التحتية للاقتصاد المغربي تتمركز على طول الشريط الساحلي، وكل المؤشرات تقول إن مستوى ماء البحر بدأ يرتفع في العالم، والمغرب يعنيه هذا التهديد، بل يهم بالدرجة الأولى المناطق الرطبة المتوسطة ونحن نتواجد بهذه المنطقة بالضبط. هذا يعني أن التقلبات المناخية القوية سوف تمس المغرب، وبالتالي بنياته الاقتصادية التي تتمركز على مستوى السواحل مهددة، وشهدنا هذه السنة تجاوز سرعة الرياح لـ60 كيلومتر في الساعة، فضلاً عن ارتفاع مد البحر، وكل المؤشرات تدل على أن عواصف قوية سوف تشهدها المنطقة بسبب التغيرات المناخية.
*تهديد بهذا الحجم يفرض طرح السؤال حول وعي الحكومة أولاً به. ثانياً هل هناك برامج ومخططات ومشاريع للتحضير له ومواجهته؟
نعم لمواجهة هذه التهديدات المناخية يجب أن نتهيأ لها. في هذا الصدد نقوم بإعداد مخطط وطني هدفه وضع معايير إنشاء البنيات التحتية الاقتصادية، تراعي المسافة التي يجب أن تشيد عليها المباني بالنظر إلى مستوى سطح البحر وحجم التلوث الذي سوف ينتج عنها، كذا رصد التوقعات بخصوص سرعة الرياح في عدد من المناطق.
ما يؤطر كل هذا هو الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، هذه الأخيرة وضعت لكل قطاع، وعددها 21 مخططا خاصا بها، يهم كيفية إدخال أشكال التغيرات المناخية والمعطيات الخاصة بحماية البيئة ضمن مشاريعها، وسبق وناقشنا تفاصيل هذه المخططات مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني والكتاب العامين للوزارات بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي عقد بدوره اجتماعات دورية مع عدد من الوزارات، وهذا المسار سوف يختتم باجتماع آخر مع رئاسة الحكومة لوضع أوليات المغرب فيما يخص مواجهة التغيرات المناخية وأخطارها على الاقتصاد المغربي في مجالات الماء والغابة والهواء...
في السياق ذاته، سوف نعمل على إبرام شراكات مع الجهات، كما هو الحال في جهة أكادير، هذه الأخيرة تتوفر اليوم على مخططها الخاص لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي يجب أن تتوفر كل جهة على مخطط خاص بها، يجب أن يتضمن مصادر التمويل، ونعمل اليوم على نقل التجربة إلى مدينة مراكش، وينتظر أن توقع الاتفاقية الخاصة به يوم 11 ماي القادم.
نعمل على أن تكون للحكومة الجرأة لتتخذ قرارات استراتيجية كبرى للتخفيف والتأقلم مع التغيرات المناخية
وفي سياق حديثنا عن مخاطر التقلبات المناخية، يجب أن لا نغفل أن المغرب يعيش خطر ندرة المياه وانعكاساتها على المجال الفلاحي، خاصة وأن هذا القطاع يشكل دعامة أساسية للاقتصاد المغربي، لذلك هناك إجراءات سوف نتطرق إليها، تهم تحييد المخاطر التي يمكن أن تنتج عن تلويث البيئة وتأثيرها على مصادر المياه.
بخلاصة إذا لم يتوفر المغرب على بنيات تحتية لمواجهة التغيرات المناخية، ومخططات تراعي المعايير الدولية الخاصة بها، سنكون أمام خطر تهدديها للاقتصاد المغربي، لذلك نعمل على أن تكون للحكومة الجرأة لتتخذ قرارات استراتيجية كبرى للتأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف من انعكاساتها
*هل هناك مناطق في المغرب رصدتم فيها تأثيراً مباشراً للتغيرات المناخية على حياة المغربة والبنيات التحتية الاقتصادية؟
صراحة لازلنا في مرحلة تأسيس مراكز لهذا الغرض، وهذا المشروع لم يسبق لكتابة الدولة في التنمية المستدامة الحديث عنه، وهذه فرص لإطلاع المغاربة عليه من خلالكم.
المشروع هو المراصد الجهوية للبيئة والتغيرات المناخية، مهمتها تشبه الأرصاد الجوية، لكنها تجمع معطيات عن التغيرات البيئة بالدرجة الأولى، وقمنا بإعداد هذا المشروع بشراكة مع شركاء ألمان.
عدد من هذه المراكز تتوفر اليوم على مختبرات ومعدات متطورة، وينتظر أن تكون نهاية العام 2018 موعداً لتفعيل عمل هذه المراكز، بعدما زودناها بخادم معلوماتي (Serveur) سوف يعمل على معاجلة المعطيات البيئية، كما سيقوم رئيس الحكومة ببعث منشور للولاة قصد تشكيل مجلس إداري خاص بهذه المراكز نهاية شهر يونيو القادم.
اليوم نتوفر على 8 مراصد مجهزة، ونعمل على إعداد أربعة إضافية، على أن يكون العام 2019 موعداً لبدأ جمع المعطيات منها وتحليلها ثم إصداراها، بناء على المعلومات التي تجمعها من مختلف القطاعات، وأؤكد لكم أن هناك تنسيق دائم مع الولاة والعمال وتوفير كل الحاجيات اللوجستيكية.
هذه المراصد سوف تمكن المغاربة من المعلومة البيئة، لأنها حق
كما أود أن أشير إلى أن العمل متقدم في أربعة مراكز، وهي فاس/مكناس ومراكش وطنجة/الحسيمة وسوس ماسة، وكما قلت بداية عام 2019 يجب أن تشرع جميع المراصد الجهوية للبيئة والتغيرات المناخية في القيام بدروها، وأن تقوم بدورها في مواكبة تنفيذ المشاريع بالجهات، وتوفيرها لمعلومات توضع رهن إشارة المستثمرين والفاعلين السياحيين ورؤساء الجماعات والمجتمع المدني.
هذه المراصد سوف تمكن المغاربة من المعلومة البيئة، لأنها حق، مثل أخبار الأرصاد الجوية، لأنها تهم الحياة اليومية للمواطنين.
*أمام كل هذا هناك مشاكل بيئية يعيشها المغاربة بشكل يومي. كيف تعملون على مواجهتها؟ وهل هناك برامج مستعجلة لتجاوزها؟
كتابة الدولة في التنمية المستدامة وضعت عدد من الأوليات على ثلاث مستويات إلى غاية العام 2021. والمدخل إلى تنفيذها، هي الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتهم برامج التغيرات المناخية والنفايات وتطهير السائل وغيرها.
نتوفر على ثلاث مراكز فقط لتثمين النفايات، أي أن 90 في المائة منها تذهب للطمر
بالنسبة لنا، بشكل آني ومستعجل، من المفترض أن ينكب المغرب على معالجة مشكل تدبير النفايات، عبر تفعيل مشاريع المخطط الوطني لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة، هذا الأخير فيه مكاسب يجب أن نعززها، لكن يجب أن نعترف بوجود تراكم لنقص كبير جداً. أبرزه، أننا في المغرب كله، نتوفر على ثلاث مراكز فقط لتثمين النفايات، أي أن 90 في المائة منها تذهب للطمر.
*أين توجد مراكز التثمين التي تتحدثين عنها؟
نتوفر على مركز "أم عزة" ضواحي الرباط، ومركز في فاس وآخر في وجدة، وهي الوحيدة التي تتوفر على شروط تثمين النفايات عوض طمرها.
* كيف تعملون على تجاوز هذا الوضع؟
نحن نطمح من خلال البرنامج الوطني لتدبير النفايات بشراكة مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية، إلى تطوير هذا البرنامج الذي انطلق منذ العام 2008، وذلك بإجراء دراسة تقنية لرصد مكامن الخلل، لأنه كان من بين الأهداف أن نصل اليوم إلى نسبة 30 في المائة من تثمين النفايات التي ينتجها المغاربة، لكن للأسف نحن بالكاد نبلغ نسبة ما بين 6 إلى 10 في المائة كحد أقصى، لذلك لازلنا نلجأ إلى الطمر، وهذا يعني مباشرة تلويث الفرشة المائية للمغرب، الذي يعاني أصلا من ندرة المياه.
لذلك وضعنا تدبير النفايات كأولوية للعمل داخل كتابة الدولة في التنمية المستدامة، وقمنا بوضع برمجة واضحة ومحكومة بتواريخ للإنجاز والشروع في العمل بها، في إطار الاتفاقيات التي سوف نوقعها إلى غاية العام 2021. هدفنا إنشاء 50 مركزاً، وشرعنا بالفعل في إنشاء عدد منها منذ العام 2017.
ويجب أن نفهم أن هذا المشروع مؤطر باتفاقيتين، الأولى تهم 25 مطرحاً موجوداً في المغرب سوف يتم تأهيلها، واتفاقية ثانية لإنشاء مطارح بمواصفات محددة و7 معايير سوف تكون شرطاً لحصول الجماعات على التمويل، أهمها أن يكون العقار الذي سوف تنشأ فوقه مصفى وأن تتوفر فيها آليات وشروط تثمين النفايات، وسنوفر لهم من جهتنا المواكبة التقنية وذلك بشراكة مع مراكز للدراسات التي شرعت في القيام بزيارات إلى عدد من الجماعات الترابية من بينها أكادير ومراكش والحاجب...
في السياق، من أصل 25 مطرحاً نتوفر عليها، هناك 15 منها شملها توقيع اتفاقيات لتأهيلها على المستوى الجهوي، والمدن التي لم تكن تتوفر على مطارح للنفايات سوف تستفيد مباشرة من مراكز للتثمين عوض أماكن للطمر فقط، ودائماً بشراكة مع وزارة الداخلية ومراكز الدراسات التي سوف تقوم بالمواكبة التقنية.
*ماذا سيتفيد المغاربة من تثمين النفايات؟ وهل تتوفرون على رؤية واضحة بخصوص استغلالها؟ مع الأخذ بعين الاعتبار محدودية التطور التقني في المغرب؟
خلال نقاشنا مع الشركاء حول تدبير النفايات، كنا أمام خيارين: إما طمرالنفايات أو تثمينها عن طريق تنشيف النفايات وتحويلها إلى مصدر للطاقة الحرارية. وأنا أدعم الخيار الثاني، لذلك أطلقنا دراسة وطنية، بشراكة مع فاعلين اقتصاديين أبدوا رغبتهم في الاستفادة من هذه النفايات كمصدر للطاقة، وهدف الدراسة هو رصد المناطق التي يمكن أن تكون مصدراً لهذه النفايات لكي نضع فيها وحدات للتثمين، وعوض أن نقوم باستيراد نفايات من الخارج واستخدامها مصدراً للطاقة، نقوم نحن بإنتاج الخاصة بنا.
عوض أن نقوم باستيراد نفايات من الخارج واستخدامها مصدراً للطاقة، نقوم نحن بإنتاج الخاصة بنا
الأصل في هذه العملية، هو توفير كميات مهمة من النفايات التي تتم معالجتها للفاعلين الاقتصاديين الذين يرغبون في تحويلها إلى مصدر للطاقة، وطبعا بشراكة مع الداخلية والجماعات الترابية. هدفنا هو أن نجعل 50 مطرحاً للنفايات مصدراً لما أصفه بـ"الذهب الجديد"، لأننا سوف نتجاوز مشاكل الطمر.
*في سياق حديثك عن تثمين النفايات، هناك جانب آخر يهم الاستفادة منها، وهو التدوير، آلا ترين أن المغرب متأخر في هذا الجانب؟
الأولوية الثانية ضمن مشاريع كتابة الدولة في التنمية المستدامة، هي إنشاء منظومات لتدوير النفايات، وكيف يمكن أن نستفيد من كل منتج بعد انتهاء مدة صلاحيته أو استعماله، خاصة إطارات المركبات وبطارياتها ونفايات أخرى خطيرة، وهذا البرنامج بدأ منذ العام 2014، لكنه تأخر كثيراً.
*يتوفر المغرب اليوم على محطات لإعادة تدوير هذه النفايات خاصة وأن طريقة التخلص منها إلى اليوم تتم بطرق عشوائية؟
كان هناك تأخير في تنزيل برنامج تدير هذه النفايات كما ذكرت سلفاً، لكن قمنا مؤخراً بعقد لقاءات مع مختلف الفاعلين، عددها سبعة، وهدفها بلوغ نسب مهمة من استغلال هذه النفايات عوض التخلص منها.
الآن نتوفر على 3 منظومات جاهزة لإعادة تدوير البطاريات، إحداها دخلت الخدمة، وذلك بشراكة مع وزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية، كما أن منتجي هذا النوع من البطاريات، قاموا مؤخراً بإنشاء منصتين للتثمين.
أصبحنا نتوفر اليوم على إمكانية لإعادة تدوير هذه البطاريات عوض حرقها في أسواق الخردة وما تشكل هذه العملية من أضرار على البيئة. ولإتمام هذا المسار وتأهيله، خاصة وأنه خلق مناصب شغل جديدة عبر المنصتين اللاتين تم إنشاؤهما من طرف المنتجين، تدخلت كتابة الدولة في التنمية المستدامة لدى مصالح الجمارك، كي تسهل التسويق والاستيراد، لأن المنتجين اصطدموا بصعوبات في هذا الجانب، وعبر عددهم منهم أنهم سيكونون مضطرين للعودة إلى الطريقة العشوائية في استغلال هذه البطاريات، بل نفكر في التأسيس لعملية منح بطارية جديدة بتخفيض قيمتها مقابل ايداع البطارية القديمة، وهذه التجربة مفتوحة أمام الجميع.
أصبحنا نتوفر اليوم على إمكانية لإعادة تدوير هذه البطاريات عوض حرقها في أسواق الخردة
*في سياق تدوير النفايات، خاصة الإطارات المطاطية للمركبات، عدد من الفاعلين ربطوا بين حرقها والكارثة البيئية التي عان منها سكان مدينة القنيطرة.
في القنيطرة كان هناك توجه لتجاوز هذا المشكل في سياق البرنامج الذي سبق وتحدث عنه، والذي انطلق منذ العام 2014، لكن كما قلت وأكرر لم نكن موفقين. لذلك، قررنا بالنسبة للإطارات المطاطية، وضع مشروع لإعادة تدويرها، وسوف ننشئ وحدة في المدينة ستودع فيها جميع مخلفات الإطارات المطاطية القادمة من جهة الدار البيضاء والرباط وسلا بالإضافة إلى القنيطرة طبعاً، هذه الوحدة أعتبرها مكسباً، لتثمين هذا النوع من النفايات، رغم أننا لن نستطيع التخلي عن الحرق.
*الحرق يعني مشكل الغبار الأسود مرة أخرى !
ناقشنا هذا الأمر مع الفاعلين والشركاء، وسوف نفرض معايير متشددة في عملية الحرق كي لا يتكرر المشكل الذي تحدث عنه.