خلُص البحث الميداني حول برنامج "مدارس الريادة" الذي أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن "المعنى الجامع للإجابات عند المشاركات والمشاركين في البحث، أطرا تربوية وإدارية وتلاميذ وأولياء، أن الإصلاح التربوي قد ولج قاعة الدرس، وأصبح واقعا يوميا يمارس بمنطق مبني على التسلسل المتدرج المغري على التتبع والمحفز الجماعي على المثابرة في تحصيل النجاعة المطلوبة المقدرة على الوقع التربوي الإيجابي لدى الطفل المتعلم".
وسجّل البحث الميداني الذي عُرضت نتائجه صباح اليوم الأربعاء بالرباط "وجود اتفاق لدى غالبية المشاركات والمشاركين في البحث حول أن برنامج (مدارس الريادة) يعد مكسبا تربويا وجب تثمين نتائجه الإيجابية الأولية وتحصين مكتسباته باعتبارها رهانا جماعيا للنهوض بالمدرسة العمومية خلال السنوات المقبلة".
وذكر رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، عثمان كاير، أن "حصول وعي لدى الأطر التربوية (أساتذة ومفتشين) على أن القاعدة المثالية لإنجاح تحديات البرنامج تكمن في التعبئة الجماعية والقبول بضرورة الثقة في جدوى الإصلاح وما تستلزمه هذه الثقة من تغيير ثقافي لمنظور العملية التربوية، حيث الغاية الأسمى ليست المطاوعة السلوكية القهرية للقاعدة البيداغوجية، كما هي مشروطة في الدلائل التربوية التوجيهية، وإنما تجسيد الأثر على عملية اكتساب المعرفة لدى التلميذ والتأكد من وجوده عبر قواعد تقييم شفافة وموضوعية ومعيارية وموحدة غير محسوم -قبليا- في نتائجها".
وأشار إلى أن "السببية الموجدة للرغبة في الانخراط في إنجاح رهانات برنامج "مدارس الريادة" مركبة تجمع بين عوامل مترابطة، منها على وجه الخصوص، ما تردد بشكل لافت في إجابات المساهمات والمساهمين في البحث الميداني على رأسها الإحساس بالآمان لدى الاساتذة في علاقتهم بمستلزمات المراقبة التربوية الروتينية، حيث الإبداع والاجتهاد في التدبير الزمني للدرس لم يعد في رأيهم مخالفة مهنية أو عيبا منهجيا وجب تداركه، وإنما مبادرة قابلة للتثمين والتقويم في إطار مقاربة نقدية مبنية على الحجاج البناء؛ كما أن المنتظر من الدرس ليس إتمامه وفق ما تضمنته الكتب المدرسية من معلومات وأفكار وتمارين بطريقة خطية محسومة سلفا بدون استشارة للأستاذ، وإنما الحرص على ملاءمته مع السياق النفسي والاجتماعي للمتعلمين في إطار من المسؤولية المشتركة بين الأستاذ والمفتش المواكب".
وأبرز البحث أن "التركيز على تجويد وتحسين مردودية الاكتساب لدى التلميذ والقياس المستمر لحصول الأثر لديه على مستوى التعلمات الأساسية جعل منظور التغيير المنشود من الإصلاح التربوي يتحول من منطق تحقيق العدالة المشروطة بالمساواة في الاكتساب وفي التحصيل إلى منطق العدالة المرهونة بإنصاف المتعثرين وفق تصور يوافق أحد القيم الكونية التي تتأسس عليها أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث المبدأ الموجه لكل إصلاح تربوي عميق هو: ألا يُتركَ أحدٌ جانبا".
ولفت الانتباه إلى أن "الاستئناس بالتكنولوجية الرقمية في التواصل بين الأستاذ والمفتش المواكب، وفي إعداد وتقديم الدرس، حفز الأستاذ على تنويع أدوات الشرح واختبار مهارتي الفهم والاستيعاب لدى التلاميذ، كما مكن التلميذ من التركيز أكثر وعلى المشاركة داخل القسم، وهناك فرق ظاهر للعيان في المزاج العام بين المدرسة المحتضنة للبرنامج وبين المدرسة التي ما تزال تعتمد المقاربة التربوية المعيارية التقليدية. موجزه، أن محفزات العناية والاهتمام بالأثر التربوي على مستوى التعلمات لدى التلميذ متوفرة أكثر داخل النوع الأول (أي المؤسسة المحتضنة لتجربة برنامج "مدارس الريادة)".
وشدد المرصد الوطني للتنمية البشرية أن "تجربة اللقاءات التناظرية بين أساتذة المؤسسات المحتضنة لتجربة البرنامج والمؤسسات الأخرى، أظهرت أن الثقة في قدرات الأستاذ داخل برنامج " مدارس الريادة" جعلت منه ميسرا للتغيير ومرافعا عليه، كما جعلت منه آلية ناجعة لتحسيس وتكوين الأقران".
ودعا البحث الميداني إلى "الاستفادة من الصعوبات التي شهدتها عملية تثبيت البرنامج في بداية المرحلة التجريبية خلال الدخول المدرسي 2023-2024، خاصة فيما يتعلق بإنهاء أوراش تأهيل الفضاءات الداخلية للمدارس، وتجهيز الأقسام بالمعدات التكنولوجية، واستباق حاجيات الأساتذة للتكوين المستمر والمواكبة في مرحلة الاستئناس باستعمال التكنولوجيا الرقمية في العملية التربوية".
وطالب "مأسسة التواصل والتتبع الإداري والتربوي للبرنامج وتأطير التواصل بشأن ذلك بمنهجية مؤمنة -إداريا- ومقننة بقواعد مسطرية توازن بين شرط السرعة في التفاعل وتقاسم المعلومات وبين شرط التأطير الإداري المتعارف عليه داخل القطاع، وتأطير مرحلة تعميم البرنامج بنظام لمؤشرات النجاعة ومراقبة مساري التثبيت والتنفيذ وفق رؤية ونظرية تغيير مشتركة ومتقاسمة بين مختلف الفاعلين المعنيين".
وثمن "المقاربة الجديدة المعتمدة في إعداد الدروس، وتعميق البحث في درجة ملاءمة التقطيع الزمني للحصص مع شرط التأكد من الوقع الإيجابي على عملية الاكتساب لدى التلميذ، وإجماع لدى الأساتذة على ضرورة انخراط الأسر وأولياء التلاميذ في البرنامج، لأن من شأن ذلك أن يضاعف حظوظ نجاح المدرسة العمومية في التحكم -إيجابيا- في المسار التربوي للتلميذ".
وأوضح أن "هناك توجس عام لدى الأساتذة من التأثير -سلبا- لعامل الاكتظاظ على مردودية البرنامج".
وسجل أن "مطلب لدى عامة الأطر التربوية بضرورة استدامة البرنامج عبر تأمين تواصل مستمر وتقييمات منتظمة وتفاعل سريع للإدارة الوصية مع حاجيات صيانة المعدات وتزويد المؤسسات بالإمكانيات والتجهيزات اللازمة لاستباق انقطاع الكهرباء، خاصة في المجال القروي".