لم تكن بطاقة "راميد" أو "نظام المساعدة الطبية" وعموم "التغطية الصحية الأساسية" إلا ثمرة صدور القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية في عهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، والذي نشر ظهير تنفيذه يوم 21 نونبر 2002. وبين صدور ذلك القانون وتطبيق بشكل كامل، مرت حوالي عشر سنوات...
لم يكن إعداد مشروع القانون، أصلا، ثم برمجته في المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس بالسهولة التي يعتقدها البعض.
في كتاب "أحاديث في ما جرى- شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة"، يحكي اليوسفي ما وقع من كواليس "تمرير" هذا القانون...
بدأت الحكاية بإعداد مشروع القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية، لتصادق عليه الحكومة، في المجلس الحكومي، برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، يوم 6 دجنبر 2001، ليمر، بعد أن جرت كثير من المياه تحت "الجسر" الرابط بين الوزارة الأولى والديوان الملكي، أمام المجلس الوزاري، برئاسة الملك محمد السادس بالداخلة، يوم 5 مارس 2002، وينتقل إلى المصادقة في البرلمان في شتنبر 2002، ويصدر ظهير تنفيذه يوم 3 أكتوبر 2002، وينشر في الجريدة الرسمية يوم 21 نونبر 2002.
تخصيص وتعميم بعد سنوات
مرت حكومة ادرس جطو، وجاءت حكومة عباس الفاسي، ليصدر هذا الأخير، في 29 شتنبر 2008، مرسوما بتطبيق مقتضيات الكتاب الثالث من القانون المذكور، المتعلق بنظام المساعدة الطبية، في منطقة محدودة من المملكة، وليعمم بعد 20 دجنبر 2010، بمقتضى قرار مشترك لوزير الداخلية الطيب الشرقاوي ووزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار ووزيرة الصحة ياسمينة بادو، خصوصا أن مرسوم عباس الفاسي ينص على تعميم "الراميد" على باقي جهات المملكة داخل أجل لا يتعدى 31 دجنبر 2011، وبقية القصة معروفة إلى الآن...
في الجزء الأول من كتاب "أحاديث في ما جرى- شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة"، يحكي اليوسفي لرفيق نضاله امبارك بودرقة، المعروف بـ"عباس" بودرقة، وعلى امتداد صفحتي 216 و217 "شذرات" مما جرى من كواليس عرض مشروع القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية على المجلس الوزاري، وما اعترضته من صعوبات آخر لحظة.
في ما يلي ما حكاه اليوسفي، كما نشر في الكتاب...
التغطية الصحية الأساسية
إن تمكين المواطنين من الاستفادة من التغطية الصحية الأساسية بصفة إجبارية، يعد أكبر إصلاح اجتماعي حرصنا على إخراجه إلى حيز الوجود. ولقد تأتى هذا بفضل المجهودات الجبارة التي قامت بها مصالح الوزير الأول، وعضوات وأعضاء اللجنة الوزارية الخاصة بإعداد وتتبع أجرأة مدونة التغطية الصحية ولجنة الخبراء وكافة الإدارات والمؤسسات والفعاليات المعنية بهذا الإصلاح الذي يكرّس حقا من حقوق الإنسان المغربي الأساسية، ألا وهو الحق في الصحة.
وقد صادقت الحكومة على مشروع القانون، بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، يوم 6 دجنبر 2001، وكذا مجلس الوزراء برئاسة صاحب الجلالة محمد السادس بالداخلة، يوم 5 مارس 2002، والبرلمان في شتنبر 2002.
وكم كانت سعادتي كبيرة بهذه المصادقة التي من خلالها نكون قد نفذنا ما تعهدنا به أمام المواطنات والمواطنين، سواء عند تقديمنا للتصريح الحكومي المتعلق بالسياسة العامة للدولة، أو من خلال تدخلاتنا أمام غرفتي البرلمان.
قدمت هذا المشروع بكونه ذي بُعد حضاري من شأنه أن يؤمّن مراحل الخدمات الصحية لكل فئات مجتمعنا في البوادي والحواضر، دون تمييز لا في السن والجنس ومستوى الدخل وطبيعة النشاط والسوابق المرضية.
ولقد تمكّنا من إنجاز هذا الإصلاح الاجتماعي الكبير بفضل المقاربة التشاركية التي اعتمدناها منذ المراحل الأولى من وضعه. مقاربة قوامها استشارات مسبقة واسعة مع جميع الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمهنيين والقطاعات الوزارية ومدبري منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا وكل الفعاليات المعنية بقضايا الصحة عموما وبالتغطية الصحية على وجه الخصوص.
لقد كان بإمكان هذا الإصلاح ألا يرى النور لولا اليقظة التي تحلت بها مصالح الوزير الأول، والتي مكنتها من فطنة مبكّرة ساعدتنا على احتواء ما كان يروج له حول عدم واقعية هذا المشروع، وتوفير الموارد لتمويله.
هكذا، ففي يوم الاثنين 4 مارس 2002، أي يوما واحدا قبل انعقاد المجلس الوزاري الذي كان سيبت في مشروع القانون، بمثابة مدونة التغطية الأساسية، اتصلت مستشارة جلالة الملك المرحومة السيدة زليخة نصري، بمستشاري المكلف بالقطب الاجتماعي، السيد ادريس الكراوي، قصد إقناعه بعدم نُضج مشروع التغطية الصحية الأساسية، وذلك بالنظر لوجود صعوبات ستعترض تمويله، وبالتالي ستحول دون ديمومته وبلوغه الأهداف المتوخاة منه، وبعدم جدوى إدراجه في جدول أعمال المجلس الوزاري المبرمج لليوم الموالي.
وفور الانتهاء من مكالمتها الهاتفية، التحق بي مستشاري على الفور بمقر الوزارة الأولى، ليحيطني علما بمضمون تلك المكالمة. ونحن نتداول سويا بهذا الشأن، جاء كل من السيد ادريس جطو، الذي كان وزيرا للداخلية آنذاك، والسيد عبد الصادق ربيع الأمين العام للحكومة رحمه الله، لمفاتحتي حول نفس الموضوع، وعبرت لهما عن حرصي الشديد على إبقاء هذه النقطة في جدول أعمال المجلس الوزاري المقرر, ثم زارني، بعد ذلك، العضو في ديوان جلالة الملك السيد محمد رشدي الشرايبي حول نفس الموضوع، في آخر محاولة على ما أظن. وأكدت له نفس الموقف، أي بقاء جدول أعمال المجلس الوزاري كما كان مبرمجا.
وأثناء انعقاد المجلس، قدمت تقريرا عرضت فيه، أمام جلالة الملك، الجوانب الجوهرية لهذا الإصلاح، الذي يهدف إلى تكريس قيم التضامن والعدالة والإنصاف، كأحد الركائز الأساسية لمحاربة الفقر. فتمت المصادقة عليه في ذلك المجلس الوزاري الهام، المثقل بالدلالات، كونه عقد بمدينة الداخلة بالصحراء المغربية.