يجري اليوم انتخاب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب. في هذا الحوار يعطي حسن الشامي، الوزير الأسبق و الرئيس السابق للكونفدرال العامة لمقاولات المغرب (CGEM)، رأيه في العديد من مواضيع الساعة بالمغرب، ويتحدث عن خطورة الجمع بين المال والسلطة، والمقاطعة، وترشح صلاح الدين مزوار لرئاسة الباطرونا، والطريقة التي تم بها إعفاء بنكيران.
ما هي دلالة مقاطعة أفريقيا وسيدي علي وسنطرال دانون؟
أعتقد أن هذه المقاطعة نتيجة لسياسة التحرير غير الناجحة. إن تحرير قطاع ما خطوة مهمة، ولكن وضع آليات لمراقبة هذا التحرير خطوة أفضل. لقد تم تحرير قطاع المحروقات وأعتقد أن هذا أمر جيد، لأن صندوق المقاصة لا يمكنه مواصل تحمل هذا العبء على الدوام. ولكن من أقدموا على هذه الخطوة كانوا يدركون جيدا أنه بتحرير هذا القطاع، فإنهم يسلمونه إلى منافسة محدودة، وأي منافسة محدودة تفترض على الأقل نوعا من التوافق بين الفاعلين. ومن التواقف إلى الاحتكار أو تحديد هامش ربح خارج المعايير، ليس هناك سوى خطوة صغيرة.
في هذه الحالة، كان يجب إحداث آلية لمراقبة تطور القطاع. ولكنهم لم يقوموا بهذا. وبما أنه لا نتوفر على أي آلية مرجعية لمعرفة ما إذا كان ما يقوم به المستفيدون من هذا التحرير ملائما للقواعد العامة للمنافسة، فإننا لا نعرف حقا إلى أين نسير.
من جهة أخرى، وبفضل العولمة، أصبح بإمكان الناس اليوم المقارنة. فحينما نشتري قنينة الماء هنا بـ6 دراهم، بينما تباع في البلدان الأوروبية بعُشر هذا الثمن، فإن الناس لا يلقون بالا إلى تكلفة الإنتاج، بل لا يرون سوى السعر المبالغ فيه مقارنة مع البلدان الأخرى. إن غياب الشفافية هو الذي يفضي بنا إلى هذا الأمر.
ولكن لماذا استهداف هذه الماركات بالضبط؟ هل يتعلق الأمر بشكل جديد من الاحتجاج ضد النخبة والسلطة، كما يقول بعض المحللين؟
لو كنا خلقنا أليات للمراقبة، لما كانت هناك أزمة الثقة الحالية. لماذا تم تجميد مجلس المنافسة؟ نريد فقط السبب، المعلومة. لماذا لم يتم تعيين أعضاء هذا المجلس؟ هل تعلم أنت لماذا؟ لا أحد يعلم. فقد استقبل جلالة الملك عبد العالي بنعمور الذي يرأس المجلس، ولكن لم يتم تمكينه من وسائل العمل. فمن يعرقله إذن؟ كل هذا يفتح الباب أمام الخيالات. هل بسبب مصالح شخصية؟ هل يتعلق الأمر بشخص قوي له المصلحة في بقاء هذا المجلس جامدا؟ فكلما قل مد الناس بالمعلومة الصحيحة، اندلع هذا النوع من السلوكات على الشبكات الاجتماعية؟
إذن، وفق نظركم، نقص المعلومة، وغياب الشفافية هما اللذان يتسببان في مثل هذا التوتر؟
في الماضي، كان عدم الإخبار سياسة لأنه لم يكن في مقدور الناس البحث عن المعلومة في مكان آخر. أما اليوم فنحن نعيش في عالم معولم حيث بإمكان أي كان الوصول إلى المعلومة. وإذا كان المعنيون الأساسيون يحجمون عن إعطاء هذه المعلومة، فإن ذلك يفتح الباب مشرعا أمام كل الانحرافات. واليوم هناك ألف سبب وسبب للإقدام على المقاطعة.
سألتني لماذا استهداف تلك الماركات الثلاث بالخصوص؟ لأن الناس لديهم انطباع بأنهم يمارسون الضغط، وبالتالي يجب استهداف الفئات التي يقال إنها قوية، وقريبة من السلطة. إذ لو استهدفوا شركات مجهولة، فلن يتحقق الأثر المبحوث عنه.
لنبقى في مجال الأحداث الجارية. هناك تخبط حول السباق على رئاسة الكونفدرالية العام لمقاولات المغرب (CGEM). منذ 2006 كان أرباب المقاولات متعودين على مرشح واحد غالبا ما يطلق عليه "مرشح القصر" أو "مرشح السلطة". هل يعني وجود مرشحين اثنين اليوم أن السلطة ليس لها مرشحها؟
إن الوضع غير الطبيعي هو الذي كان سائدا منذ 2006، أي غياب المتنافسين. فقد كان دائما هناك مرشح مصطفى من طرف السلطة والذي لم يكن يجرؤ أي أحد على مواجهته بناء على هذا "الترخيص" (agrément)، لأننا في المغرب نعيش في ظل "نظام التراخيص". واليوم أعتبر ما يحدث عودة إلى الوضع الطبيعي للأشياء، لأنه حتى قبل تقدم المرشحين، جرى كلام كثير حول السعي إلى تغيير القانون الأساس لهذه الهيأة بهدف التمديد للرئيسة المنتهية ولايتها. لحسن الحظ لم يتم هذا الأمر.
في تقديري، نحن عدنا إلى نظام أكثر ديمقراطية. فهناك مرشح سياسي –حتى لا نقول للسلطة- ومرشح اقتصادي. وأرباب المقاولات الذين لا يريدون التفكير كثيرا في الأمر سيصوتون للذي سيدافع عن مصالحهم بشكل أفضل. إن كانوا من ذوي النزعة المثالية سيدعمون رب المقاولة، ذلك المشرح الذي ناضل زمنا طويلا في الهيأة ويعرف جيدا خبايا هياكلها. أما الذين يعتقدون بأن على منظمة الباطرونا لعب دور سياسي أكثر فسيمنحون أصوتهم لصلاح الدين مزوار. بعبارة واضحة، يقال لأرباب المقاولات: "أنتم تعرفون الالتزام السياسي لأحد المرشحين، والالتزام الاقتصادي للآخر، فاختاروا بينهما". فهل نريد منظمة هدفها الوحيد الدفاع عن مصالح المقاولات أم نريد أن تستمر في ممارسة السياسية، وهو الوضع القائم منذ 2006؟ على أي، يبقى المهم في كل هذا أن الثنائي حكيم مراكشي وأسيا بنحيدة لم يخشيا الترشح لمواجهة من يوصف بأنه "مصطفى" من طرف السلطة(...)
في كتاب ظهر مؤخرا (عنوانه "الأبطال الوطنيون، معادلة التنمية بالمغرب")، هناك حديث عن نوع من التواطؤ بين السلطة والمجموعات الاقتصادية الكبرى بالمغرب. فكل طرف يستفيد من إمكانات الآخر، نوع من العلاقة القائمة على مبدأ "رابح- رابح...
يبقى هذا "التواطؤ"، كما سميته، مقبولا إن كان يهدف تحقيق أهداف يتفق عليها كل المغاربة. ولكن إن كنا نكسب المال لنحوله إلى الأورو والدولار حتى نظهر في تصنيف مجلة "فوربس"، فهذا أمر غير طبيعي. مرة أخرى، أقول يجب الحرص على التوازن بين السماح للناس بخلق بنيات اقتصادية قادرة على مواكبة السياسة بالخارج، وبين الحفاظ على مصالح المغاربة، وهو توازن صعب التحقق. وفي نظري هناك ميل لاستغلال هذا الأمر بشكل سيء. يجب اعتماد الشفافية في كل ما نقوم به. إن العمل على خلق مقاولات وطنية كبيرة (مقاولات وطنية بطلة) سياسة محمودة، ولكن هل قمنا ولو مرة بتوضيح هذا الأمر للناس؟ هذه هي الشفافية. ويجب كذلك وضع أليات من شأنها تجنب السقوط في الانحرافات. إن الجمع بين السلطة والمال خلطة خطيرة، وفي كل بقاع العالم. وبالتالي فيتعين وضع سياسة قائمة على الشفافية للتصدي لهذا الخطر.
بعد 18 عاما على جلوس محمد السادس على العرش، يتفق الجميع على أن النموذج التنموي الحالي بلغ مداها. في رأيك، أنت الذي واكبت تطور الاقتصاد المغربي منذ عقود، هل تم ارتكاب خطأ كبير بالرهان الكامل على البنيات التحتية على حساب الإنسان؟
لا أعتقد أن النموذج التنموي قد فشل. هل أخطأنا بتفضيل تنمية البنيات التحتية على حساب التعليم والصحة ...؟ بلا شك تم ارتكاب خطأ كبير وهو التعليم. لقد كان المغرب يتوفر على تعليم مزدوج اللغة يحظى بالثقة. ولكن في لحظة ما قررنا تعريب النظام التربوي. والحال أننا نوجد على أبواب أوروبا، وفي أقصى العالم العربي، وبالتالي لا يمكننا أن نقوم بما قامت به عدد من البلدان العربية. فنحن نصف مندمجين في أوروبا، وعلى بعد 14 كلم فقط من إسبانيا. هناك تأثير متبادل بيننا، ونحن في حاجة إلى هذا القرب، في حاجة إلى الخروج من "عروبتنا"، إن كانت موجودة أصلا. فليس بضعة آلاف من البدو الذي جاؤوا مع عقبة بن نافع لقطف المغرب هم الذين عربوا الشعب المغربي.
بالنسبة إليك، المغرب ليس بلدا عربيا...
يخامرني اعتقاد بأنه لو قمنا بتحليل الحامض النووي لكل المغاربة في أحد المختبرات، فنكتشف أن نسبة "العروبة" في دمائهم ضئيلة جدا، إن لم تكن منعدمة. إذن في تقديري، تعريب نظام التعليم كان غباء (une bêtise)، خاصة وأننا لم نكن نتوفر على الآليات الكفيلة بإنجاحه(...)
كيف تقيم حكومة يسيرها الإسلاميون وتضم وزراء تكنوقراط أقوياء؟
على كل حال، هي حكومة غير ديمقراطية. فالديمقراطية كانت تفترض أن يتركوا عبد الإله بنكيران يشكل حكومته مع الأحزاب التي يريد وبناء على برنامجه. وإذا كانوا لا يقبلون برنامجه فما كان عليهم سوى إعفاءه وتنظيم انتخابات جديدة. ولكن هذه الفكرة تمت محاربتها والبحث عن شيء آخر. ربما خاب أملهم لما فاز البيجيدي في الانتخابات لأنهم كانوا يتوقعون ان يكسبها حزب آخر. إنهم لم يتركوا اللعبة الديمقراطية تجري كما يجب، وعوضوها بلعبة أخر لها فقط واجهة ديمقراطية(...)
أزمات اجتماعية، أحزاب منهارة، نموذج ااقتصادي يجب تجديده، نظام تعليمي مختل... العديد من المسؤولين السياسيين والملاحظيم يرون أن البلاد تبحر على غير هدى. ما رأيك؟
هذا سؤال تصعب الإجابة عنه. ولكن لا شك أن السبيل الوحيد أمام المغرب هو السير نحو مزيد من الديمقراطية. والديمقراطية تعني ممارسة السلطة بشكل يغلب عليه التوازن. ثم يجب وضع الناس أمام مسؤولياتهم.
لا شك أننا في حاجة إلى ملكية قوية، ولكننا كذلك نحتاج حكومة فعالة تتوفر على سلطة حقيقية وصلاحيات واضحة، وإلا فإننا لن نتقدم قط. فغياب الديمقراطية هو الذي يجعل كل الإصلاحات تتوقف في وسط الطريق...
"بالتصرف عن "مجلة تيل كيل"