تواصلت العقبات والمؤامرات ضد حكومة عبد الله إبراهيم، ولكن هذا الأخير لم يستسلم وواصل إصلاحاته، لينجز رفقة فريقه عملا مدهشا حقا في بضعة أشهر فقط.
بعد اعتقالهما بسبب مقال نشر في جريدة "التحرير"، وجهت إلى كل من عبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري تهمتان هما: إهانة الملك والإخلال بالأمن العام ! ولكن المثير أن "كل هذا تحول بقدرة قادر إلى 'مؤامرة للمساس بحياة ولي العهد'، بعد أن أضيف إلى المعتقلين بضع عشرات من المقاومين بالتزامن مع حل جيش التحرير.
تم الإفراج عن اليوسفي بعد 15 يوما، بينما حوكم كل الآخرين بتهم ثقيلة، بمن فيهم الفقيه البصري الذي كان الأمير مولاي الحسن قد اقترح تعيينه خليفة على الجنوب !
وكان على عبد الله إبراهيم أن يندد برفاقه ويقر بأنه مسؤول أمام الملك، بعد أن دعاه محمد الخامس إلى ذلك.
وسيقول المهدي بن بركة، الذي كان بدوره مهددا ورحل في يناير 1960 إلى منفاه الأول "إبان حكومة عبد الله إبراهيم كنا جزئيا في السلطة وجزئيا في المعارضة"
ومع ذلك، لم يستقل عبد الله إبراهيم، بل تشبث بإصلاحاته، الأمر الذي أثار الكثير من الاستهجان لدى معارضيه.
كما أنه لم يقدم استقالته كذلك بعد هذه الاعتقالات التي كانت فضيحة، ودفعت الفقيه بلعربي العلوي إلى التخلي عن منصبه كوزير للتاج في مارس 1960. ولكن المثير أنه كلما اشتدت التوترات، ازدادت الإصلاحات وأعطت أكلها، ويقترب موعد الانتخابات.
سيواجه عبد الله إبراهيم صعوبات أخرى كان وراءها المستعمر السابق، الغاضب من المساس بهيمنته، لأن الرجل لم يكن يخفي رغبته في تنويع المبادلات من خلال فتح أبواب المغرب أمام أصدقائه الألمان والطليان، وكذلك أمام بلدان شرق أوروبا.
وستلعب فرنسا القلقة ورقة ولي العهد ضد رئيس الوزارة وإصلاحاته التي كانت تعارض كذلك سياسة باريس في موريتانيا، فقد كان عبد الله إبراهيم يطالب باستشارة سكان هذا المجال الترابي.
في ظل كل هذا الأجواء، كان عمل الحكومة يرقى إلى المعجزة. ومازال عبد الرحمان اليوسفي يتعجب لذلك: 'مدهش حقا ما أنجزه عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد في بضعة أشهر'.
وهذه حقيقة ! فقد أنشأ هذا الفريق الحكومي عملة وطنية، وأبناكا وأدوات مالية، وخلق قطاعا عموميا، ووضع تشريعا للشغل، وأسس ديبلوماسية جديدة، ومرر عدة قوانين، منها واحد خاص بالجنسية، كما منح فريق عبد الله إبراهيم حق التصويت للنساء، واهتم بإعداد التراب الوطني... إلخ
على مستوى السياسة الدولية وفيما يخص العلاقات المتوترة مع المستعمر السابق، كان تحرك عبد الله إبراهيم محسوبا وحذرا، ويتسم بالاعتدال - بالرغم من انتقادات ومزايدات كل أعداء حكومته- ولكن بالصرامة اللازمة أيضا (...)
وكان رئيس الحكومة كذلك من مؤيدي التوجه العالم الثالثي، متأثرا بتجارب 'ماو تسي تونغ' و'هو شي منه' و'سوكارنو' الذي سيلتقي به في القاهرة. كما كان متحمسا بشدة للفكرة المغاربية، مقتنعا أنه يجب تأسيس مغرب عربي كبير يمتد إلى غاية مصر. (...)