يتحدث محمد بشير الراشدي، رئيس الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في هذا الحوار المصور مع "تيلكيل عربي"، عن ورش تعديل القانون المنظم للهيأة، كما يتحدث عن الأوراش التي فتحتها الهيأة، ويدلي برأيه في عدد من المواضيع التي تتعلق بمحاربة الفساد.
مرت أزيد من سنة على تعيينكم رئيسا للهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. كيف تبدو لكم الصورة اليوم؟
لقد خصصنا سنة 2019 للتأسيس، حيث اشتغلنا على أوراش متعددة من أجل تهيئ الأعمال في إطار رؤية متكاملة وشاملة في عدة محاور. كما اشتغلنا مع القطاعات والمؤسسات المعنية من أجل التقدم في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وجعلها أكثر فعالية، وذات أثر أكبر على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين.
ما هي أبرز الأوراش التي فتحتموها خلال هذه الفترة؟
اشتغلنا على أزيد من 10 أوراش، لن أسردها كاملة، لكنني سأتحدث عن الاشتغال عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي انطلقت سنة 2016، حيث قمنا بتقييم أولي لها بعد مرور 3 سنوات. وتبين لنا، من خلاله، أن هناك إنجازات متنوعة من الناحية التشريعية والإجرائية، لكن، بالمقابل، لم نصل بعد إلى الأهداف ذات الأثر الفعلي الذي يؤدي إلى تغيير في حياة وبيئة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، ويقلص ظاهرة الرشوة بكيفية ملموسة.
انطلاقا من التشخيص الأولي، اقترحنا إعادة هيكلة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتدقيق مضامينها، وتحديد أولويات على مستوى كل سنة انطلاقا من معيارين هما: تحديد مدى إمكانية تحقيق المشروع المنتقى لدفعة حقيقية لما تبقى من الاستراتيجية، وتحقيق فعالية أكبر، وكذلك مدى وجود تأثير مباشر على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، بصفة عامة.
وانطلاقا من هذا الاقتراح، وهذا التوجه، تم الاشتغال مع جميع القطاعات المعنية، كما حظيت كل البرامج باجتماع، على الأقل، من أجل تنسيق البرامج، وكي نتفق على التدقيقات وإعادة الهيكلة ومنهجية الحكامة التي اقترحناها، من أجل تحقيق الالتقائية والفعالية وتطوير إمكانيات المسؤولين في القطاعات المعنية ومشاريع وبرامج الاستراتيجية.
ما مدى الاستجابة لمقترحاتكم؟
إلى حدود يوليوز الماضي، الذي عرف انعقاد آخر اجتماع للتنسيق، كان هناك تفاعل إيجابي من طرف فرق العمل والمسؤولين والوزراء.
ولكي أكون موضوعيا، فنحن نعتبر سنة 2019 سنة تأسيسية، ولا أظن أننا حققنا التغيير المنشود والعميق الذي نتوخاه، لذلك أتمنى أن تكون سنة 2020، سنة انطلاقة فعلية في إطار مكافحة الفساد.
"نعتبر 2019 سنة تأسيسية، ولا أظن أننا حققنا التغيير العميق الذي نتوخاه، لذلك أتمنى أن تكون 2020، سنة انطلاقة فعلية في مكافحة الفساد".
منذ تعيينكم، طالبتم بتعديل قانون الهيأة. ما هي الأسباب التي دفعتكم لهذا الطلب؟
منذ البداية، عبرنا عن ملاحظاتنا بخصوص القانون، الذي اعتبرنا أنه ينطوي على العديد من نقط الضعف، وتقدمنا بمشروع من أجل تغيير هذا القانون، وهذا من بين الأوراش التي اشتغلنا عليها، حيث كان هناك عمل مكثف بين السلطات والهيئات المعنية، قبل أن نتوصل، في الأخير، إلى صيغة متفق عليها، والتي يفترض أن تعرض على البرلمان، خلال فترة قصيرة.
ما هي الصلاحيات التي تودون أن تتوفر عليها الهيأة حتى تتمكن من القيام بدورها الدستوري؟
نحن نعتبر تحقيق عدد من الأهداف من قبيل التقليص من ظاهرة الرشوة وفتح المجال للتنمية المندمجة والمستدامة، واسترجاع ثقة المواطنين المتدنية حاليا يستوجب أن نشتغل جميعا من أجل إعطاء الهيأة صلاحيات مجموعة من المستويات.
أولا، تمكينها من صلاحياتها الدستورية المتعددة والقوية من قبيل الإشراف والتنسيق وضمان التتبع وتحقيق الالتقائية بين المؤسسات في إطار مسؤولية كل مؤسسة، لكن داخل منظومة مندمجة.
ثانيا، نعتقد أنه لإعطاء مصداقية للعمل الجماعي وعمل الهيأة، بصفة خاصة، لا بد أن تتقوى صلاحيات الهيأة، في ما يتعلق بالبحث والتحري من خلال آلية التصدي التلقائي لأفعال الفساد. وقد اشتغلنا على هذا الموضوع رغم الصعوبات؛ إذ أننا كنا نبحث عن ضمان استقلالية الهيأة في البحث والتحري وكذا تحقيق التكامل المؤسساتي من أجل فعالية أكبر، وذلك من خلال تفعيل المنظومة الزجرية التي يجب أن يصبح دورها وقائيا؛ إذ بمجرد ما يعرف المفسدون أن الإفلات من العقاب لم يعد قائما سيراجعون أنفسهم.
هناك من اعتبر أن مطالبتكم بالتوفر على صلاحية التصدي التلقائي، بدل الاكتفاء بدراسة الشكايات والتبليغات، يصطدم مع صلاحيات سلطات أخرى، خاصة السلطة القضائية؟
هذا ما تحدثت عنه، لقد كان ضروريا أن نشتغل جميعا من أجل إيجاد الصيغة التي تمكن الهيأة من القيام بأدوارها دون أن يؤدي ذلك إلى تضارب في الصلاحيات والمسؤوليات مع سلطات ومؤسسات أخرى.
إن الصيغة التي توصلنا إليها أخذت بعين الاعتبار كل هذه الجوانب، بما في ذلك ضمان حقوق الأشخاص.
ماهي تفاصيل هذه الصيغة؟
أظن أنه من الأفضل أن ننتظر نشر هذا المشروع، وآنذاك يمكن الاطلاع عليه.
ما معالم صيغة المشروع الجديد؟
ما يمكنني قوله هو أن الصيغة التي تم التوافق حولها، وتم الاشتغال عليها بكثافة من طرف السلطات والهيئات المعنية لفترة طويلة، يعطي إمكانيات كبيرة للهيأة في إطار استقلاليتها من أجل أن تقوم بمهامها، ودون ندخل في التفاصيل فإن المشروع المنتظر عمل على تجاوز نقائص القانون الحالي.
مر أزيد من سنة، ولم يتم تعيين مجلس الهيأة، ألا ترون أن هذه الفترة تمت إضاعتها؟
بالفعل، كي تقوم الهيأة بمهامها كاملة، وكي تلم بمختلف الجوانب بكل مسؤولية، فإن المجلس هيكل ضروري للقيام بهذه المهام. لكن لا يمكننا القول إن سنة 2019 ضاعت.
نعم يمكننا القول إنه كان يمكن أن نسير بوتيرة أسرع، لكن مع ذلك استغلينا هذه الفترة للتأسيس، وهذا قد يكون مفيدا لأننا اشتغلنا على أوراش متعددة.
"يمكننا القول إنه كان يمكن أن نسير بوتيرة أسرع، لكن مع ذلك استغلينا هذه الفترة للتأسيس".
ما الذي يعيق تنصيب مجلس الهيأة؟
بكل صراحة، الأمر له علاقة بتعديل القانون.
ما موقفكم من مشروع القانون الجنائي، الذي تضمن مقتضيات تجرم الإثراء غير المشروع؟
نعتبره تقدما، لأن تجريم الإثراء غير المشروع وربطه بالتصريح بالممتلكات نعتبره تقدما إيجابيا، لكننا لم نصل بعد إلى ما نطمح إليه. كما نعتقد أن هذه المقتضيات كانت ضرورية من أجل التعاطي مع مظهر من مظاهر الفساد.
هناك من يرى أن الصيغة التي وردت في مشروع القانون الجنائي بشأن تجريم الإثراء غير المشروع غير كافية طالما أن البحث والتحري لا يشمل ثروة أقارب وزوجات المسؤولين؟
لهذا قلت لك إننا لم نصل لأبعد مدى ممكن، ولكن هذا تقدم وخطوة إيجابية، وأعتقد أن النقاش سيظل مطروحا في الموضوع، وستعمل الهيأة على إغناء هذا النقاش.
مرت أزيد من أربع سنوات على وضع هذا المشروع في البرلمان، ألا ترون بأن العمل التشريعي يسير ببطء شديد حينما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد؟
هذا نقاش عام، ولا يتعلق بالمشاريع التي لها علاقة بمحاربة الفساد. وأظن أنه في إطار التفكير في النموذج التنموي يمكن أن نضع الأصبع على كيفية الاشتغال وتحديد الأولويات، وتحديد آجال المشاريع التي لها علاقة بالتنمية ومكافحة الفساد، التي تظل ركيزة أساسية للتنمية.
رغم وجود قوانين في المغرب لمحاربة الفساد إلا المواطن لا يجد لها أثرا في واقعه؟
هذا ما نؤكد عليه، فهناك تشريعات كثيرة وإنجازات كثيرة، لكن الأثر وإحساس المواطن في ما يخص التعامل مع الفساد وتأثيره على عيشه اليومي يجب التعاطي معه، لأنه أساس ثقة المواطنين، ولأننا بدون ثقة لا يمكن إذكاء دينامية فعالة تمكن من انخراط الجميع في التنمية المدمجة.
لقد أصبح المجتمع يتعايش مع الرشوة ويطلق عليها أسماء ومسميات متعددة مما يدفع إلى طرح السؤال بشأن التوعية والتحسيس. ما الذي تنوون عمله في هذا الإطار؟
لقد تحدثت لك سابقا عن الأوراش التي اشتغلنا عليها. ومن بين هذه الأوراش أن تكون لنا رؤية شاملة تنبثق عنها استراتيجية متكاملة ومتعددة الأبعاد، والتي يمكنني تلخيصها في خمس محاور هي:
أولا، إمكانية بناء معرفة موضوعية عن الظاهرة وتمظهراتها مجاليا وقطاعيا وحسب الفئات المجتمعية، وانطلاقا من ذلك يتم تحديد المؤشرات التي ستمكننا من قياس تطور الظاهرة، سواء صعودا أو انخفاضا، وكذا تقييم آثار السياسات العمومية ووقعها على الظاهرة.
ثانيا، الإشراف والتنسيق وضمان تتبع السياسات والاستراتيجيات الوطنية والعمومية، بصفة عامة، كي تصبح أكثر فعالية، ويتم توجيهها بكيفية تمكنها من تحقيق الأهداف المسطرة.
ثالثا، التركيز على التوعية والتحسيس والتكوين وتعبئة المواطنين، حسب كل فئة، حتى نخلق اندماجا بين هذه الفئات في إطار ديناميكية واسعة. وهنا سنستغل كل ما يتوفر من تكنولوجيا وشبكات للتواصل والتفاعل وفتح المقاربة التشاركية بكيفية واسعة.
رابعا، يتعلق الأمر بكيفية البحث والتحري والتصدي التلقائي؛ إذ الملفات التي تتم دراستها من قبل الهيأة ويتضح أن فيها شبهات ودلائل كافية يتم تقديمها إما للسلطات الإدارية، إذا كان الأمر يستدعي اتخاذ إجراءات تأديبية، أو إحالتها على السلطات القضائية.
خامسا، ضرورة الدفع بالتشريعات الوطنية كي تتلاءم مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذلك الاستفادة من التجارب الفضلى في هذا المجال من أجل تطوير قدرات المغرب، فضلا عن تنمية التعاون الدولي.
يشير عدد من التقارير إلى أن المغرب يفقد 2 في المائة من النمو الاقتصادي بسبب الفساد. إلى أي حد تتفقون مع هذا الطرح؟
سبق أن تكلمت عن ضرورة التمكن من المعرفة الموضوعية، لأنها هي التي ستمكننا من القياس الكمي.
حاليا، نتكلم عن 2 في المائة بطريقة غير علمية، لذلك أعتقد أن الأمر أكثر من هذا بكثير. فإذا أخذنا الدراسات الموجودة عالميا، فإن الفساد يكلف 2 في المائة من النمو الاقتصادي على الصعيد العالمي، علما أن هذا المعدل يهم مختلف دول العالم، بما فيها الدول ذات الشفافية المتقدمة، كما أن تقرير سابق للبنك الدولي، يعود إلى 10 سنوات مضت، يتحدث عن 1000 مليار دولار على المستوى العالمي، و146 مليار دولار على الصعيد الإفريقي؛ أي 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
بالمقابل، ما الذي سيجنيه المغرب من محاربة الفساد؟
سيتمكن من تحقيق تنمية متينة، وسيفتح الباب للطاقات من أجل إنتاج ثروة أكثر بكثير مما هو عليه الحال حاليا، حيث نعاني من تمركز الثروة ومداخيل الدولة، الشيء الذي لا يمكن من تجاوز ما وصلنا إليه على مستوى وتيرة النمو الحالي، كما سيمنح الثقة، وهذا شيء أساسي لإنتاج الثروة، فضلا عن الولوج العادل للموارد، وهذا هو أساس النموذج التنموي.
هل بدأت تصلكم شكايات وبلاغات بخصوص قضايا الفساد؟
تصل بعض الشكايات، لكن كي يتفاعل المواطنون لا بد أن يكون الإطار موجودا، وأن نتمكن من المتابعة، لأننا إذا لم نقم بالدراسة والمتابعة سيكون هناك مساس بالثقة، لذلك نحن لا نتواصل في هذا المجال إلى حين توفرنا على إمكانيات العمل، وأظن أن سنة 2020 ستشكل نقلة نوعية في هذا الاتجاه.
كيف ترون موقع مكافحة الفساد في مشروع النموذج التنموي؟
هو ليس محورا أساسيا، أو ركيزة أساسية فقط، بل هو مدخل لا محيد عنه؛ إذ لا يمكننا الحديث عن نموذج تنموي يتوخى تقليص الفوارق ورفع نسبة النمو وإدماج الشباب وجميع المواطنين دون أن نضع أسس الشفافية والابتعاد عن جميع الامتيازات غير المشروعة.
ما هي الطموحات التي تريد تحقيقها قبل انتهاء ولايتك؟
هي طموحات لا تتعلق بالولاية، بل بمستقبل البلد.
إن هدفي هو أن يتقلص الفساد بكيفية كبيرة وملموسة، وأن يحصل المواطن على مصالحه وحقوقه وهو يعلم أن هناك شفافية، وأنه لا مكان للولوج إليها بطرق أخرى غير الطرق القانونية، وأن لا يقف الفساد عقبة في وجه المستثمرين.
إن المغرب لديه إمكانيات من أجل الارتقاء إلى مصاف الدول الصاعدة، وأنا لدي قناعة راسخة، بهذا الخصوص، شريطة تجاوز مشكل الفساد الذي يعيق التنمية بكيفية كبيرة.
وأنا أعرف هذا المجال، لأنني كنت رجل أعمال، وانطلاقا من ذلك، فإنني أجزم بأن إمكانية تحقيق تنمية كبيرة ممكن جدا، إذا تم تقليص الفساد بكيفية كبيرة.
"المغرب لديه إمكانيات من أجل الارتقاء إلى مصاف الدول الصاعدة، وأنا لدي قناعة راسخة، بهذا الخصوص، شريطة تجاوز الفساد".
ما هي رسالتك لشركاء الهيأة وللمواطنين؟
بالنسبة للشركاء، أقول لهم إن الهيأة لوحدها لا يمكن أن تحقق أي هدف. صحيح أن لها دورا محوريا، لكن ذلك يتم في إطار تكامل مؤسساتي، وأن كل قطاع وكل هيأة يجب أن تقوم بمسؤوليتها في إطار من التنسيق والالتقائية، وفق أهداف ومنهجية موحدة.
أما بالنسبة إلى المواطنين، فأرى أنه لا بد من الاستعداد للتجاوب مع هذه الدينامية الجديدة، علما أنني لا أقول للمواطنين إنكم أنتم المسؤولون عن الوضع لأنكم تعطون الرشوة، بل أدعوهم لكي يدافعوا عن حقوقهم، من خلال استغلال كافة الإمكانات المتاحة دون إعطاء الرشوة.
"الهيأة لوحدها لا يمكن أن تحقق أي هدف. صحيح أن لها دورا محوريا، لكن ذلك يتم في إطار تكامل مؤسساتي".